الجمعة 3 مايو 2024
كتاب الرأي

حيكر: هكذا تتم مصادرة الأدوار الدستورية والقانونية لأعضاء مجلس النواب

حيكر: هكذا تتم مصادرة الأدوار الدستورية والقانونية لأعضاء مجلس النواب عبد الصمد حيكر، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية

يخصِّص كل من مجلسي البرلمان جلسة عمومية لاختتام كل دورة من الدورات التشريعية؛ حيث جرى العرف بأن يتقدم رئيس كل مجلس بإلقاء كلمة بالمناسبة؛ تخصص عادة لاستعراض معطيات حول مجمل أشغال المجلس المعني خلال الدورة المعنية؛ في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي والدبلوماسية البرلمانية، وكذلك كافة المعطيات المتعلقة بأنشطة المجلس المختلفة…، على أن يتم الإعلان عن اختتام الجلسة والدورة التشريعية المشار إليها بعد تلاوة برقية الولاء التي يرفعها الرئيس باسم أعضاء المجلس إلى جلالة الملك.
ولئن كان رئيس مجلس النواب قد ركز، من خلال كلمته التي تلاها خلال الجلسة التي خصصها المجلس -يوم الثلاثاء 6 فبراير 2024- لاختتام الدورة الأولى من السنة الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، على جملة من المعطيات، وتقديمها بما في قالب يجعل المتلقي يفهم أن هناك كثافة وأهمية في أنشطة المجلس، وهو نهج مفهوم لا يمكن لمسؤول في نفس منصبه إلا أن يعمل على تثمين مجهود المؤسسة والأجهزة التي يرأسها وإبرازه.
ولئن كانت، في المقابل، قد سُجلت على الكلمة التي ألقاها رئيس مجلس النواب بالمناسبة المشار إليها العديد من الملاحظات؛ من قبيل أنها تضمنت -في مقاطع مختلفة منها- تقييمات وآراء شخصية للرئيس بدل آراء مكتب المجلس الذي يرأسه، ومن قبيل المبالغة في تضخيم عدد من المعطيات؛ بل وتجنب الحديث عن عدد من القضايا التي أضعفت حصيلة المجلس؛ مما كان ينتظر أن يتولى رئيس المجلس أن يقدم بشأنها توضيحات؛ سيما أنها كانت موضوع نقاط نظام ‹احتجاجية› خلال العديد من الجلسات العامة… فإننا نرى التركيز على الجانب المخفي من حصيلة أشغال مجلس النواب خلال الدورة المشار إليها؛ والتي تصادف انتهاء المنتصف الأول من الولاية التشريعية الجارية؛ وذلك بهدف إكمال الصورة بإبراز أمثلة عن الجانب الفارغ من الكأس، بدل الاقتصار على رواية السيد رئيس المجلس المركزة على إبراز؛ بل وتضخيم الجانب الممتلئ منه؛ وهو الجانب الذي يمكننا تناوله هو الآخر للتأكيد على أنه ليس ممتلئا بالقدر الذي أراده السيد رشيد الطالبي العلمي.
وجدير ذكره أننا سنقتصر على استحضار جزء من المعطيات المتعلقة ببعض جوانب النشاط البرلماني، مما تيسر لنا جمعه إلى حدود كتابة هذه المقالة وبشكل مجمل؛ مما يفسر اقتصارنا على جزء من المعطيات المتعلقة بمبادرات المجموعة النيابية للعدالة والتنمية (بحكم أنني عضو فيها) ومآلها، آملين أن نوفَّق مستقبلا إلى إعداد دراسة شاملة تتضمن مختلف المعطيات ومختلف القضايا والإشكاليات المرتبطة بحصيلة أداء مجلس النواب؛ مع تأكيدنا -في هذا السياق- أن الغاية من هذه المساهمة هو توثيق رأي في عدد من المعطيات المرتبطة بالممارسة البرلمانية؛ حتى يتسنى للباحثين الاطلاع عليها واستثمارها؛ قبل أن تكون غاية دستورية وسياسية ترمي إلى إبراز كيف أن رئاسة مجلس النواب أبانت عن جرأة غير مسبوقة في مجال الإخلال بأحكام الدستور ومقتضيات النظام الداخلي للمجلس، ومصادرة المبادرات البرلمانية؛ لا سيما منها تلك التي يكون مصدرها من المعارضة.
على المستوى التشريعي: لقد اختار المشرع الدستوري المغربي أن يجعل القانون يختص بالتشريع في عدد من الميادين التي حددها -على سبيل الحصر- في الفصل 71، بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور.
ولئن كان المشرع الدستوري المغربي قد جعل المبادرة إلى اقتراح القوانين مكفولة -على السواء- لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان (الفصل 78)؛ فإن الممارسة السياسية أبانت -تاريخيا- عن تفوق الحكومة على البرلمان في هذا الإطار؛ مما يتجلى في وفرة مشاريع القوانين التي تحيلها الحكومة على البرلمان كما تنجح في‹تمريرها› بعد الاستقواء بالأغلبية البرلمانية؛ وإن كانت توافق على عدد محدود من المقترحات التعديلية التي يتقدم بها أعضاء البرلمان؛ مقابل شح المناسبات التي يُستكمل فيها المسار التشريعي لمقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاء البرلمان.
ولئن كانت الحكومة بالمغرب متفوقة -تاريخيا- على البرلمان على مستوى حجم المبادرة التشريعية؛ وذلك نتيجة لعدد من العوامل التي ترتبط -من ناحية أولى- بتوفر الحكومة على بنيات إدارية تتوزع داخلها أطر مؤهلة ومتخصصة ومتفرغة لقضايا التشريع؛ بل إن الحكومة تتوفر على قطاع حكومي مختص بالتشريع (الأمانة العامة للحكومة) ويتوفر على إمكانيات بشرية ومادية هامة للاضطلاع بمهامها في هذا الإطار، كما ترتبط -من ناحية ثانية- باحتكار الحكومة للمعلومة؛ أو لنقُلْ تفوق الحكومة على البرلمان في امتلاك المعلومة، إلى غير ذلك من العوامل الأخرى من قبيل طبيعة النخبة البرلمانية ومؤهلاتها وأولوياتها في العمل البرلماني وغيرها….
