Thursday 8 May 2025
خارج الحدود

خبير في الدراسات الاستراتيجية يشرح أسباب توتر علاقات الجزائر ببلدان الجوار الإقليمي

خبير في الدراسات الاستراتيجية يشرح أسباب توتر علاقات الجزائر ببلدان الجوار الإقليمي العلاقات المتوترة للنظام العسكري الجزائري مع دول الجوار والعالم
تشهد علاقات النظام العسكري الجزائري ببلدان الجوار الإقليمي وعددا من البلدان توترا متصاعدا منذ سنوات، وهو الأمر الذي يرجعه العديد من المراقبين الى عدم توافق أجندات السياسة الخارجية لهذه البلدان مع أجندة النظام العسكري الجزائر، خاصة فيما يتعلق بالوضع في ليبيا والسودان والصحراء المغربية، الى جانب المشاكل الحدودية الموروثة عن حقبة الاستعمار الفرنسي، حيث ترفض الجزائر مطالب بلدان الجوار الإقليمي باسترجاع أراضيها التي تم اقتطاعها من طرف الاستعمار وضمها قسرا الى الجزائر مبدية تشبتها بالحدود الموروثة عن الاستعمار .

ولعل أبرز هذه التوترات، التوتر مع فرنسا، حيث عادت العلاقات الجزائرية – الفرنسية الى مسار الخلاف بتاريخ 14 أبريل 2025 رغم مساعي البلدين الحثيثة لإعادة جسور التواصل وترميم العلاقات التي شهدت توترا متصاعدا على مدار الشهور الماضية، حيث أعلنت  الجزائر اعتبار 12 موظفا عاملين بالسفارة الفرنسية وممثليتاها القنصلية "أشخاصا غير مرغوب فيهم مع إلزامهم بمغادرة التراب الوطني في غضون 48 ساعة". وقد جاء القرار إثر اعتقال ثلاثة مؤثرين جزائريين بتاريخ 8 أبريل 2025 بتهمة التحريض على العنف والقتل في الجزائر وفرنسا.

علاقة الجزائر باسبانيا ليست بأفضل حال كذلك مع فرنسا، حيث أعلنت الجزائر تعليق " معاهدة الصداقة " مع اسبانيا في 18 مارس 2022 ردا على الاعتراف الإسباني بمغربية الصحراء، واشترطت الجزائر بعد تعليق "معاهدة الصداقة"، وسحب سفيرها من مدريد، عودة إسبانيا عن قرارها الداعم للمقترح المغربي، مقابل استئناف العلاقات، غير أن مدريد لم تعلن رسمياً أنها سحبت تأييدها للمغرب حتى اليوم. علماً أن السفير الجزائري عاد إلى موقعه في نونبر 2024.

كما تصاعد الخلاف بين الجزائر ودول تجمع الساحل ( مالي، النيجر، بوركينافاسو) في 9 أبريل 2025 وبلغت الأزمة ذروتها بقرار هذه الدول سحب سفرائها من الجزائر، وهو ما ردت عليه الجزائر بإجراء مماثل، بالإضافة إلى إغلاق مجالها الجوي أمام تلك الدول.

ولا يعد هذا الخلاف الأول بين مالي والجزائر، حيث سبقته فترات توتر متواصلة خلال السنوات الماضية، إذ تتهم مالي الجزائر بأنها تتواصل مع مجموعات تعتبرها إرهابية على حدودها، في حين تؤكد الجزائر أن ذلك محض "ادعاءات باطلة".

كما تشهد علاقات الجزائر بالإمارات العربية المتحدة توترا مماثلا منذ سنوات، ويتجلى ذلك في اللهجة الحادة من مؤسسات وقنوات جزائرية ضد الإمارات، رغم محاولات حكومتي البلدين إلى رأب الصدع، ففي قمة مجموعة السبع في روما في حزيران/يونيو عام 2024، جرى أول لقاء بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان. واعتبر هذا اللقاء بمثابة محاولة "لكسر الجليد" بين البلدين، لكن لم يعقبه الكثير من الإجراءات الملموسة التي تعيد العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي.

