Thursday 8 May 2025
كتاب الرأي

إدريس قصوری: فصام ووسخ نفس إعلامي جزائري تجاه دولة الإمارات

إدريس قصوری: فصام ووسخ نفس إعلامي جزائري تجاه دولة الإمارات إدريس قصوری
لا يستطيع العقل المتزن أن يتقبل وأن يستوعب نشرة "إخبارية" جزائرية مملوءة بكل أنواع السب والقذف فوق ما يتحمله كلام مؤرخ جزائري تجاه الثقافة الجزائرية.
 
ولمعرفة أسس هذه الحماقة الإعلامية الجزائرية الاستثنائية في أساسيات وأخلاقيات الإعلام، لا بد من العودة للاسترشاد بعلم النفس السياسي لعله يسعف في التفسير.
 
تذهب بعض الدراسات النفسية إلى الخلط بين الصورة الذهنية والخلفية السياسية للإدراك يملأ الفكر بمصغرات عقلية تمثل نموذوجا لجراحات وآلام ذات صلة بمعطيات موجودة موضوعيا، وهي منبعثة عن رواسب تذكرية تشكل مصدر الخطر والتزييف، وضحية طفولة الإدراك.
 
ولهذا، وأمام الدهشة الكبيرة لقاموس نشرة إعلامية جزائرية التي فاقت كل إمكانات التوقع ، يمكن القول إن الخطاب الإعلامي الجزائري المنفوث ضد دولة إمارات رموزا ومؤسسات وتكوين ووجود ومواقف سياسية هو ضحية الذاكرة الجزائرية التي لا تعدد من الواقع الإماراتي سوى ما هو موشوم في التاريخ والواقع والنظام الجزائري من أمراض وصور مؤلمة مشحونة بالنقص.
 
1- النكوص: إن سرديات "دولة مصطنعة: نفس مريض، المسمومة، رقعة، المشروخة، بالية، يائسة: دولة صغيرة) لحس أحدية، المتآمرون، فاقدوا الشرف، ذو الوجه الضائع، إنتاج ومصنع الشر والفتنة، السموم والوسخ والعفن والوقاحة، الأقزام القائمون على دولة مصطنعة، باعوا ما يملكون من العرض والشرف، السفاحون، قتلة، العزل، اللقطاء، وغيرها.
 
فحسب علم النفس، تعددت السردية المنفوخة بمنظومة العار والسفه والعمر الإعلامي. فحسب سارتر تعد هذه السردية رواسب تذاكرية ذاتية متبقية. ذلك، أن الإعلام الجزائري، في رده، لم يقم سوى بتغيير اسم الجزائر باسم الإمارات في لعبة تبديل الأسماء واستقرار واستبطان الحقائق الجزائرية المؤلمة على الإمارات. ذلك، أن الخطاب الاعلامي الجزائري لم يعدد من الواقع الإماراتي إلا ما هو نكوص تاريخي وواقعي دبلوماسي أصبح ماركة مسجلة عالمية لصورة مستلبة لنظام عسكري قمعي فاقد الشرعية ينتج خطابا معكوسا ذاتيا ومنعكسا داخليا ولا سمعة العار ولا وظيفة له خارجيا سوى إثارة الفتنة والمشاكل مع جميع جيرانه من المغرب، وليبيا إلى مالي والنجير وبورکینافصو، وإسبانيا وفرنسا وقمع شعبه والمتجارة بقضايا الشعب الفلسطيني ودعم الكيانات الإرهابية والانفصالية مثل البوليساريو وأخواتها.
 
فعلم النفس، يؤكد أن الصورة الذهنية في المخيلة Limaginaire هي واقع نفسي ثابت و حقيقة مؤكده عنها . فهي تكشف المعاناة الذاتية للأسرار النفسية، بحيث، يتأكد أن كل ما عدده الاعلام الجزائري من شتائم لا يوجد إلا في الواقع الجزائري المؤلم ولا يوجد خارجه .. فالمعنى الحقيقي لكل كلمة قذف قيلت في حق الامارات ما هي إلا جراحات غائرة في الكيان والكينونة والوجود الجزائري تاريخا ورموزا ومؤسسات ونظاما وواقعا سیاسیا واقتصادیا ودبلوماسیا وثقافيا. فعقدة النقص وغطرسة العسكر وفشل السياسة وضمور الاقتصاد وتمزق الهوية هي كلها مصدر انبعاث سموم الجزائر تجاه محيطها وجیرانها واتجاه الإمارات.
 
