الاثنين 29 إبريل 2024
اقتصاد

سجال الربا حول القروض البنكية.. هذه توضيحات زهير لخيار

سجال الربا حول القروض البنكية.. هذه توضيحات زهير لخيار زهير لخيار، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء
على إثر الجدل الذي أثاره وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حول الربا في القروض البنكية، اتصلت جريدة "أنفاس بريس" بالدكتور زهير لخيار، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وأجرت معه الحوار التالي:
 
- في نظرك هل المتاجرة في النقود الذي تقوم به البنوك يعد في خانة الربا؟
اسمحوا لي أولا أن أقوم بتقديم يمكن أن يفيد في الموضوع ويمنح بعض الأجوبة لبعض الالتباسات التي تحصل حينما نناقش موضوعا يمزج بين الاقتصاد والفقه، لأن الكلام فيه يحتاج بطبيعة الحال إلى ضبط الجانبين الفقهي والاقتصادي، لماذا أقول هذا الكلام لأن بعض العلماء المتخصصين في الفقه والذين أباحوا هذه الفوائد وحيث انتقدهم بعض الاقتصاديين المهتمين بالموضوع بدعوى أنهم لا يضبطون المتطلبات الفقهية من أجل الخوض في الموضوع، وبالتالي يمكن أن يكون هذا القول صحيحا لكن بنفس المقياس فإن أغلبهم، لا أقول الكل لا يضبطون معاني ومفاهيم المصطلحات الاقتصادية المتعارف عليها كمعنى الفائدة المركبة وعلاقتها بتفسير أضعافا مضاعفة ومفهوم البيع والشراء وعلاقته بالربا وكذا مفهوم الاستغلال وتحديد الطرف الضعيف من القوي وأيضا مفهوم الادخار وعلاقته بالاكتناز وعلاقتهما بالاستثمار وغيرها من المصطلحات الاقتصادية المرتبطة بمفهوم الربا. 
ولذلك سأبين أولا بعض المفاهيم التي ترتبط بالمعاملات هل هي ربوية أم لا؟
أولا فإذا ما انطلقنا من قول الله عز وجل «وأحل الله البيع وحرم الربا» واعمالا لقاعدة التماثل La symétrie  بالفرنسية The symmetry بالإنجليزية، يمكن القول أن البيع هو مقابل الربا أو عكسه، أي أن كل ربا فهو ليس بيعا، و بالتالي يكون عدم البيع حراما وعليه وإعمالا لقاعدة المفهوم بالخلف، يمكن العمل على تعريف البيع وكلما يخرج عن هذا النطاق في المعاملات فهو ربا.
فما هو إذن البيع؟ أو ما الخصائص التي ينبغي أن تتوفر في العملية لكي تسمى بيعا وبالتالي تمنح صفة الحلال؟ 
وبالإستناد إلى تعريف واحد للبيع والشراء، لأن العلماء شبه متفقين على هذه التعاريف باستثناء بعض الاختلافات الطفيفة التي لا تؤثر في هذا الموضوع، يمكن استدعاء التعريف الذي جاء به عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري، في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة، الذي قال أن: 
-البيع في اللغة: مقابلة شيء بشيء؛ فمقابلة السلعة بالسلعة تسمى بيعًا لغة كمقابلتها بالنقد، ويقال لأحد المتقابلين: مبيع، وللآخر: ثمن.
وقال بعض الفقهاء: إن معناه في اللغة تمليك المال بالمال، وهو بمعنى التعريف الأول.
وقال آخرون: إنه في اللغة إخراج ذات عن الملك بعِوض، وهو بمعنى التعريف الثاني؛ لأن إخراج الذات عن الملك هو معنى تمليك الغير للمال، فتمليك المنفعة بالإجارة ونحوها لا يسمى بيعًا.
أما الشراء فإنه إدخال ذات في الملك بعِوض، أو تملك المال بالمال، على أن اللغة تطلق كلًّا من البيع والشراء على معنى الآخر، فيقال لفعل البائع: بيع وشراء، كما يقال ذلك لفعل المشتري، ومنه قوله تعالى:﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ ﴾[يوسف: 20]، فإن معنى﴿ شَرَوْهُ ﴾في الآية: باعوه، وكذلك الاشتراء والابتياع فإنهما يطلقان على فعل البائع والمشتري لغة.
إلا أن العُرف قد خص المبيع بفعل البائع، وهو إخراج الذات مِن الملك، وخص الشراء والاشتراء والابتياع بفعل المشتري، وهو إدخال الذات في الملك-انتهى كلام الشيخ.
