كان من الأولى أن يتفكّر السيد الصفريوي "باطرون الضحى" أهل الصحافة الوطنية بهدية تكون في مستوى الحدث بمناسبة عيدهم الوطني. وكان من الأليق أن يرمّم أو يعبّد الطريق التي تؤدي إلى رحاب صاحبة الجلالة الصحافة بشكل يجعله يصل إلى قلبها بكل يسر، وبالتالي يتم تبديد أجواء سوء التفاهم، ويضع حدّا لأسباب التوتر، هذا إذا كان هناك أصلا سوء تفاهم أو توتّر بين الصحفيين والسيد الصفريوي، لأن سوء التفاهم والتوتر يوجد بوجود علاقة بين الطرفين، لكن ليس بينهما علاقة يمكن أن تتعرّض لما من شأنه أن يعكّر صفوها.
الصفريوي "باطرون الضحى" التي لا تشرق شمسها على مئات العمارات والآلاف المؤلّفة من الشقق التي تئنّ من الشقوق والعيوب المتعددة الأصناف والأحجام، ارتأى أن يبارك أهل الصحافة بمناسبة يومهم الوطني، بعقلية الأكابر الذين لا يرضون أن تسقط كلمتهم، وبطريقة الاستعلاء التي تؤكّد، لمن هو في حاجة إلى تأكيد، أن هناك فرقا شاسعا بين من يملكون ما فوق الأرض وما تحتها وبين من لا يملكون سوى أنفسهم، ومن ثَمّ لا ينبغي السماح بحدوث أيّ تقارب بين الطرفين ما دام أنه لا يوجد سبب موضوعي لمثل هذا التقارب. ولذلك جاءت ضربته في مستوى الحدث.
قال قائل: ما ذا لو حوّل الصفريوي غرامة الملياري سنتيم التي يطالب بها الزميل عبد الرحيم أريري، كتعويض عن الضرر الذي لحق به، إلى هدية للصحافة الوطنية بمناسبة يومها الوطني؟ سيكون الرجل أَحْمَقا إذا أقدم على هذه الخطوة. هناك من سيعتبر هذه الهدية رشوة القرن، وهناك من سيرى فيها قمة الكرم، وهناك من سيذهب إلى القول إن الصحافة ليست في مستواه ولا في مقامه لتحظى بمثل هذه الالتفاتة، على اعتبار أن عصر الكرم الحاتمي مضى وولّى، وأن الوقت وقت حساب وردّ الصرف، واذهب أنت وكرمك إلى الجحيم.
إن طلب الصفريوي بذلك المبلغ الخيالي معناه دفع المقاولة الصحفية للإغلاق؛ معناه الحكم عليها بالإعدام؛ معناه المساهمة الفعلية في عرقلة جهود المغرب نحو ترسيخ حرية التعبير؛ معناه الارتداد عن كل ما تمّ إنجازه لحد الآن في مجال دعم الصحافة لتلعب الدور المنوط بها؛ معناه تهديد مفتوح إلى كل من لا يريد "أن يفهم نفسه" بإغراقه في بؤرة مستنقع لا قاع لها ولا قرار؛ معناه كذلك دفع المدّعى عليه ومن معه للانتحار إذا لم يفضّل أن يقضي بقية عمره في السجن.
نتذكّر ونذكّر أن كبارا من هذا البلد وجدوا أنفسهم في معمعة إشاعات مغرضة روّجتها صحف عالمية كبيرة ضدّهم، وألحقت بهم بالغ الضرر وكثيرا من الأضرار التي لن تجبرها ملايير الملايير، وكل احتياطي صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، فما كان عليهم سوى أن يعطوا الدرس البليغ لتلك الصحف وأصحابها، والمطالبة فقط بدرهم رمزي تعويضا عن الأضرار، في حين تخوّل لهم كل القوانين المطالبة بالمبلغ الضخم الذي يجر وراءه سلسلة طويلة من الأصفار؛ المبلغ الذي لا يحسبه سوى الفم كما يقال.
هناك كرام أبناء كرام ولو أن الزمن زمن لئام. كرام يتعاملون بحلم حتى مع من لا يلتقون معهم في ملّة أو دين. يتأفّفون من "الصعود إلى قمّة الجبل" ليطالبوا بمن يوجد في أسفله بما لا يمكن أن يتخيله عاقل فبالأحرى جاهل ولو كان الضرر الذي لحقهم في طول وعرض الجبل. النفس الأبيّة تظل أبيّة حتى في أحلك الظروف وأعسرها، ومن لا يملك مثل هذه النفس، فكيف نشتريها له وهي غير قابلة للشراء؟
"هدية ثمينة" من "باطرون الضحى وما جاورها" جاءت في وقتها المناسب "تحية" منه لأهل الصحافة في عيدهم الوطني. وكل عام والصحافة بألف خير.
"على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم"
قالها الشاعر الكبير المتنبي رحمه الله.
(عن يومية "النهار المغربية")