الأربعاء 1 مايو 2024
منبر أنفاس

عبد اللطيف برادة: لن نرحل من غزة بعد الآن

عبد اللطيف برادة: لن نرحل من غزة بعد الآن عبد اللطيف برادة
بعض الأحيان تأتي الكلمات فتطرق الباب
ومن دون استئذان
تعصف بعقلي
فتتناثر الأحرف كأوراق الشجر على لساني
لي جذور تغوص في العمق تربطني بتلك الأرض المقدسة
أحب هذه الأرض لأنني أحن الى تلك الشمس القارصة عند الظهيرة
أحن الى الموج والى ترانيم صيادي السمك وهم يرمون بشباكهم الى عمق البحر
أحن إلى صياح الأطفال وهم يلعبون بعيدا عن رصاص الحرب
أحن الى سويعات سعادة أقضيها مع أمي
أراها وهي تمدني بقدح بن ممزوج بحب الهيل وشيء من قرنفل
لي عطش للحب ولأشياء أخرى لا تذكر
لكن عطشي لا يروى إلا بذلك الماء الزلال لجداول حقل الكرم
فإلى تلك الارض وذلك الشعب أنتمي لأنني انسان محب للسلام
أنا أقول ولدت فلسطيني الهوى
الكوفية تغويني وأناشيد الوطن
أنا فلسطيني الهوى لأنني عانيت من القهر ولأنني اشعر بمعنى الثورة والغضب
لقد انتزع مني الحلم منذ الصغر
وألقي بي في اليم مثل موسى
وصلبت على جدع شجرة زيتون مثل عيسى
ومن تحت رجلي توارى تراب الأرض ليظل الصخر في صحراء قلبي الممتدة الى مخمصة القدم
أنا ابن فلسطين والحجر وحده يلامس رأسي مع أحساسي بالضجر
لم يعد للطين لون مند ان جاء هؤلاء الاوغاد يحطمون الحجر يقلعون الشجر
أراهم أشد فتكا من التتار
لا رحمة لهم لطفل رضيع لام تكلى لساجد في مسجد ولا لكاهن يبتهل في صومعة لخالق يمهل ولا يهمل
أنا لم يعد يطيب لي العيش هنا بعدما اتي جان جس خان يمتطي فرسه
يزرع الرعب أينما حل وارتحل
يحطم الحجر يكسر جدع الشجر
فلا حلم له سوى النار والثأر وكره البشر
لا حضارة بعده لا زرع ولا حلم جميل
أينما حل رحل الناس الى غير وجهة وبلا أمل
لم تعد تطيب الحياة لي هنا مند جاء التتار
لكن كيف لي ان ارحل عن ارضي وقومي علموني ان الارض لا تعوض ابدا
الوطن لا يعوض ولو بأرض عدن حقولها من زهر الياقوت وزمرد
كيف لي ان ارحل وعنادي يملي علي ان اظل راسخا في ارضي كنخلة لا تقتلع
جردوني من حلمي
نفوني في وطني
ليس لي ملاذ إلا هده الارض وهذا الوطن
نعم لقد ارادوا مني ان ارحل عن ارض اجدادي ولن ارحل
سأظل هنا كما أبا الهول شاهدا على جرم العصر
سأعاند كما الجبل الطود
سأصمد في وجه كل الزوابع ولن أرحل
لا أحمل الآن في قلبي سوى الغضب وشيء من حكمة الأجداد علمتني ان اصطبر
ولي ذكريات تبعث في جراح ماضي لا يطاق
كلها الأفكار السوداوية تتبلور في وقت لاحق
تتلاعب بقلبي تطرز بعقلي خيوط بيوت العناكب
كان للفرح بالأمس موعد لي مع الفرح واليوم المشهد قاتم
نجوم الليل تنطفئ كل مساء
وسمائي لا تضاء إلا بقنابل فسفور قاتل
وفي النهار يرتفع الغبار عاليا في السماء عند كل انفجار
تتحطم الجدران وينتشر كما الهشيم دخان النار
فلا أسمع سوى صراخ الاطفال
ولا أشعر بشيء ومن حولي يعم الضجر
أرى فقط هذه اليد التي تمتد من تحت الانقاض
واسمع انين ينادي يطالبني بان امد له يد العون
يمد يده لينهض من ركام
ظلت اليد ممتدة وباقي الجسد راكعا في سجدة الوداع
كل كلمة نطق بها الامس في صلاته كانت رحيل
واليوم يغمر التراب وجهه
الأمس كان يقول لا قمر يضيء البيت الخالي يا اماه
ولا كهرباء يضيء يطرد من حولي عتمة الظلام
وفي صمت قاتل يزرع الخوف في زوايا البيت صدى القنابل
دقائق قبل من ان يتغير المشهد
كانت الام تسال الابن في هدوء
هل أكلت خبزك الأمس؟ هل نمت بسلام؟
فيرد عليها بشفاه ترتجف من هول ما رأى الأمس