إذا فالبيع معناه أن تسلمني شيئا وأسلمك ثمنه وهو ما سماه العلماء بالذات وبالتالي تنبني عملية البيع على تسليم أو تسلم سلعة مقابل ثمنها، وقد يكون الثمن نقدا أو سلعة أخرى كما كان جار به العمل بنظام المقايضة، وما دمنا خارج نظام المقايضة الآن نقتصر على مقابلة السلعة مع ثمنها نقدا.
وقد أحسنتم حينما اخترتم مصطلح المتاجرة بالنقود لأنه أيضا هناك مصطلحين مختلفين وكثير من الناس يخلط بينهما، وهما البيع والتجارة، فالتجارة تضم البيع لكن البيع لا يحتوي على التجارة، وهذا الاختلاف موجود في القرآن الكريم حيث تجد بعض آياته تتحدث عن التجارة وأخرى تتحدث عن البيع، ولكيلا نبتعد أكثر عن موضوعنا، سنذهب إلى تعريفين آخرين مرتبطين بالموضوع، وهما الادخار والاكتناز حيث أنه كما هو معلوم فالادخار مباح لكن الاكتناز محرم بل توعد الله المكتنزين بالعقاب.
وبالعودة إلى تعريف المفهومين من الناحية المصطلحية فقط فإن الاكتناز هو ذلك الجزء الذي يضعه الشخص جانبا بعد أن يفي بأغراضه الاستهلاكية والادخار أيضا هو ذلك الجزء الذي يضعه الشخص جانبا بعد أن يفي بأغراضه الاستهلاكية، ففي ظاهر الأمر يبدو لنا أن العمليتان متشابهتان لأنه مجرد ترك قسط من المال جانبا بعد القيام بالاستهلاك، فلماذا حرم الاكتناز ولم يحرم الادخار؟ وهنا أعود إلى مسألة التعريف الاقتصادي الصرف الذي لا يراه أسيادنا الفقهاء وهو أن عملية الاكتناز تضر بالاقتصاد كله، ذلك أن الشخص حينما يكتنز فهو يضع المبلغ المكتنز في ركن من أركان بيته أو في مكان آخر غير البنك أو المصرف، وبالتالي يتسبب هذا الحجب في ضرر كبير للعملية الاقتصادية برمتها، ذلك أن الساهرين على الحفاظ على التوازنات المالية لن يستطيعوا تحديد مآل هذه المبالغ و لن يتعرفوا على حجمها وعليه تتلخبط الحسابات عندهم، ولذلك ذهبت كل المذاهب الاقتصادية إلى تحريمه وليس الإسلام فقط، أما الادخار فهو مباح لأن المبلغ المتروك جانبا، يتم إيداعه في بنك أو مؤسسة معلومة، و بالتالي أخذه بعين الاعتبار يصبح أمرا سهلا.
إن الحديث عن كل هذه التعريفات كان بغرض الوصول إلى معادلة التوازن عند الاقتصاديين و التي مفادها أن هذا التوازن لا يحصل إلا إذا كان حجم الادخار الوطني يساوي حجم الاستثمار الوطني وبالطبع فالاستثمار يختلف كليا عن الادخار ذلك أن العملية الاستثمارية تعني إدخال المال إلى السوق الحقيقي أي سوق السلع و الخدمات و من هنا تظهر مسألة المخاطرة التي يركبها المستثمر و التي تعطيه الحق في الاستفادة من الزيادة التي قد تحصل أو لا تحصل في رأس المال بعد توظيفه، وهذا ما يصطلح عليه بقاعدة الغنم بالغرم، ومن هنا نأتي إلى الرد على سؤالكم والذي سأحوله إلى سؤال آخر بناء على ما ذكرته سلفا وأقول: هل ما تقوم به البنوك التجارية بيع أم ربا؟
إن البنك التجاري يقوم بتحصيل الأموال من المودعين بنسبة فائدة ثم يسلمها للآخرين ولا أقول للمستثمرين – لأنه ليست كل الأموال المودعة تذهب إلى الاستثمار-بنسبة فائد أعلى ويتحصل البنك على الفرق بين النسبتين. 
