Friday 2 May 2025
في الصميم

أريري: متى سينعم سكان "المغرب غير النافع" بالحق في الطرق وفي الأوطوروت وفي السكك الحديدية؟!

أريري: متى سينعم سكان "المغرب غير النافع" بالحق في الطرق وفي الأوطوروت وفي السكك الحديدية؟! عبد الرحيم أريري
ثلاثة كتب أنصح بقرائتها لفهم أسباب الإعاقة الترابية التي مازال المغرب يشكو منها، ولفهم دواعي التخلف الذي مازال المغرب يعاني منه في مجال البنية التحتية المهيكلة للتراب الوطني.

الكتب الثلاثة تتقاطع في تيمة واحدة، مفادها أن الدولة المغربية بشكلها السلطاني القديم، ظلت "تقليدية مخزنية شكلا وجوهرا"، تدبر أمورها- حسب تعبير الباحث عبد الجليل الخالفي- وفق "النمط الوسيطي الذي يحصر مشروع الجهاز الحاكم في ضبط الأمن عبر إخضاع الرعية وزجر مصادر الفتنة ومعاقبة المارقين واستخلاص الضرائب والمكوس، أحيانا بالقوة، قصد صرف ما تبقى منها لرعاية شؤون الدولة، التي خلقت عدة مؤسسات ذات المنفعة العامة، ولكنها لم تتوفر قط على واحدة مختصة في التخطيط للأشغال العمومية وتنفيذ المشاريع وتحقيق التراكم في البنية التحتية، ولا وجدت أصلا "ثقافة" تقضي بتهيئة المجال لتيسير التنقل والنقل، اللهم ما اعتاد المتنقلون على استعماله من "نزالات" على طول الطريق بين المراكز التجارية الكبرى والفنادق في قلب الحواضر. وإذا استثنينا بناء بعض الجوامع والمدارس والدور، فلم يكن يظن أن من واجبات السلطان ومخزنه تبني مشروع تنموي مندمج العناصر، ولا القيام بمشاريع كبرى".

وهذه الكتب، هي:

الكتاب الأول للأستاذ عبد العالي المتليني، تحت عنوان:" الأشغال العمومية بالمغرب على عهد الحماية، مرحلة ليوطي( 1912\1925)."

الكتاب الثاني للأستاذ عبد الجليل الخالفي، تحت عنوان:" السكة الحديدية بالمغرب، الرهانات الدولية وإكراهات التهدئة: 1900-1956".

الكتاب الثالث للأستاذة إدريسية بخشوني، تحت عنوان:" النقل والتنقل بمدينة الدارا البيضاء مابين 1907و1956."

فإذا كان مفهوما أن يرتبط شرط وجود الطرق والقناطر والسكك الحديدية والموانئ في عهد الاستعمار برغبة الجيش الفرنسي في تسهيل تنقلات فيالقه العسكرية إلى كل بؤر الممانعة والمقاومة للاحتلال، وإذا كان مفهوما إنجاز تلك البنى التحتية في عهد الاستعمار وتسخيرها لنهب خيرات المغرب المنجمية والفلاحية والغابوية والبحرية لتصديرها لفرنسا، فمن غير المقبول، أن يبقى سكان "المغرب غير النافع" إلى يومنا هذا، مقصيين من الحق في البنية التحتية الملائمة. ومن غير المستساغ أن يبقى هذا "المغرب غير النافع" مهمشا على مستوى السياسة العمومية الخاصة بشق الطرق والقناطر والأنفاق والطرق السيارة والسكك الحديدية.

فرغم مرور حوالي 70 سنة على استقلال المغرب، مازال المشرع والمخطط وواضع السياسات العمومية، يسير على نهج الاستعمار في تقسيم البلاد بين "مغرب نافع" و"مغرب غير نافع".