إن كل نعث أو وصف جزائري ماهو إلا رمز نمطي قابع في أعماق وجدان النظام الجزائري. ذلك، أن هرمون الخطاب وكيمياء المعنى الجزائري مثخن، للأسف الشديد، باللا تاريخ و بالإكسارات المتتالية والفشل المتراكم والقمع المستبد وخلق النزاعات نتيجة توالي افتضاض الدول الاستعمارية لها من اسبانيا إلى تركيا تم فرنسا والتى استغلتها حفنة من قراصنة الشعوب بتوالي قوانين العسكرة والتعبئة والطوارئ .
 
2- التعويض: ولعل كل ما يلون به النظام الجزائي خطابه: من أصول جزائرية، تجذر في أعماق أعراق البشرية، جذور التاريخ، الجزائريون الشرفاء، النضال والنعمة والجهاد، والمليون شهيد، عراقة وبطولة، استقرار، وأمن وتنمية، السيادة، والجزائر السيدة، العراقة، والنبل والشرف، العرض، والعرق الأصيل، أمة ملايين الشهداء، والوحدة والسيادة والهوية والقيم الراقية والشموخ، كلها تعتبر تعويضا عن ماهو غير موجود ولم يسبق له أن كان في الرصيد التاريخي والسياسي والهوياتي والقيمي والثقافي للجزائر. فحاضنة منظومة تفكير الإعلام الجزائري وأسطورة نفخ الذات هي عقدة جزائرية موشومة بالنقص لا تكاد تنفك كأزمة وعي نسقي تاريخي أصبحت أسلوب حياة سياسية لصورة موهومة ومعكوسة عن ذات جزائرية منكسرة تختبئ وراء القوة الضاربة في كل شيء والعليا في كل شيء والمحورية والمركزية التي لا يضاهيها أحد كما كرستها النشرة الإعلامية وهي تلوك بأن الجزائر الضاربة أنظمته في عمق الأرض والمرتفعة أنفه إلى عنان السماء؟
 
إن الهوية الصفرية للجزائر تولد رؤية تضخيمية غير قابلة للتصالح مع الذات ولا تقبل المراجعة النقدية ولا التكيف مع تيار المتغيرات ومنطق تفاعل العلاقات الدولية، وهو ما يجعل الحس الجزائري مريضا مرضا مزمنا تتناثر أعراضه في كل مكان دون توقف، ذلك، أن الرمز المنتج للدليل الإعلامي الجزائري ولمعنى الخطاب السياسي الجزائري سابق لوجود الكينونة العدمية البئيسة للنظام العسكر، فيجتهد انفعاليا دائما للتغطية والتعمية من أجل التعويض.
 
إن النفخ في نسق البطولات والملاحم الجزائرية الموهومة يترجم خيبات داخلية ذاتية تاريخية المصدر والوجود في واقع جزائري محبط خلق لا شرعيا وعاش مأزوما وأصبح منبوذا بين الأمم . فلا فهم ولا إدراك لاستعارات الخطاب الجزائري إلا من خلال علم النفس المرضي، ذلك، أن عقدة أزمة الهوية المركبة الجزائرية المكونة من لقطاء شوارع تركيا وأوروبا المرحلين من طرف الدول المستعمرة للجزائر زمن الاستعمار هي تعبيرات الرموز الهوياتية الكبرى الموروثة عن إسبانيا وتركيا وفرنسا والمشكلة لقادة نظام عسكر ضباط فرنسا والحركيين. وهي الرموز القارة المركبة للخلية الجينية النفسية الوراثية لنظام الجزائر. ولذلك، فصورة الخطاب الإعلامي الجزائري هي صورة عدائية عدمية يتم تعويضها وتغليفها ببطولات وهمية وشعارات تعويضية لا تبارح الحاجة الماسة إلى التنفس وتضميد الجراحات وتسكين الألم المزمن. فهي أوهام مترسبة في المراكز العصبية للعقيدة النفسية والسياسية لنظام العسكر الذي لم يربح حربا ولم يبني وطنا. إنه نظام خان نضال شعب وسرق أحلامه ولا يزال كما نصبته فرنسا لذلك وكما حددت له وظيفته.
 