ولعل المشرع الدستوري قد انتبه إلى هذا الاختلال على مستوى ممارسة هذه الوظيفة؛ مما جعله لا يفوت فرصة المراجعة الدستورية لسنة 2011، دون أن ينص صراحة داخل المتن الدستوري على أن يُخصَّص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة (الفصل 82).
وفي هذا الإطار، ولئن كان السيد رئيس مجلس النواب قد حرص على إبراز أن الحصيلة التشريعية جيدة، من حيث الكم؛ حيث أعلن عن أن مجلس النواب صادق على “ما مجموعه 111 مشروع قانون، وستة مقترحات قوانين برسم النصف الأول من الولاية التشريعية، منها 18 خلال دورة أكتوبر 2023 – 2024. ويظل الأساسي هو طبيعة وأبعاد القوانين المصادق عليها”؛ وذلك بعد أن أكد على أن الحكومة ظلت “متجاوبة مع التعديلات التي يتقدم بها أعضاء المجلس؛ حيث وافقت الحكومة على 105 تعديلا من أصل 764 تعديلا تقدم بها أعضاء المجلس على مشاريع قوانين المالية، فضلا عن عدد من التعديلات على مشاريع قوانين عادية….”
ودون أن ندخل هنا في جدال مع السيد رئيس مجلس النواب حول هذا الذي حاول أن يروج له؛ ودون أن نثير معه كيفية تعامل الحكومة مع التعديلات الوجيهة التي تتقدم بها المعارضة، نوعا وعددا، وكيف أن عددا من التعديلات على مشاريع قوانين المالية مثلا، ترفضها الحكومة هذه السنة لتأتي بها ضمن مشروع القانون المالي للسنة الموالية؛ كي تحسب لها لا للمعارضة، وكيف أن الحكومة تتعامل مع فئة ثانية من تعديلات المعارضة فترفضها داخل مجلس النواب لتأتي بها عن طريق أغلبيتها أو بمبادرة منها حين دراسة المشروع على مستوى مجلس المستشارين، ودون أن نخوض في كيفية الانقضاض على الأفكار التي تثيرها المعارضة خلال مرحلة المناقشة العامة والتفصيلية للنصوص التشريعية، وصياغتها في شكل تعديلات تتفق عليها مكونات الأغلبية البرلمانية مع حكومتها خلال اجتماعات حزبية وليس برلمانية (مثلا: أمام الإحراج القوي الذي شعرت به الحكومة نتيجة تدخلات مكونات المعارضة في موضوع الزيادات في سعر الضريبة على القيمة المضافة على الماء والكهرباء والنقل الحضري مثلا؛ والتي جاءت بها في المشروع الأصلي لقانون المالية لسنة 2024، حيث إن مكونات الأغلبية البرلمانية، وبعد أن كانت تعبر عن مساندتها للحكومة، سارعت إلى الإعلان عن أنها أقنعت الحكومة بالتراجع عن تلك الزيادات !!…)، فإننا نرى التركيز على موضوع مقترحات القوانين التي تحال على المجلس بمبادرة من أعضائه، حيث إن حصيلة المجلس في هذا الإطار ضعيفة جدا؛ ويكفينا في التدليل على ذلك، استحضار المعطيات التالية:
أولا: الإخلال بأحكام الدستور التي تُلزم المجلس بعقد جلسة واحدة على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين؛ حيث إنه، من أصل 20 جلسة على الأقل كان ينبغي عقدها لهذا الغرض، لم يعقد المجلس إلا ثلاث جلسات: بتاريخ 25 يوليوز 2022/ 16 يناير ثم 23 يناير 2023، صادق خلالها على 6 مقترحات قوانين فقط.
ثانيا: الإخلال بمسطرة التشريع؛ من نواحي متعددة؛ نقتصر -اختصارا- على واحدة صريحة منها؛ تتمثل في الإخلال بالفقرة الأولى من المادة 180 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017، 1؛ التي تنص على أن “تبرمج مكاتب اللجان الدائمة دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة عليها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها، ويتم إخبار الحكومة بذلك بواسطة رئيس المجلس”؛ ذلك أن عدد مقترحات القوانين المحالة على مجلس النواب2 منذ بداية الولاية التشريعية الحادية عشرة إلى حين اختتام الدورة الأولى من سنتها التشريعية الثالثة بلغ 276 مقترح قانون، لم تتم برمجتها إطلاقا خلال الأسبوع الأول من تاريخ إحالتها على اللجان المعنية؛ بل، وباستثناء المقترحات الستة التي صادق المجلس عليها؛ لم تتم برمجة ما تبقى منها (270 مقترح قانون) إطلاقا، رغم انصرام شهور على توصل اللجان بها !!! بل مضى على إحالة العشرات منها ما يربو عن السنَتيْنِ دون أن يتم البت فيها لا على مستوى اللجان الدائمة ولا على مستوى الجلسات العامة!!!!