فحصيلة هذه العملية سنجسدها من خلال المثال التالي:
نفترض أن المبلغ المودع بالبنك هو 1000 درهم كما نفترض أن الفائدة التي سيؤديها البنك للمودع هي 10% كما نفترض أن المدة المتفق عليها هي عام واحد ولنفترض أن البنك سلم للتو هذا المبلغ للطرف الثالث بنسبة 15% فالحصيلة تنقسم إلى المراحل التالية: 
في بداية العام يكون مدخول البنك: 1000
ومدخول المودع: -1000
ومدخول الطرف الثالث:0
وكما هو معلوم عند الاقتصاديين أن العملية التي لا تنتج قيمة مضافة للمجتمع كله تعتبر عملية لا جدوى منها، واستنادا إلى المثال الذي طرحناه يمكن القول أنه في المرحلة الأولى، أي وقت الإيداع في البنك، ستكون القيمة المضافة على الشكل التالي:
1000+ -1000=0

أي أن العملية الأولى لم تضف أي شيء للاقتصاد الوطني فهي مجرد تحويل مبلغ من فاعل اقتصادي إلى فاعل آخر.  
في نهاية السنة، ومع فرضية أن الطرف الثالث لم يستثمر فعليا هذه المبالغ بل تركها راكدة، فإننا سنحصل النتيجة التالية: 
سيكون مدخول البنك حينما يحصل أصل المبلغ وفائدته من الطرف الثالث كما يلي: 
1000 + 150 (1000 * 15%)  = 1150
الذي سيؤدي منه البنك للمودع مبلغا سيمكنه من المدخول التالي: 
1000+ 100 (1000 * 10%)= 1100
وبالطبع هذا المدخول سيسحب من مدخول البنك الذي سيصبح كالتالي:
1150- 11000 = 50
أما مدخول الطرف الثالث بعد أن يؤدي ما بذمته سيكون هو:
-1000 + 150-=1150
وبالتالي يصبح المدخول العام الذي هو حاصل المداخيل الثلاثة كما يلي: 
في بداية العام:
1000+- 1000+ 0= 0
في نهاية العام:ظ
50+ 1100+-1150=0
ومن هنا يبرز المثال أن التفاعلات الاقتصادية الخارجة عن نطاق سوق السلع والخدمات لا تفرز أي قيمة مضافة للمجتمع بقدر ما يستفيد منها بالدرجة الأولى النظام البنكي فقط. 
إن هذا الأمر هو ما يصطلح عليه بوهم الزيادة لأنه يضرب عرض الحائط مبدأ أساسيا في مسألة تلازميه الاقتصاد النقدي واقتصاد السلع والخدمات أو ما يصطلح عليه بالاقتصاد الحقيقي، Economie réelle فماذا تعني هذه التلازمية؟ إنها تعني بكل بساطة أن أي تغير في السوق النقدي لابد وأن يؤثر على سوق السلع والخدمات وأن كل عملية لم تخلق قيمة مضافة في سوق السلع والخدمات فهي ضارة بالاقتصاد ولا تنفعه في شيء. 
وبالعودة إلى المثال السابق، ولتبيان أوجه ضرر هذه العملية، نقول أنه من خلالها ثم خلق نقود إضافية للبنك 50 وللمودع 100 درهم دون خلق مقابل لها من السلع و الخدمات، وبالتالي ستساهم هذه العملية في خلخلة التوازن الاقتصادي للبلد، كما نؤكد أن إحداث مبالغ جديدة تكون لا محالة في صالح من تحصل عليها – أتحدث عن الصالح الاقتصادي وليس الشرعي- ولكنها تعتبر رفعا لقدرته الشرائية و بالتالي سيرفع من الطلب الذي لن يجد السلع والخدمات المقابلة له لأن حجمها لم يتغير، كما يمكن أن تحدث هذه العملية نوعا من تعميق تضخم الأثمان الناتج عن ارتفاع الطلب الناتج عن ارتفاع القدرة الشرائية لأن السيولة النقدية ارتفعت، دون أن يقابلها ارتفاع في السلع و الخدمات.
فتخيلوا معي إذا كانت هذه الأرقام بالملايين وإذا كررها كل الفاعلين الاقتصاديين وعليه وإذا تمت بفائدة مركبة أي امتد عمرها لعدة سنوات، وبالتالي فالبيع الحقيق لا يضر بالاقتصاد وما دامت هذه العملية تضر بالاقتصاد فهي ليست بيعا بالمعنى المراد منه.  
 
-هل يمكن القول إن الخدمات التي تقدمها البنوك لزبنائها هي الفوائد التي تجنيها من هذه الخدمات؟
إن الجواب على سؤالكم هذا يشكل تكملة للتحليل الذي طرحنا من خلال الجواب على السؤال الأول، وبالتالي سنستكمل التحليل من خلال المثال الذي ضربناه سلفا. 