3- متلازمة عدم الشفاء: إن التاريخ الجزائري المفقود هو مصدر أزمات نظام العسكر الجزائري وهو أصل الخطاب السياسي، وهو سبب عدم الشفاء من الألم العريق والعميق، وهو مبعث نقلها وتصديرها للخارج في عملية إسقاط ممنهجة لا تملك من رصيدها الرمزي إلا اللغة الحربية البائدة في "در الصاع صاعين، وفي قطع اليد وبثر القدم وقلع اللسان" كما جاء في وسخ النشرة المعلومة. فالحاجة الكبرى لسد النقص لا تتوقف عن توسل التاريخ لاستمداد عناصر قوة مرضية وحشو الخطاب الاعلامي بأسماء من التاريخ لعلها تسعفها في ترميم فراغات الذات من مثل : أحفاد ماسينيسا ويوغرطة وعقبة بن نافع وطارق بن زیاد و بربروس والأمير عبد القادر وكريم بالقاسم وبوضياف وبن مهيدي. ذلك، أن المرض المزمن لنظام العسكر أعمى بصيرته عن إدراك حقيقة انتماء وولاء وهوية ومواقف ومآلات ومصائر حياة كل تلك الأسماء بين العربي ومقتول وخائن ومنبوذ ومغتال ومعزول ومنهزم وفار وموال للأعداء. فهي سردية أسماء تكذب وتنسف مقاصد نظام عسكري لا يدرك من التاريخ إلا الوهم.
 
4- فصامية الذات والوحدة: إن عقدة النقص الجزائري فاقت كل التوقعات، ذلك، أن الخطاب الجزائري لا يتوانى في ملء فجوات النقص بسرديات بلاغية يكذبها الواقع الجزائري. ولعل المهتم والمتتبع للشأن العام الجزائري لا يجد فيها لا عراقة ولا نبلا ولا شموخا ولا أعز ما يملكون ولا أعز ما يوحدهم حسب وسخ نشرة الرد إياها. أما ثوابت الدستور الجزائري، فما هي إلا قواعد حكم نظام عسكري متسلط على شعبه. بيد، إن أسس الانتماء، فيقودها حركى فرنسا وسلالات ضباطها من فرنسيي الجزائر الذين فاق عددهم ثلاث ملايين ممن باعوا الجزائر إبان الاستعمار وبعدها.
 
ولعل تشكيل حكومة المنفى لأبناء منطقة القبائل وتصريحهم الرسمي بأمازيغيتهم وأنه لا علاقة لهم بنظام العسكر ومطالبتهم رسميا من الأمم المتحدة بحقهم في وطنهم المستقل لخير دليل على نوع ! ووحدة ! وتلاحم ! مكونات الجزائر كما تدعي نشرة الوسخ النفسي.
 
ولا شك، أن متتبع الشأن السياسي الجزائري يؤكد أن كل تطورات تفاعلات الجزائر في بيئتها الإقليمية والدولية من المغرب إلى دول الساحل وليبيا والإمارات وفرنسا وإسبانيا، على طول عدة سنوات، ومن خلال عدة أحداث، وردود انفعال لا حصر لها، يدرك أن الفصامية الجزائرية المتمثلة في قذارة النفس وأمراضها المزمنة وعللها المتعددة هي مصدر بواعث الروائح الكريهة لنظام العسكر. إنه نظام مهزوم ويعيش بعقدة نفس وتمزق داخلي يجعله تحت ضغط وخوف دائم وفي قلب دوامة اختلاف هوية مزيفة واصطناع تاريخ لا وجود له وادعاء تنمية واستقرار وتجانس ووحدة لا توجد سوى في مخيلة بئيسة وذاكرة ضحلة ومرايا منكسرة تنزع دوما لافتعال أزمات خارجية بهدف السيطرة على الأزمة الداخلية ولإحكام السيطرة على واقع متآكل ومنفلت.
 
ولعل معيار البطولة الفصامية يتمثل في عدم قدرة نظام العسكر على استدعاء السفير الجزائري في الإمارات أو استفسار السفير الإماراتي في الجزائر أو قطع العلاقات من جهة وفي تناسل متتابع و متزامن لمشاكل جزائرية مع كل من مالي وبورکینافاصو والنيجر والمغرب و فرنسا في آن واحد فضلا عن المشاكل الديبلوماسية مع المغرب بالأمم المتحدة. إنها سياسة العصابات وليست سياسة دولة.
 
إدريس قصوری/ أستاذ جامعي ومحلل سياسي