ثالثا: امتناع الحكومة عن الحضور لاجتماعات اللجان التي كانت تتم المحاولة لعقدها؛ بحجة أنه لا ضرورة لحضورها؛ مما يعتبر بدوره إخلالا بالنظام الداخلي لمجلس النواب الذي ينظم المناقشة العامة للنصوص التشريعية -في مادته 182- على أساس أن ” تعطى الكلمة عند نهاية التدخلات من أجل التعقيب لممثل الحكومة إذا تعلق الأمر بمشروع قانون، أو إلى ممثل الحكومة وصاحب المقترح إذا تعلق الأمر بمقترح قانون”، وهو ما ينسجم تماما مع المادة 24 من القانون التنظيمي 65.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها؛ فكيف للحكومة أن تقول أن حضورها ليس ضروريا والمادة 182 تجعل تعقيب ممثلها في نهاية التدخلات المتعلقة بمناقشة مقترحات القوانين خطوة إجرائية لا تكتمل المسطرة التشريعية إلا بها.
وجدير بالذكر أن المادة 23 من القانون التنظيمي 065.13 المشار إليه آنفا، يلزم الحكومة بأن تخصص كل شهر على الأقل اجتماعا لدراسة مقترحات القوانين الي يتقدم بها أعضاء البرلمان من الأغلبية والمعارضة. وتحديد موقف الحكومة في شأنها. وبالرغم من أن هذه الحكومة لا تعلن متى تعقد اجتماعاتها هذه، ولا مواقفها بشأن مختلف مقترحات القوانين التي تحال عليها ولا حيثيات تلك المواقف؛ غير أنه تم تكريس عرف منذ إقرار القانون التنظيمي المذكور في عهد الحكومتين السابقتين؛ يقضي بتبليغ الحكومة البرلمان بما اتخذته من مواقف بشأن مقترحات القوانين التي تتوصل بها أولا بأول؛ وهو إجراء تواصلي عادي يجعل أعضاء البرلمان على علم بآراء الحكومة بشأن ما تتوصل به من تلك المقترحات التشريعية؛ إلا أنه -مع بداية الولاية التشريعية الحادية عشرة- تحولت هذه المراسلات، وخاصة منها تلك التي تعبر الحكومة من خلالها على موقف رافض لعدد من مقترحات القوانين، إلى سببٍ اعتبره رؤساء اللجان الدائمة كافيا لعدم برمجة اجتماعات هذه الأخيرة يكون موضوعها الدراسة والتصويت على مقترحات القوانين؛ تطبيقا لمواد النظام الداخلي التي تحدد مسطرة آجال ومسطرة الأشغال التشريعية للجان الدائمة (المواد من 180 إلى 184 من النظام الداخلي لمجلس النواب)؛ مما يؤشر على تحول خطير يجعل البرلمان تابعا للحكومة ومحكوما بقراراتها !!!
صفوة القول؛ إن حصيلة مجلس النواب في مجال التشريع خلال النصف الأول من هذه الولاية التشريعية جد عادية؛ إذ لم تتجاوز 22 نصا تشريعيا خلال كل دورة كمعدل، ضمنها العديد من الاتفاقيات الدولية، دون أن نغفل، من الناحية الموضوعية، عدم إفصاح الحكومة عن مخططها التشريعي، كما لا يمكن أن نغفل -تبعا لذلك- إقدام الحكومة على سحب عدد من مشاريع القوانين الهامة التي أحيلت على المجلس منذ الولاية التشريعية السابقة؛ بالرغم من أن بعضها تم استكمال مناقشتها وتم بلوغ مرحلة تقديم التعديلات من طرف مكونات المجلس (قانون تجريم الإثراء غير المشروع/ القانون المتعلق بالملك العام البحري إلى غير ذلك من مشاريع القوانين الهامة)، فضلا عن صمت الحكومة عن القانون المتعلق بالنقابات والقانون التنظيمي للإضراب…؛ مع التأكيد، من ناحية أخرى، على أن الوجه القاتم لحصيلة مجلس النواب في مجال التشريع يتجسد في تعطيل المسطرة التشريعية في حق مقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاء المجلس؛ بما أدى عمليا إلى مصادرتها؛ في ظل إصرار الحكومة على عدم الحضور لاجتماعات اللجان البرلمانية الدائمة التي تعتزم برمجتها للشروع في مناقشة تلك المقترحات؛ ضدا على التشريعات الجاري بها العمل.
على المستوى الرقابي: يمكن القول إجمالا إن حصيلة مجلس النواب في مجال مراقبة العمل الحكومي ضعيفة جدا من حيث الكم؛ وقد زاد من ضعفها؛ بل إضعافها أمران؛ أولهما مماطلة الحكومة في الاستجابة للمبادرات الرقابية البرلمانية المختلفة على نحو غير مسبوق، وثانيهما جرأة رئاسة المجلس على مصادرة حقوق الأعضاء في تفعيل عدد من الوسائل الرقابية؛ والأمثلة الشاهدة في هذا الإطار كبيرة وكثيرة، سوف نقتصر على مثالين اثنين منها فقط؛ لأن محل الشاهد عندنا في هذا السياق، هو البرهنة على أن السبب الأهم في كون حصيلة مجلس النواب في مجال مراقبة العمل الحكومي ضعيفة من حيث الكم، مرده أساسا إلى تحول رئاسة المجلس إلى أداة لمصادرة حقوق النواب والحد من أدوارهم الرقابية:
المثال الأول: تهرب رئيس الحكومة من المثول -شهريا- أمام أعضاء مجلس النواب للإجابة على أسئلتهم الموجهة إليه والمتعلقة بالسياسة العامة، رغم توفرها.