نفترض أن المبلغ المودع بالبنك هو 1000 درهم كما نفترض أن الفائدة التي سيؤديها البنك للمودع هي 10% كما نفترض أن المدة المتفق عليها هي عام واحد ولنفترض أن البنك سلم للتو هذا المبلغ للطرف الثالث بنسبة 15%، من هنا سنفترض سينار يوهين اثنين: 
الأول هو توجيه هذا القرض إلى الاستهلاك crédit consommation 
أي ان الطرف الثالث سيقضي على المبلغ المقترض ولن ينتج به شيئا وعليه تصبح الوضعية بعد العام كما يلي:
مدخول البنك:
1000 + 150 = 1150 – 1100= 50

مدخول المودع:
1000 + 100 = 1100
مدخول الطرف الثالث:
-1000 + -150 = -1150
وبالتالي يكون المدخول العام هو:
50 +1100+-1150 = 0
فالملاحظ هنا أيضا أن الصفر يلاحقنا، أي أن العملية التي يغيب فيها البيع الحقيقي لم تفرز أي قيمة مضافة كما هو متعارف عليه في علم الاقتصاد.
الثاني هو توجيه المال المقترض إلى الاستثمار أي إدخاله إلى الآلة الإنتاجية، تجارة أو صناعة أو خدمات، وهنا نجد أنفسنا امام ثلاثة حالات: وهي أن العملية الاستثمارية كانت خاسرة أو أنها كانت رابحة بنسبة أكبر من معدل الفائدة المطبق على الطرف الثالث أو انها كانت رابحة بنسبة أقل من نسبة الفائدة المطبقة على الطرف الثالث.
الحالة الأولى: الخسارة
 سيكون مدخول البنك ما يلي:
1000 + 150 = 1150
سيكون مدخول المودع ما يلي:
1000 + 100 = 1100
وبالتالي يصبح مدخول البنك ما يلي:
1150-1100 = 50
أما مدخول الطرف الثالث الذي نفترض أنه خسر بنسبة 5   %من أصل المبلغ وهي 50 فسيكون مدخوله كالتالي: 
-1150- 50 = -1200

وهنا يكون مجموع الدخول كما يلي: 
50 +1100 – 1200 = -50
ومن هنا نستخلص نقطتين أساسيتين: الأولى مرتبطة بالضرر الذي حصل للقيمة المضافة الوطنية والثانية مرتبطة بالظلم الذي وقع على الطرف الثالث، ذلك أن البنك قد حصل مبلغه مع زيادة الفائدة وأن الطرف المودع الذي وضع ماله بالبنك وذهب يغط في النوم قد حصل مبلغه وزيادة، لكن المتضرر الأكبر هو الذي أراد ان ينفع البلاد والعباد بالمجازفة بماله بإدخاله السوق الحقيقي، وهو الأمر الذي قد يدفع كل من يملك مالا إلى الاتجاه إلى الإيداع في البنوك ومن تم يعم الركود والكساد الاقتصادي.
الحالة الثانية: عملية رابحة بنسبة أكبر
نقف هنا على جميع الفرضيات باستثناء أن الطرف الثالث نجح في جلب ربح أكبر من سعر الفائدة المطبق عليه: لنقل مثلا 20%.
وبالتالي سنقف على الوضعية التالية:
سيكون مدخول البنك كما يلي:
1000 + 150 = 1150
سيكون مدخول المودع كما يلي:
1000 + 100 = 1100
وبالتالي يصبح مدخول البنك ما يلي:
1150-1100 = 50
أما مدخول الطرف الثالث الذي نفترض أنه ربح بنسبة 20   %من أصل المبلغ وهي 200 فسيكون مدخوله كالتالي: 
-1150+ 1200  = 50
أي أن مدخوله توافق تماما مع مدخول البنك التي لم تبدل أي مجهود انتاجي سوى قبض المبلغ من هنا وتسليم هناك.
وهنا يكون مجموع الدخول كما يلي: 
50 +1100 + 50 = 1200
نلاحظ أن هناك إضافة حوالي 200 للاقتصاد الوطني لكن تتجزأ إلى 50 مجمدة بالبنك أقصد لا تدخل خط الإنتاج 1100 مكتسبة دون العمل الإنتاجي وتبقى ال 50التي أنتجها المستثمر، وهنا يمكن القول إن العملية غير عادلة لأن الذي بدل مجهودا في الاستثمار لم يتحصل إلا على مبلغ يوازي أو أقل من الذين تحصلوا على مبالغ دون الدخول في العملية الانتاجية الحقيقية أي انتاج السلع والخدمات.
