في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تُعد قضية الصحراء المغربية محورًا استراتيجيًا يحظى بأولوية قصوى في السياسة الوطنية. وعلى مدار السنوات الماضية، نجحت الدبلوماسية الرسمية في تحقيق مكاسب نوعية تُرسّخ سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو ما أكدته الاعترافات المتزايدة بمغربية الصحراء والدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام للنزاع المفتعل. لكن المرحلة الحالية تفرض الانتقال من مرحلة التدبير إلى التغيير عبر تعزيز الدبلوماسية الموازية، وإشراك كافة الفاعلين في مسار الترافع الدولي لضمان تنزيل ناجع لهذا المشروع وضمان استدامته.
في هذا السياق، نظم مجلس المستشارين ندوة وطنية تحت شعار: "البرلمان وقضية الصحراء المغربية، من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال"، هذه المبادرة تُترجم توجهًا استراتيجيًا نحو دعم الجهود الرسمية بترافع برلماني وإعلامي ومجتمعي يُعزز حضور المغرب في المشهد الدولي. إذ يُعد البرلمان المغربي أحد أذرع الدبلوماسية الموازية، حيث يضطلع بدور محوري في كسب التأييد الدولي من خلال مجموعات الضغط البرلمانية، واللقاءات الثنائية مع مسؤولين دوليين، والمشاركة الفاعلة في المنتديات البرلمانية العالمية. وإلى جانب العمل البرلماني، يُمثل الإعلام القوة الناعمة القادرة على تصحيح الصورة المغلوطة، ونقل الحقائق المرتبطة بالاستقرار والتنمية في الأقاليم الجنوبية إلى المجتمع الدولي.
أهمية الإعلام في الدفاع عن القضية الوطنية حظيت بمكانة بارزة في الخطابات الملكية، حيث شدد الملك محمد السادس على ضرورة تعزيز الأداء الإعلامي ليواكب التحولات العالمية في مجال التأثير والتواصل الدولي. في إحدى خطاباته، أشار جلالته إلى أن الإعلام الوطني يجب أن يكون قادرًا على التصدي للحملات المغرضة، وتقديم خطاب مهني وموضوعي يبرز عدالة قضية المغرب. انطلاقًا من هذه الرؤية الملكية، أصبح من الضروري الاستثمار في الإعلام الرقمي لإنتاج محتوى متعدد اللغات يخاطب مختلف الشرائح العالمية، وتعزيز التعاون مع وسائل الإعلام الدولية لضمان إيصال الصوت المغربي إلى جمهور أوسع. كما يُمكن للإعلام الاستقصائي من خلال الوثائقيات والتقارير الميدانية أن يُفند الادعاءات الكاذبة، ويُظهر الحقائق حول التنمية المستدامة في الأقاليم الجنوبية.
لكن الترافع الإعلامي لا يُمكن أن يُحقق تأثيرًا قويًا دون انخراط الفاعلين المدنيين الصحراويين في جهود الدفاع عن القضية الوطنية. إذ أن الأكاديميين، المثقفين، والمنتخبين الصحراويين يُشكلون قوة دفع حقيقية، حيث أن مشاركتهم في المحافل الدولية تُضفي عمقًا إنسانيًا وقانونيًا على القضية، وتُساهم في تقديم صورة متكاملة عن الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأقاليم الجنوبية. كما أن إشراك الجالية المغربية بالخارج في حملات الترافع يُعزز من وصول الرسائل المغربية إلى المجتمع الدولي عبر الفعاليات الثقافية واللقاءات الأكاديمية، مما يُسرّع الاعتراف الدولي بمشروع الحكم الذاتي كإطار سياسي واقتصادي مستدام.
لقد حققت الدبلوماسية الرسمية نجاحات بارزة في السنوات الأخيرة، حيث تمكن المغرب من انتزاع دعم دولي متزايد لمبادرته، وهو ما يُعتبر انتصارًا استراتيجيًا يعكس نجاعة المقاربة الدبلوماسية التي تعتمدها المملكة. لكن هذا النجاح لا يُمكن ضمان استدامته إلا من خلال تكامل الدبلوماسية الرسمية والموازية، إذ أن العمل البرلماني والإعلامي والمدني يُشكل امتدادًا للدبلوماسية الرسمية، ويساهم في إضفاء زخم إضافي على جهود المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية.
تحمل المسؤوليات في هذه المرحلة يُعد أمرًا جوهريًا، إذ أن نجاح الترافع الدولي يحتاج إلى تفاعل جاد من مختلف الفاعلين، سواء المؤسسات الرسمية، البرلمان، الإعلام، المجتمع المدني أو حتى الجالية المغربية بالخارج، التي تملك إمكانيات هائلة لنقل الرؤية المغربية إلى العالم عبر الفعاليات الثقافية واللقاءات الأكاديمية. هذا التكامل يفرض على الجميع العمل بروح الفريق، واعتماد مقاربة تتجاوز الخطاب التقليدي إلى العمل الميداني الفعال والمستدام.
الانتظارات كبيرة، إذ أن الرهان اليوم ليس فقط على تعزيز الموقف المغربي في المؤسسات الدولية، ولكن أيضًا على التصدي لحملات التشويه الإعلامي، وتوسيع قاعدة الدعم الدولي عبر آليات مبتكرة تواكب التحولات الجيوسياسية المتسارعة. المسألة لا تقتصر على ما تم تحقيقه حتى الآن، بل على كيفية ضمان استدامة هذا النجاح من خلال استراتيجيات فعالة تُحقق التأثير المطلوب.
المخرجات المتوقعة لهذه الدينامية الجديدة تتمثل في تعزيز حضور المغرب في المشهد الدولي، وترسيخ مغربية الصحراء عبر أدوات دبلوماسية وإعلامية أكثر تأثيرًا، وتحقيق تواصل فعال مع مراكز صنع القرار العالمي. نجاح هذه الجهود مرهون بمدى قدرة الفاعلين على ترجمة التوصيات إلى خطوات عملية تُحقق الأثر الملموس، بعيدًا عن التكرار الخطابي والاجتماعات التقليدية التي لا تثمر عن نتائج حقيقية.
بهذا التصور المتكامل، يُمكن للدبلوماسية البرلمانية والإعلامية أن تصبح قوة ضاغطة تُساهم في تعزيز عدالة القضية الوطنية وترسيخ موقف المغرب دوليًا، وتسريع تنزيل مشروع الحكم الذاتي ليُصبح نموذجًا سياسيًا وتنمويًا يُحقق الاستقرار والتقدم لسكان الأقاليم الجنوبية.