إذا كان رئيس مجلس النواب قد أشار -في خطابه بمناسبة اختتام دورة أكتوبر 2023- إلى أن المجلس خصص اثنتي عشرة جلسة شهرية لأسئلة أعضاء المجلس حول السياسة العامة الموجهة إلى رئس الحكومة خلال خمس دورات تشريعية توافق النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة؛ فإن هذا الرقم -بشكل مجرد- لا يعني شيئا في حد ذاته؛ ذلك أنه كان عليه أن يذكر بأن عدد الجلسات الشهرية التي كان ينبغي عقدها بمجلس النواب لوحده لم يكن ليقِلَّ عن عشرين جلسة (انصرمت 5 دورات مدة كل منها 4 شهور تعطي 20 شهرا؛ كان ينبغي ألا تمضي دون حضور رئيس الحكومة خلالها مرة كل شهر؛ للإجابة على أسئلة النواب مادامت هناك أسئلة جاهزة)؛ مما يفيد أنه قد تم الإخلال بانتظام عقد الجلسات الشهرية؛ مما يجعل حصيلة مجلس النواب في هذا الإطار ناقصة بنسبة 40% على الأقل !! وهو إخلال دستوري وقانوني غير مبرر، بالنظر إلى أمرين اثنين على الأقل:
أولهما: لئن كان المجلس الدستوري كان قد علق، بموجب قراره 13/924، انتظام عقد هذه الجلسات شهريا، على شرط توفر أسئلة تتعلق في طبيعتها ومداها بالسياسة العامة 3، فإن عدم الالتزام بعقدها رغم توفر أسئلة جاهزة إخلال بالتزام دستوري صريح.
وفي هذا الإطار، وبالرجوع إلى المعطيات نجد -مثلا- أنه عند بداية دورة أكتوبر 2023 4، كان عدد الأسئلة التي وجهتها المجموعة النيابية للعدالة والتنمية لوحدها إلى رئيس الحكومة، وأحالتها على هذه الأخيرة رئاسة المجلس فعليا، لم يكن يقل عن 5 أسئلة، فضلا عن أسئلة باقي مكونات المجلس؛ ورغم ذلك فإن رئيس الحكومة لم يحضر خلال هذه الدورة، وعلى مدى أربعة أشهر، إلا مرتين: الاثنين 27 نوفمبر 2023 ثم الاثنين 5 فبراير 2024 !!
وفي نظرنا، فإن هذا الإخلال ناتج عن تقصير رئاسة مجلس النواب؛ الذي وافق تهرب رئيس الحكومة من الالتزام بهذا المقتضى الدستوري الصريح؛ سيما أن النظام الداخلي للمجلس يتيح إمكانية عقد هذه الجلسات الشهرية في أي يوم آخر، من غير يوم الاثنين، شريطة الاتفاق بين الطرفين (المادة 279)؛ وبالتالي، فإذا كان اليوم المخصص للجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفهية لا يوافق السيد رئيس الحكومة، فإنه كان يجب تحديد موعدها في أي يوم آخر تفاديا للوقوع في هذه المخالفة الصريحة والكبيرة؛ والتي تؤشر على جرأة على عدم التقيد من أعلى شخص في هرم السلطة الحكومية على خرق القانون الأسمى بالدولة !!!
ثانيهما: لئن كان المجلس الدستوري قد وجه المشرع البرلماني إلى أنه يعود لمكتب كل مجلس من مجلسي البرلمان، بهذا الشأن، التحقق مسبقا بكون الأسئلة الموجهة إلى رئيس الحكومة تكتسي بالفعل صبغة سياسة عامة 5، غير أنه إلى غاية كتابة هذه السطور 6، نؤكد أنه لا يوجد في النظام الداخلي المعمول به أية مادة تخول مكتب مجلس النواب هذا الاختصاص صراحة؛ ذلك أنه لا يمكن لهذا الأخير أن يمارس أي اختصاص إلا في إطار ما هو مخول له صراحة بنص النظام الداخلي؛ حتى وإن كان القاضي الدستوري قد صرح، بموجب قراره، بأن يعود هذا الاختصاص أو ذاك لهذا الجهاز من أجهزة المجلس أو ذاك.
ويمكن -في هذا السياق- أن نذكر بأن مجلس النواب، كان قد أقر -في نظامه الداخلي لسنة 2012- على تخصيص يوم الإثنين بعد الزوال موعدا لجلسته الأسبوعية المخصصة للأسئلة الشفهية، مع منح مكتب المجلس صلاحية إمكانية تحديد يوم آخر بتنسيق مع مجلس المستشارين، غير أن المجلس الدستوري، وإن كان قد اعتبر أن ليس في ذلك ما يخالف الدستور، غير أنه أكد على أن كل تغيير لليوم المذكور ينبغي أن يتم من خلال تعديل النظام الداخلي للمجلس وفق المسطرة المقررة لذلك دستوريا” 7.
وقياسا عليه؛ عليه فإننا نؤكد أنه لا يحق لمكتب المجلس أن يمارس اختصاصات لم تخول له صراحة بنص النظام الداخلي، حتى وإن كان المجلس الدستوري قد وجه إلى ذلك بنص أحد قراراته.
وبناء عليه؛ وعلاقة بموضوع الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة؛ وجدنا أن مكتب مجلس النواب، منذ بداية الولاية التشريعية الحادية عشرة، منح لنفسه الحق في أن يقوم بالتحقق المسبق مما إذا كانت الأسئلة التي يوجهها أعضاء المجلس إلى رئيس الحكومة تتعلق في طبيعتها ومداها بالسياسة العامة؛ بل ويرفض إحالتها على الحكومة كلما رأى أنها لا تستوفي هذا الشرط؛ مما يجعلنا نقول إن مكتب المجلس يقع -بتصرفه هذا- في مخالفة مزدوجة؛ ذلك أنه -من ناحية أولى- يخالف النظام الداخلي من خلال ممارسة اختصاص لا يخوله له هذا الأخير صراحة كما سبق بيانه، ومن ناحية ثانية، يقترف شططا يتمثل في مصادرة حق دستوري وشخصي لأعضاء المجلس الذين يستمدون نيابتهم من الأمة (الفصل 60 من الدستور)، مما يُحظر على مكتب المجلس المساس به؛ بحكم أنه ليست هناك أية سلطة يمكنها أن تصادر ما منحه الدستور مباشرة لأعضاء البرلمان من حقوق بصفة شخصية، كما أن أعضاء المجلس كافة متكافئون في التمتع بها، ولا يخول لأي كان أن يصادرها ولو كانوا أعضاء بمكتب المجلس.