الحالة الثالثة رابحة ولكن بنسبة أقل 
نقف هنا أيضا على جميع الفرضيات باستثناء أن الطرف الثالث نجح في جلب ربح ولكن أقل من سعر الفائدة المطبق عليه لنقل مثلا 10% 
وبالتالي سنقف على الوضعية التالية:
سيكون مدخول البنك ما يلي:
1000 + 150 = 1150
سيكون مدخول المودع ما يلي:
1000 + 100 = 1100
وبالتالي يصبح مدخول البك ما يلي:
1150-1100 = 50
أما مدخول الطرف الثالث الذي نفترض أنه ربح بنسبة 10   %من أصل المبلغ وهي 100 فسيكون مدخوله كالتالي: 
-1150+ 1100  = 50-
أي أن مدخوله انخفض بالرغم من أنه حقق أرباحا في المشروع بل انخفاض مدخوله قد توافق تماما مع ارتفاع مدخول البنك التي لم تبدل أي مجهود انتاجي سوى قبض المبلغ من هنا وتسليمه هناك، بمعنى آخر أن الطرف الثالث اشتغل لحساب البنك وأضاف بعض الشيء من ماله الخاص الغير المحسوب على المشروع، وبالتالي كل من يرى هذه الوضعية فسيتجه حتما إلى الإيداع عوض الاستثمار بالرغم ما للاستثمار من فوائد جمة على الاقتصاد الوطني.
وبناء على هذه الحالة يكون مجموع الدخول كما يلي: 
50 +1100 + 50- = 1100
وهو ما يطابق المبلغ الذي تحصل عليه المودع الغاط في نوم عميق.
3 - كيف يمكن لعامل الزمن الذي تحدثت عنه أن يكون مهما في المعاملات الشرعية؟
إن هذه المسالة كما ذكرت في المقال السابق تعتبر جوهرية وأساسية في تحديد ربوية المعاملة من عدمها، ذلك أنني عرفت مفهوم المعاملة الاقتصادية والتي هي تبادل بين شخصين أو أكثر، كما ذكرت أن هناك نوعان من المعاملات في الشرع الإسلامي وهما المعاملة الصحيحة. والمعاملة المحرمة كما طرحت السؤال التالي: لماذا هذه مباحة والأخرى محرمة؟ وهو الأمر الذي دفعني إلى تحديد مكونات المعاملة على العموم كيفما كان نوعها والتي هي: الزمن والكمية والجنس، فالزمن هو الوقت الذي أجريت فيه المعاملة والكمية هي حجم المعاملة سواء بالكيلو أو الطن أو حجم النقود، أما الجنس فيعني نوع السلعة ولا أعتقد أنه يوجد عامل آخر قد تم اغفاله في نطاق أي معاملة كانت.
فمن خلال هذه المكونات وتلخيصا لما جاء في كل الفقه المرتبط بالربا يمكن تحديد طبيعة العملية هل هي ربوية أم لا وذلك بمحاكات المكونات الثلاث.
يمكن للمعاملة أن تتغير فيها الكمية ولا يتغير الزمن -وهذا معنى حديث يدا بيد- ولا يتغير كذلك الجنس كأن نتوافق على تبديل سلعة بكمية أكبر منها لأن الأولى ذات جودة منخفضة، وهنا تكون المعاملة مشروعة.
كما يمكن أن يتغير الجنس وتتغير الكمية دون تغير الزمن كأن أعطيك كيلو من البر مقابل كيلوين من الأرز يدا بيد فلا شيء فيها.
ولكن إذا تغير عامل الزمن هنا ينبغي الحدر لأنه إذا تغيرت الكمية مقابل الزمن تكون المعاملة ربوية.
وترتيبا عليه فالمعاملات التي يتغير فيه الزمن لوحده دون تغير الكمية و/أو الجنس فهي مباحة كأن أقرضك ألف درهم وتعيد الألف بعد سنة فلا شيء فيها، أو أن أسلفك صاع من الثمر على أن تعيده لي نفسه بعد مدة فلا شيء فيها، أما إذا تغير عامل واحد من العاملين الآخرين بتغير الزمن تصبح المعاملة ربوية.
ومن هنا طرحت السؤال على السيد الوزير المحترم: هل المعاملات البنكية المرتبطة بالبنوك التجارية تحترم قاعد عدم التغير المتزامن بين الزمن كشرط أساسي ومعه أحد العاملين الباقيين أما لا؟
فإذا كانت تحترم هذه القاعدة فما تسميه فوائد ليست هي الربا ولكني لا أعتقد ذلك لأت البنوك التجارية لا تربح إلا باستعمال الزمن مع تغيير كمية النقود بل يتم احتساب الزيادات في المبالغ يوما بيوم فإذا تأخرت يوما عن السداد فإنه يتم إضافة مبلغ آخر مبني أساسا على حجم التأخر في الوقت.