قد نمت يا أماه بعد تلاوتي آية الكرسي وختمت بي "آمين"
فسافرت على أجنحة البراق الى عالم الغيب
وألان نهضت من سباتي العقيم ولدي حلم يا أماه وكيس من نجوم
قلي لي إبني فإلى أي مكان رحلت ومن لاقيت
فلما انت غير قادر على التحدث ؟
لا لا شيء يا اماه فلي وصية وإسرار اكتم البعض مها
واكشف ما سأقول
لاقيت هناك انوارا وصوت حنين يبشرني بغد جميل
ان الحرب هذه قد تختم بانتصار
والعبرة في الحياة حسن الخاتمة
ليس الانتصار في غلبة عدو غاشم
والحكمة في قلب ولسان يلزم ذكر الخالق عند الانكسار
اماه خلف الأشياء البسيطة سأختبئ
سأبتسم حتى لا تكون الموت اشد من حرب
أماه إذا لم تجدني غدا ستجد الأشياء
ستلمسين ما لمسته يدي بحنان الذكريات
غدا ربما نلتقي ان لم يلغي القدر موعد اللقاء
شيء جميل لمن لا يطيق الفراق فلقاء الأقارب
كانت هده امنية اللقاء
يصرخ بها في وجه أمه بطريقة خرقاء
غدا يقول والدمع في عينيه
سوف تنظم آثار أيدينا إلى بعضها البعض
وفي قريتنا المنسية بشوارعها المجهولة قد نختار الصمود بدل الرحيل
هنا لا العطش ولا الجوع يقهر
سنضل هنا وان عصرنا الحجارة نوري العطش
ومن حفنة زيتون نأكل حتى نشبع
لن نرحل وقد تروي دماؤنا أرض الأجداد
هنا لدينا" الماضي هنا الحاضر هنا مستقبلنا هنا سنبقى…
"يا حقدي المرعب لقد قتلوا الحب في داخلي
حولوا الدم في عروقي إلى سيول بركان لا تنضب
فلما تغضب أيها التتار أنت من يعيب علي حبي لوطني؟
أنا عربي وجذوري تمتد الى اعماق الارض
انا هنا قد أتحول الى ركام من صخر ولن ارحل
هنا سأظل ولا أنحني أمام الدبابات
ولو مزقتني اشلاء سأضم الأرض بذراعي واحضنها بقلبي كأم حنون
ومن اشلائي قد ينبعث جيل اخر يحمل المشعل
هل تغضب أيها التتار أنت من يعيب علي فخري وشهامتي؟
أنا سأظل هنا لأني أحب الارض وزيت الزيتون وطعم الزعتر
هل تغضب أنت من لا يعلم عني الامي وآمالي؟
ففي هذه الأوقات القاسية يحملني على جناحيه حلمي الجميل
فاسمع صوت البشرى يرتفع ويعلن انفراج القدس؟
انا لن ارحل اليوم ولي وصية
ارحلوا أنتم عن ارضي ان شئتم... اما انا اتركوني هنا ازرع شجر الزيتون في ارض السلام
غادروا واتركوا الريح تداعب جراحي
وان سقط الوطن ممزق قد الملمه قطعه قطعة أرصعه بأصابعي كجوهرة على تاج من ذهب وزمرد
الملمه من تحت الركام قطعة قطعة كتحفة نادرة لم تبلى وان مر عليها الزمن
من نوافذ قصر القيصر الجديد يصلني صياح قوم يعبدون العجل يبجلون الوثن
فلاشيء تغير
إنه ابتهال الجنود بالقائد الهمام
وفي الحاشية كل الولاة باعوا الكرامة وامن الشعوب لحفنة من دهب
على كرسي من خشب يأكله البعوض اتكئوا وهم نيام
ومن نوافذ بيت من طين اعتلى صراخ
لقد سقط سقف البيت على رأس طفلة
صرخة أم مبتلاة تحتفل بدخول الجنود إلى قريتنا الهادئة
مهجورة هي قريتي كأحلامي المكسورة
هنا قد يكون اللقاء وسيكمل الحساب
وسأظل هنا في قريتي أشهد طلوع الفجر من جديد
أنا نبتت في ارضي نخلة
صرت عطرها وثمرها
أنا سأظل هنا ولن ارحل
وإذا أرادوا يوما أن يطردوني سأكون ثأرا وطوفان
وهكذا متجاهلاً الحدود التي أنشأها المحتل على الضفاف والمنحدرات سأزرع علمي مرفرفا فوق القمم
يا إخوتي الحالمين بالعلم يا إخوتي المتفرقين جئتكم اليوم بالبشرى
لكم قصيدتي وهي وصيتي
لا زال علينا أن نواصل
وما زال أمامنا خطوا واحد كي نصل فلنواصل إطن
وإذا كان هناك الموت يرقب من بعيد فهو ات لا محالة ومعه الشهادة
أما الحرية فهي
الحلم الآتي وأم العقائد..