ويمكننا أن نشير، تأكيدا لهذا الذي قررناه، إلى أن المجلس الدستوري كان قد قضى بأن مجرد “تخويل مكتب مجلس النواب حق تحويل الأسئلة الشفهية إلى كتابية دون موافقة أصحابها 8 غير مطابق للدستور الذي ينص الفصل 55 منه 9 على أن مساءلة الحكومة حق شخصي للنواب يمارسونه دون تدخل من أي كان في الطريقة التي يختارها لممارسته” 10. فإذا كان المجلس الدستوري قد استكثر على مكتب المجلس تدخله في مجرد تغيير صيغة السؤال وشكله؛ معتبرا ذلك غير مطابق للدستور، فإن مصادرة هذا الحق من أصله مرفوض دستوريا من باب أولى.
وتأكيدا لهذا الذي ذهبنا إليه، فإننا نلاحظ أن المشرع البرلماني، ومن خلال التصويت على مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب مطلع سنة 2023، كان قد أقر مادة جديدة (المادة 314) تمنح مكتب المجلس حق التحقق المسبق مما إذا كانت أسئلة النائبات والنواب الموجهة إلى رئيس الحكومة، تتعلق في طبيعتها ومداها بالسياسة العامة 11، وهي خطوة كانت ضرورية تجسد انتباه لجنة مراجعة النظام الداخلي إلى ضرورة ملء هذا الفراغ؛ حتى يصبح تصرف المكتب بهذا الخصوص مشروعا؛ غير أننا نلاحظ أن القاضي الدستوري؛ وبالرغم من أنه هو الذي كان قد أقر في قرار سابق للمجلس الدستوري 12 أنه يعود لمكتب المجلس القيام بهذا التحقق المسبق؛ فإن المحكمة الدستورية، وفي معرض نظرها في دستورية المادة 314 المشار إليها؛ وجهت المشرع البرلماني بقولها ” في شأن المادة 314: حيث إن هذه المادة نصت على أنه: ‹يقوم مكتب المجلس بالتحقق مسبقا من كون الأسئلة الموجهة إلى رئيس الحكومة تتعلق في طبيعتها ومداها بالسياسة العامة.›، ليس فيه ما يخالف الدستور، مع مراعاة أن ينصرف مدلول “طبيعة ومدى الأسئلة” إلى مجرد التحقق من كون السؤال لا يندرج في فئة الأسئلة الشفوية أو الكتابية الموجهة إلى أعضاء الحكومة” 13؛ وهو ما يفيد -في نظرنا- أن المحكمة الدستورية تنبه المكتب إلى عدم التوسع في ممارسة هذا الحق؛ وذلك بضرورة جعله محصورا فقط في مجرد التحقق من أنه يختلف في جوهره عن باقي الأسئلة البرلمانية الشفوية منها والكتابية.
وهنا يطرح سؤال نظري وقانوني: كيف ينبغي أن يتصرف المكتب إذا ما تبين له أن سؤالاً ما، لا يتعلق في طبيعته ومداه بالسياسة العامة؟!
في البدء، نؤكد أنه لا يحق للمكتب -في جميع الأحوال ومهما تكن الدواعي- أن يصادر حق أي عضو في المجلس في توجيه أسئلته إلى رئيس الحكومة؛ وذلك لتكافؤ كافة أعضاء المجلس في هذا الإطار؛ وضمنهم أعضاء المكتب، في التمتع بهذا الحق الذي يستمدونه جميعهم من الدستور مباشرة؛ ولم يخول لأي كان صلاحيةَ مصادرته كما أسلفنا؛ ومن ناحية أخرى، ووفق المعيار الشكلي، لغياب أية قاعدة تشريعية تخول مكتب المجلس هذا الحق صراحة؛ بل إن النظام الداخلي لمجلس النواب، وفي سياق مماثل، ينص على أنه ” يمكن لمكتب المجلس أن يحول كل سؤال شفوي له طابع محلي إلى سؤال كتابي بعد إشعار صاحب السؤال بذلك كتابة، و للنائبة أو النائب أجل ثمانية أيام ليعلن عن موافقته أو رفضه، وتعتبر عدم إجابة النائبة أو النائب المعني بالأمر موافقة على تحويل السؤال الشفهي إلى سؤال كتابي” 14؛ مما يدل على أنه لا يحق لمكتب المجلس أن يصادر حق أعضاء المجلس في مساءلة أعضاء الحكومة؛ وضمنهم رئيسها، وألا يمتنع عن إحالة أسئلة النواب على الحكومة إلا بموافقة أصحابها؛ وبمفهوم المخالفة، فإن مكتب المجلس مطالب بإحالة أسئلة النواب على الحكومة طالما يتشبث بها أصحابها.
من ناحية أخرى، وحتى إذا سلمنا لمكتب المجلس بممارسة هذا التحقق المسبق، فإننا نتساءل عن ماهية المعايير التي يستند عليها هذا المكتب في تمييزه بين الأسئلة التي يرى أنها تتعلق في طبيعتها ومداها بالسياسة العامة، عن تلك التي تندرج ضمن فئة الأسئلة الشفوية أو الكتابية الموجهة إلى أعضاء الحكومة؛ سيما في ظل غياب أي تحديد قانوني لمفهوم السياسة العامة، وغياب أية قواعد قانونية تسعف في هذا التمييز.