فشريط "المغرب النافع" هو ذاك الممتد على الواجهة الأطلسية، الذي يبتلع معظم الأغلفة المالية المخصصة لأوراش البنية التحتية الكبرى، فيما عمالات وأقاليم "المغرب غير النافع" الممتدة بالشريط الجبلي وبالشريط الواحي، تعرف إهمالا بشأن البنى التحتية، فلا الأوطوروت أو الطريق السريع اخترقت جبال الريف والأطلس لربط شمال المملكة بجنوبها. ولا "نفق تيشكا" رأى النور لفك الحصار عن ورزازات وزاكورة وتنغير. ولا القناطر المعلقة Pont a hauban تم تشييدها بالراشيدية لردم "شوهة فم زعبل"، لربط تافيلالت بمكناس عبر ميدلت. ولا قطارات السكك الحديدية شغلت بين الناظور وبوعرفة عبر وجدة. ولا الطرق الوطنية والجهوية "بالمغرب غير النافع" تم توسيعها وإصلاحها وتكسيتها بالإسفلت. ولا القناطر تم تجديدها ورفع علوها عن سرير الأودية والشعاب المائية للحيولة دون عزل مدن وقرة "المغرب غير النافع" كلما "حمل هذا الواد أو ذاك". ولا المسالك السياحية الجبلية خرجت للوجود بالمواصفات التقنية العالمية لفك العزلة عن 25% من سكان المغرب يقطنون بالجبل.

لا، ليس هذا وحسب، بل حتى الخط السككي (قطار التيجيفي)، المفروض أن يصل إلى مدينة أكادير( التي تتوسط خريطة المملكة بعد استرجاع الأقاليم الجنوبية)، لربط أحواض حاحا وتانسيفت وسوس ماسة بباقي التراب الوطني، تم إقباره ولم نعد نسمع عنه أي شيء ملموس وفق أجندة محددة ومونطاج مالي ومؤسساتي واضح وعلني.

لست من هواة شعار:"الله غالب"، وبأن "البلاد فقيرة ومعدومة". بل بالعكس، أنا من المقتنعين بأن "المغرب بلاد الخير والخمير". بحيث إذا توفرت الإرادة لدى صناع القرار يتم إخراج الأوراش الكبرى وإنجازها بسرعة، وتذوب كل المساطر والعراقيل، ويتم إيجاد الغلاف المالي وتنجز الدراسات اللازمة وتوضع التصاميم بسرعة البرق.

أنظروا إلى مثلث طنجة تطوان الفنيدق، الذي كان يعرف "احتباسا" طرقيا ومينائيا وسككيا في العهد الماضي، لكن ما أن توفرت الإرادة حتى وقع في بداية الألفية الحالية إشباع في البنى التحتية بهذا المثلث في ظرف وجيز.
انظروا إلى طريق تيزنيت الداخلة، من ذا الذي كان يتوقع حتى صيانة قارعتها المتهالكة وترميم قناطرها المتردية، فأحرى أن يحلم بتوسيع هذا الشريان الاستراتيجي وتحويله إلى طريق سريع على طول 1055 كلم، لكن ما أن توفرت العزيمة والإرادة لدى المشرع حتى أنجز الورش في أحسن الظروف وفي آجال زمنية قياسية.
انظروا إلى المدخل الجنوب الغربي للدارالبيضاء، فرغم غياب أودية وأنهار وأجراف وخنادق بالعاصمة الاقتصادية، فقد تم إنجاز قنطرة معلقةPont a hauban باهظة الثمن "وبغسيل الفندق"، فقط لإرضاء غرور وزير أو لإرضاء نزوة مدير مركزي، وليس لحل معضلة الاختناق المروري، وهو الاختناق الذي كان يمكن حله تقنيا دون إهدار كل تلك الملايير في هاته قنطرة سيدي معروف المعلقة.

فمن ذا الذي يمنع إذن، من أن ينعم سكان "المغرب غير النافع" من حقهم في الطرق بالمواصفات الجيدة وفي ربط مدنهم بالطرق السريعة وبالسكك الحديدية؟! من ذا الذي يرفض تخصيص الموارد الطلوبة لإنجاز القناطر الجيدة على الأودية "بالمغرب غير النافع"؟!

من ذا الذي يحرص على أن تبقى لعنة ليوطي تطارد سكان "المغرب غير النافع"؟!

لنتعلم الدروس من التجارب المشرقة في العالم. إذ هاهي دول صغيرة، بل دول قزمية، حققت وثبة تنموية هائلة وارتقت إلى بوديوم الأمم المتقدمة بفضل تركيز اهتمامها على تشبيك ترابها ببنية تحتية قوية وفعالة(نموذج: هولندا وبلجيكا وسويسرا والنمسا وسنغافورة، هاته الأخيرة التي يعد ميناؤها الأكثر جذبا والأفضل حيوية في العالم).


ملحوظة:
الكتب الثلاثة من إصدار: المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير