أكد محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن الدراسات، والمتابعة المستمرة للنتائج المحصل عليها من تطبيق العقوبات البديلة، أوضحت أن النتائج المحصل عليها من هذه الأخيرة أجود من النتائج التي حققها تطبيق العقوبات الحبسية.
وأضاف في افتتاح اليومين الدراسيين حول العقوبات البديلة المنظمة من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس أ وروبا يوم الأربعاء 07 ماي 2025 بالرباط أن هذه العقوبات تنفذ خارج الفضاءات السجنية المغلقة، أي في فضاء مفتوح، وفي أجواء تحافظ إلى حد كبير على النمط العادي للحياة للفرد المحكوم عليه، وخلصت الدراسات إلى انخفاض نسبة العود إلى الإجرام بين الذين خضعوا لعقوبات بديلة، مقارنة مع الذين نفذوا عقوبات سالبة للحرية، كما تبين أن العقوبات الاجتماعية أكثر فائدة بالنسبة لبعض حالات الإجرام المرتبطة بقضايا الإدمان، حيث تبين بوضوح تَحرر نسب أكبر من الإدمان على المخدرات أو الكحول من بين الذين خضعوا لحلقات علاجية، مقارنة مع من طبقت في حقهم عقوبات سالبة للحرية.
وعرج عبد النباوي إلى الحديث عن الدراسات المقارنة التي خلصت إلى أن العقوبات البديلة أقل كلفة للمجتمع من العقوبات السالبة للحرية، وقد تنقص الكلفة بالنسبة لبعض الحالات لغاية عشرة أضعاف. بل إن بعض العقوبات البديلة تكون مربحة للمجتمع، ولا تكلف دافعي الضرائب نفقات مثل الغرامة اليومية.
وأضاف:"إذا كانت التجربة المستخلصة من الأنظمة القضائية المقارنة التي جربت تطبيق العقوبات البديلة خلال العقود الأربعة الماضية، قد بينت أنه يمكن بواسطة هذه العقوبات، الحصول على نتائج أحسن وبتكاليف مالية أقل من الفوائد التي تحققها العقوبات السالبة للحرية، فإنه لا يسعنا اليوم إلا الانخراط التام في تطبيق المقتضيات القانونية الجديدة.
كما أنه إذا كانت السلطات العمومية قد نجحت في بلورة هذه الفلسفة العقابية الجديدة عن طريق المصادقة على القانون، فيما عبرت الحكومة عن استعدادها لوضع الإمكانيات المناسبة رهن إشارة القضاء لتطبيق النص القانوني".
وزاد المتحدث ذاته قائلا:" النظام القضائي يجب أن يكون مؤهلا لهذا التطبيق. ولذلك فإننا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية نحيي المبادرة التي تقوم بها رئاسة النيابة العامة بعقد هذه الندوة، بمشاركة مجلس أروبا. كما نحيي مختلف السلطات المشاركة فيها، ولاسيما وزارة العدل والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وهما شركاء السلطة القضائية الأساسيين في بلورة إرادة المشرع عن طريق إنجاح تطبيق النص القانوني المتعلق ببدائل العقوبات السالبة للحرية.
كما أن جهات إدارية أخرى ستكون فاعلة في تحقيق الفعالية المتوخاة في التطبيق".
وأفاد بأن بعض العقوبات البديلة تحتاج لمشغلين وداعمين، معبرا عن أمله من الإدارات والمؤسسات والقطاعات المخول لها القيام بدور في تطبيق هذا القانون أن تعمل على دعم هذه الفلسفة العقابية، التي تشكل اليوم ثورة حقيقية في السياسة العقابية ببلدنا، تتم بإرادة الملك محمد السادس، وبانخراط كامل لسلطات الدولة كلها، ولاسيما الدور الذي تقوم به الحكومة في هذه المرحلة، والمتوقع أن يستمر بعد دخول القانون حيز التطبيق.
واضاف:"إذا كان دور السلطة القضائية في تنفيذ القانون الجديد سينطلق ابتداء من ثامن غشت 2025، فإن السلطة القضائية والقطاعات الحكومية المعنية مباشرة، وهي وزارة العدل، والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، تعمل في المرحلة الحالية على تهيئ القضاة وأطر كتابة الضبط والأطر السجنية لحسن تطبيق القانون الجديد.
وجدد التأكيد على قضاة المملكة بأن غاية المشرع من إحداث العقوبات البديلة تدعو إلى تخصيصها كبديل للعقوبات الحبسية. ولذلك فإنه لا فائدة تُرجى منها إذا تم الحكم بها على أشخاص لم يكونوا معرضين أصلاً لعقوبة سالبة للحرية، وقال في هذا الصدد:"إذا كان القضاة مطالبون وفقاً لمنظور النص الجديد، بالحكم بهذه العقوبات كبديل لعقوبة الحبس التي يرون ضرورة الحكم بها، فإنَّهُم مطالبون كذلك بتطبيق العقوبة البديلة المناسبة لكل حالة، حتى تحقق الردع المتوخى منها، كما أن نجاح تطبيق هذه العقوبات، يتطلب انخراط المجتمع في الموضوع عن طريق قبوله باستبدال العقوبات السالبة للحرية بالعقوبات البديلة المستحدثة، ففلسفة المشرع من سَنِّ هذه العقوبات ترمي إلى إحلالها محل عقوبة الحبس، التي يجب أن تُتْرَكَ للحالات التي لا تنفع فيها عقوبة بديلة".
وفي هذا السياق، أبرز أن تقييم التشريع الجديد يتطلب منح فترة من الزمن، تكون كافية بتجربة تطبيقه، واكتساب الخبرة اللازمة، وإجراء الدراسات الملائمة للإحاطة بمكامن القوة وجوانب الضعف في النص القانوني، وكذلك في كيفية تطبيقه. وهي مهمة سيكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية من بين السلطات والجهات المعنية بتتبعها واستخلاص العبرة منها.