وبهذا الخصوص، يمكن أن نستحضر مثالين شاهدين يؤكدان -في نظرنا- أن رئاسة مجلس النواب برفضها إحالة عدد من الأسئلة على رئيس الحكومة؛ منذ بداية الولاية التشريعية الحادية عشرة، لا يستند إلى أي أساس قانوني؛ بل لا يمكن فهمه إلا على أساس أنها مصادرةٌ سياسيةٌ لحقوقٍ دستوريةٍ لأعضاء البرلمان بصفة عامة، ولمكونات المعارضة بصفة خاصة:
أولهما: رفض رئاسة المكتب إحالة عدد من الأسئلة التي وجهتها المجموعة النيابية للعدالة والتنمية إلى رئيس الحكومة؛ وتتعلق مواضيعها ب ‹خطة الحكومة لإصلاح منظومة التقاعد› و ‹تعميم الحماية الاجتماعية› وكذلك ب ‹استمرار تباين وارتفاع حدة الفوارق بين الجهات وتأثيره على التنمية الجهوية› و ‹استراتيجية الحكومة للنهوض بالتعليم المدرسي›….، بحجة أنها أسئلة لا تتوفر على الضوابط والمحددات المتعلقة بالسياسة العامة!!!
ودون الخوض في مجادلة رئاسة المجلس حول مدى تعلق هذه الأسئلة بالسياسة العامة من عدمه؛ يكفي أن نشير إلى أن نفس هذه المواضيع كانت محط مساءلة لرئيسي الحكومتين السابقتين اللذين أجابا عليها، بل إنها شكلت أسئلة سبق لرئيس الحكومة الأسبق الأستاذ عبد الإله بنكيران أن أجاب عليها في الفترة التي كان فيها السيد رشيد الطالبي العلمي رئيسا لمجلس النواب، ومن أمثلة ذلك:

موضوع السؤالتاريخ الجلسة الشهرية صاحب السؤالإصلاح أنظمة التقاعد22 دجنبر 2015سؤال محوري لمختلف الفرقالتدابير المتخذة لتقليص الفوارق بين الجهات22 دجنبر 2015 فريق الأصالة والمعاصرةوضعية المنظومة التربوية 22 دجنبر 2015 الفريق الاشتراكيالتنمية في الوسط القروي والجبلي 17 نوفمبر 2015فريق الأصالة والمعاصرةتحسين الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية 17 نوفمبر 2015الفريق الاشتراكيالسياسة الحكومية لإنعاش الاستثمارات2 فبراير 2016سؤال محوري لفرق ومجموعة الأغلبيةواقع الصحة وسبل الارتقاء بها 26 أبريل 2016 سؤال محوري لفرق ومجموعة الأغلبيةفشل إصلاح التعليم العمومي 26 أبريل 2016 الفريق الاشتراكي

ثانيهما: لقد سبق للمجموعة النيابية للعدالة والتنمية -مثلا- أن وجهت سؤالا إلى رئيس الحكومة منذ شهر نوفمبر 2023 يتعلق بالمسألة التعليمية؛ فَوُوجِهت برفض رئاسة المجلس إحالته على رئاسة الحكومة؛ بدعوى أنه لا يتعلق بالسياسة العامة؛ ثم بعد مرور بعض الأسابيع يفاجأ الجميع بأنه قد حصل اتفاق على أن يأتي رئيس الحكومة للإجابة على أسئلة أعضاء مجلس النواب في الموضوع ذاته!!
وهكذا يتبين أن رئاسة المجلس لا تستند إلى ميزان الدستور والنظام الداخلي؛ في تمييزها بين الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة وغيرها من الأسئلة التي تندرج ضمن تلك التي يتعين توجيهها إلى باقي أعضاء للحكومة؛ شفوية كانت أم كتابية، وإنما ترتكز، في تكييفها لطبيعة الأسئلة، على اعتبارات سياسية صرفة؛ حيث إنه من الواضح أن برمجة جلسة لرئيس الحكومة حول موضوع السياسة التعليمية وإصلاح منظومة التربية والتكوين أتى في سياق توظيف هذه المناسبة لتمكين رئيس الحكومة كي يأتي شخصيا من أجل تلاوة خطاب مكتوب يبرز من خلاله بطولات وهمية؛ متمثلة في خلاصات الاتفاقات مع بعض النقابات؛ بعد احتقان شهدته الساحة التعليمية لمدة ثلاثة أشهر أو تزيد؛ اضطرت خلالها الشغيلة التعليمية إلى بلورة أشكال نضالية وصيغ تمثيلية اصطلح على تسميتها بالتنسيقيات؛ كتعبير عن أن الشغيلة التعليمية تعتبر أن النقابات المحظوظة تلك، لا تمثلها !! علما -أيضا- أن السيد وزير التربية الوطنية سبق أن جاء إلى مجلس النواب، في أكثر من مناسبة، ليجيب عن أسئلة النائبات والنواب التي تمحورت حول نفس الموضوع؛ قبل موعد حضور رئيس الحكومة بأسبوعين أو ثلاث!!!
ودون استعراض مزيد من التفاصيل المؤلمة، يمكننا القول -بكل وضوح- إن سلوك رئاسة المجلس هذا يندرج في إطار سياسة ممنهجة تؤول في نهايتها إلى جعل البرلمان ملحقة للحكومة…
المثال الثاني: مصادرة حق أعضاء مجلس النواب في تناول الكلمة في إطار الإحاطة
في هذا الإطار، ودون أن نسترجع تفاصيل دراسة سبق أن نشرناها في الموضوع 15؛ فإننا نؤكد أنه بالنظر إلى القواعد القانونية المقررة في المادة 152 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017؛ والتي تكتسي قيمة دستورية بعد أن صرح القاضي الدستور بمطابقتها للدستور أو عدم مخالفتها له، وبالنظر إلى القراءة التحليلية التي بسطناها بشأن تلك القواعد؛ حيث خلصنا إلى جملة من الخلاصات نجتزئ منها اثنتين فقط:

الخلاصة الأولى: أن تناول الكلمة في موضوع عام وطارئ هو صيغة من صيغ مساءلة أعضاء الحكومة حول قضايا مستجدة وطارئة؛ تعكس يقظة البرلمانيين؛ بقدر ما توفر للحكومة فرصة للتفاعل مع انشغالات الرأي العام والتعريف بما يمكن أن تكون قد اتخذته من تدابير وإجراءات بشأنها.