وفي تعليقه على التوترات التي تشهدها علاقات الجزائر ببلدان الجوار الإقليمي وبلدان أخرى في العالم قال محمد الطيار في تصريح لجريدة " أنفاس بريس " رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية إن النظام العسكري الجزائري ركز منذ انطلاقته في بداية الستينيات من القرن الماضي على اللعب على الحبلين، فهو من جهة  يسوق  على أنه الى جانب المعسكر الاشتراكي وأنه"  قلعة التحرر"  و"مكة الثوار "، ولكنه في نفس الوقت يربط علاقات سرية ومصلحية مع المعسكر  الغربي ولا يخطو خطوة بدون مباركة فرنسا ، وهو ما جعله يتورط في دعم العديد من المنظمات الإرهابية المحسوبة على التوجه الاشتراكي أو الماركسي، ومع تغير التوازنات الدولية وانتهاء مخلفات الحرب الباردة ، وجد نفسه مكشوفا بدون مصداقية وبدون  موثوقية.

 أما المرتكز الثاني – يضيف الطيار -  فيتجلى في كون علاقته الإفريقية استندت على  استعمال دبلوماسية الحقائب المالية وشراء الذمم، بدل علاقات شراكة أو علاقات دبلوماسية عادية، وبحكم التطورات التي عرفتها النخب الإفريقية التي أصبحت تتجنب السقوط في هكذا مماراسات ، خاصة مع ظهور زيف الكثير من الأمور التي طالما رددها النظام الجزائري، فيما يخص الوضع الداخلي والاجتماعي وزيف الواجهة السياسية  وعلاقاته الخارجية، خاصة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، حيث فتح الجميع أعينهم على نظام عسكري دكتاتوري  يطارد معارضيه بالقتل والاعتقال ، ويعيش تخبطا دبلوماسيا وتيها سياسيا بشكل عام، فضلا عن  انكشاف تورطه في العديد من الأفعال الإجرامية والإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي وفي المغرب وفي باقي دول جواره الاقليمي.

والى جانب المرتكزات التي أشار إليها الطيار، فواقع الجغرافية التي قامت عليها دولة الجزائر، هي في الأصل أراضي مقتطعة من دول الجوار من قبل الاستعمار الفرنسي ، حيث لم تكن فرنسا تتصور يوما انسحابها من الجزائر، فقامت باقتطاع أراضي شاسعة من ليبيا وتونس ومالي والمغرب ، ولذلك – يقول محاورنا - فالاستراتيجية التي اعتمدها النظام الجزائري طيلة السنوات الماضية هي خلق أزمات أمنية  داخلية ليشغل بها بلدان الجوار عن المطالبة باسترجاع أراضيها التي استولت عليها فرنسا وأسست عليها جغرافية الجزائر الحالية ،  أي خلق توترات وحالة غير آمنة في محيطه الإقليمي حتى تنشغل هذه الدول بواقعها الأمني بدل التفكير في استرجاع أراضيها من النظام الجزائري، وقد كان له دور في اعتماد  منظمة  الاتحاد الإفريقي وقبله  منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، وقد أصبح هذا المبدأ يشكل معضلة أمنية وأزمة خطيرة في بلدان الجوار الإقليمي للجزائر، اعتبارا لكون هذا المبدأ يتعارض مع مصالح شعوب ودول المنطقة .

وخلص الخبير في الدراسات الاستراتيجية الى أن الأمر يتعلق بعقيدة قديمة جدا تنبني على إشعال التوتر وخلق الفتن والقلاقل الأمنية في المنطقة، وضمنها تشجيع تهريب الكوكاكيين والجريمة المنظمة، وخلق مليشيات على شاكلة البوليساريو وتنظيمات إرهابية مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين،  وهذه الاستراتيجية تظل قائمة ويصعب على الجزائر التخلي عنها بسهولة، فهي عقيدة متجذرة ولا يمكن أن  يتخلص منها النظام العسكرى الجزائري، مهما حاول ولو قام بتغيير ثوبه مرات ومرات ، فالأمر  يعني أسباب الوجود ، ويرتبط كذلك  بالتركيبة النفسية للقيادة الجزائرية ، وبالمتخيل الاجتماعي الذي تشكل طيلة العقود الماضية.