الخلاصة الثانية: أن صلاحيات مكتب المجلس في إطار التحضير للجلسة الأسبوعية المخصصة للأسئلة الشفهية، كما قررها النظام الداخلي، لا سيما فيما يتعلق بتحديد جدول أعمال الجلسة؛ صلاحياتٌ محددةٌ وواضحة، ولا يملك مكتب المجلس أو غيره، صلاحية تكييفها أو مخالفتها أو تجاوزها بممارسة صلاحيات غير منصوص عليها، ومن المؤكد أنه ليس ضمنها ما يخول مكتبَ المجلس صلاحيةَ النظر في موضوع طلبات البرلمانيين المتعلقة بالإحاطة، ولا التحقق المسبق مما إذا كانت هذه الطلبات تتعلق بمواضيع ‹عامة وطارئة› من عدمه، بل إن المشرع البرلماني قرر صراحة بأنه يجب إخبار الحكومة، عن طريق إشعار رئيس المجلس كتابة، وليس مكتب المجلس؛ الذي لا علاقة له إطلاقا بهذا الموضوع؛ سيما في مرحلة تلقي الطلبات من أعضاء المجلس وإحالتها على الحكومة.
وهكذا فإننا نعتبر أن قيام مكتب المجلس بالتداول في أمر إحالة طلبات أعضاء المجلس المتعلقة بالإحاطة؛ ابتداء من التحقق من استيفاء شرط ‹الموضوع العام والطارئ› شطط في استعمال السلطة، لا يستند إلى أي أساس دستوري أو قانوني؛ وذلك من ناحيتين:
أولاهما: أن النظام الداخلي لم يمنح مكتب المجلس هذا الاختصاص إطلاقا، بل إنه اشترط إشعار رئيس المجلس كتابة، وفي الوقت ذاته ألزم هذا الرئيس 16 فقط بإخبار الحكومة، باعتبار أن جميع المراسلات 17 التي توجه إلى الحكومة تتم على يده، والاتفاق معها على برمجة مواضيع الإحاطات، دون منحه، هو الآخر، صلاحية هذا التحقق من كون الموضوع عاما وطارئا أم لا.
وإذا كان من دورٍ لمكتب المجلس ورئيسه في هذا الإطار، فهو مرتبط بضمان توفير الجوانب التنظيمية المتعلقة ببرمجة هذه الفقرة؛ من حيث تحديد الفرق والمجموعات المخولة في كل جلسة، ضمانا لمبدأ التناوب، المنصوص عليه في المادة 152 ذاتها، بين الأغلبية والمعارضة من ناحية، ومن ناحية ثانية فيما بين فرق الأغلبية، وكذا فرق المعارضة فيما بينها أيضا، وأيضا من حيث الضبط الزمني للتدخلات… وما إلى ذلك، هذا دون أن نغوص في مشكل قطع البث التلفزي والإذاعي، بمجرد شروع النائبات والنواب في التحدث في إطار إحاطاتهم 18.
ثانيهما: إن نظر مكتب المجلس في طلبات أعضاء المجلس الرامية إلى تناول الكلمة في إطار ‹الإحاطة›، من حيث موضوعها ومدى استيفائه للطابع العام والطارئ أو غيره من الشروط، فضلا عن أنه ليس من صلاحيات رئيس المجلس ولا أعضاء المكتب كأفراد أو كهيأة جماعية، فإنه يفضي إلى وقوع محظور؛ يتمثل في إمكانية رفض إحالة هذه الطلبات إلى الحكومة إذا ما ارتأى رئيس المجلس أو مكتبه رأيا آخر، بالرغم من أن أصحابها يكونون قد استوفوا الشروط المطلوبة قانونا؛ بما فيها توصل رئيس المجلس بها كتابة، داخل الآجال المحددة 19، مما يعتبر، في حقيقة الأمر، مصادرة لِحقٍّ شخصي وقانوني لأعضاء البرلمان في ممارسة دور أساسي من أدوارهم؛ وهي الأدوار التي لا حق لأعضاء المكتب ولا لأي كان مصادرتها؛ سيما أن أعضاء البرلمان، بمن فيهم أعضاء المكتب، متساوون في ممارستها، وذلك بالنظر إلى أن المجلس الدستوري كان قد قضى بعدم جواز ذلك في أمر أقل أهمية لا يصل درجة مصادرة الحق في إحالة سؤال على الحكومة من أصله، وإنما يتعلق فقط بمجرد تحويله من سؤال شفوي إلى كتابي دون موافقة صاحبه كما سبقت الإشارة إليه.
وهكذا، فإننا نعتبر أن مصادرة حق نواب الأمة في هذه الصيغة من صيغ مساءلة الحكومة باعتباره حقا دستوريا وقانونيا، وله صبغة شخصية لا يجوز لأي كان أن ينال منه، إنما هو شطط في استعمال السلطة، ويبدو أن الاعتبارات السياسية تحتل مساحة مؤثرة في هذا الشطط؛ سيما بالنظر إلى ما شهدته الممارسة من وقائع عديدة؛ لعل أوضحها -على سبيل التمثيل لا الحصر- كون مكتب المجلس، وهو يمارس اختصاصا ليس مخولا له، أحال على الحكومة طلبا لإحدى الفرق في موضوع يتعلق بانهيار المباني في المدن العتيقة بعد أن كان، قبل أيام، قد صادر هذا الحق في مواجهة المجموعة النيابية للعدالة والتنمية التي سبق أن تقدمت بطلب تناول الكلمة في إطار الإحاطة في نفس الموضوع؛ حيث إن مكتب المجلس كان قد علل قراره الرافض لإحالة طلب العدالة والتنمية على الحكومة، حسبما ورد في تقرير اجتماعه المعني، بأنه ‹بعد مناقشة هذا الطلب من مختلف جوانبه القانونية والمسطرية تقرر عدم إحالته على الحكومة لعدم استيفائه للضوابط والشروط القانونية الواردة في مقتضيات النظام الداخلي› !!!، فأنَّى لنفس المكتب أن يوافق على إحالة طلب يرمي إلى تناول الكلمة في إطار ‹الإحاطة› في موضوع ما، بعدما كان قد صرح، من قبل، بأنه لا يستوفي الضوابط والشروط القانونية المنصوص عليها في النظام الداخلي !!
ومن غير حاجة إلى إحصاء كل الطلبات التي تقدمت بها مختلف مكونات المجلس منذ بداية الولاية التشريعية الحادية عشرة، وهي كثيرة؛ غير أنه يمكن أنن نرمز إلى حجم الشطط الذي اقترفته رئاسة المجلس، من خلال الإشارة -مثلا- إلى أن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية -لوحدها-، تقدمت خلال النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة، بأكثر من 47 طلبا للتحدث في أمور عامة وطارئة، لم تقم رئاسة المجلس بإحالة أكثر من 13 طلبا منها؛ حيث قبلت الحكومة الإجابة على أربعة منها، ورفضت الإجابة عن تسعة أخرى، بينما قامت رئاسة المجلس بمصادرة 32 طلبا بحجة أنها لا تستوفي الشروط!!!
ولئن كنا قد ركزنا لحد الآن على دور رئاسة مجلس النواب في مصادرة حق أعضائه في مساءلة أعضاء الحكومة من خلال هذه الوسيلة الرقابية المقررة، ضدا على الدستور والقانون، مما نعتبره جريمة دستورية؛ فإن ذلك لا ينبغي أن يحجب عنا إخلال أعضاء الحكومة بواجبهم في المثول أمام أعضاء البرلمان الذين يستمدون نيابتهم من الأمة، من أجل تقديم أجوبتهم على ما يثيرونه من تساؤلات وقضايا من خلال تناول الكلمة في إطار الإحاطة، والذي يعكس الضعف السياسي والتواصلي لأعضاء الحكومة بصفة عامة، فضلا عن ضعف ثقافتهم؛ بل وإيمانهم بالديموقراطية.
صفوة القول؛ إننا -من خلال هذه العينة من الوقائع والأمثلة الشاهدة- إنما نريد أن نؤكد حقيقة مفادها؛ أن الصورة الوردية التي حاول السيد رئيس مجلس النواب أن يروج لها، من خلال تناوله حصيلة أشغال المجلس خلال النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة، صورة غير حقيقية؛ وحتى إذا أصر على ذلك؛ فإننا – من خلال الأمثلة القليلة التي أشرنا إليها- نشير إلى وجود جانب قاتم ومظلم في تصرفات رئاسة المجلس؛ يتمثل في الجرأة على الإخلال بأحكام الدستور وقواعد النظام الداخلي التي اكتسبت قيمة دستورية بعد أن أقر القضاء الدستوري بدستوريتها؛ مما جعل حصيلة أشغال المجلس أضعف مما كانت مؤهلة له؛ نتيجة تغليب الاعتبارات السياسية؛ التي ترمي -من جهة- إلى الحد من المبادرات البرلمانية وإضعاف أدوار السلطة التشريعية؛ وبشكل خاص تلك التي يكون مصدرها من المعارضة؛ وتلك التي يكون مصدرها العدالة والتنمية بشكل أخص؛ كما ترمي -من جهة أخرى- إلى تقديم نموذج في ضبط المؤسسة البرلمانية والتحكم في نشاطها؛ بما يؤول -في جانب منه- إلى تحويل البرلمان إلى ملحقة حكومية؛ وهو ما يحتاج منا -مستقبلا- إلى إعداد دراسة توثيقية لعدد من الوقائع الشاهدة كي نبرز أن الأمر لا يقتصر على هذه الوسائل الرقابية المشار إلى طرف منها وحسب؛ وإنما يكاد يطال مختلف أوجه النشاط البرلماني؛ مما لم يتسع المقام هنا لإثارته ومناقشته وتقييم تصرفات مختلف المتدخلين بشأنه؛ من قبيل عرقلة المهام الاستطلاعية في مختلف أطوار اشتغالها؛ ابتداء من مصادرة الحق في تشكيلها لأسباب غير معلنة أو على الأقل غامضة 20، مرورا بالحد من عددها بدعوى ‹عقلنتها وترشيد الزمن البرلماني›، ثم بعدم قيام رئاسة المجلس بدورها في حث الحكومة على توفير المعطيات والوثائق المطلوبة، وصولا وانتهاء برفض إحالة تقاريرها على الحكومة 21؛ مما يعيق برمجة مناقشتها على مستوى اللجان المعنية بله على مستوى الجلسات العامة!!! ومن قبيل عرقلة عمل مجموعات العمل الموضوعاتية التي تقرر إحداثها لتقييم عدد من السياسات والبرامج العمومية 22 إلى غير ذلك من الأمثلة التي تؤكد مسؤولية رئاسة مجلس النواب في الحد من أشغال البرلمان وإضعاف حصيلته مما يؤشر على تحول خطير على مستوى الممارسة السياسية…