الخميس 10 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

الطيار: قراءة في الآثار السياسية والقانونية لقرار القضاء البريطاني حول ثروات الصحراء

الطيار: قراءة في الآثار السياسية والقانونية لقرار القضاء البريطاني حول ثروات الصحراء محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية
شكل‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬انتصارا‭ ‬كبيرا‭ ‬ينضاف‭ ‬إلى‭ ‬سلسلة‭ ‬الانتصارات‭ ‬التي‭ ‬يحققها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية‭. ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬له‭ ‬آثار‭ ‬سياسية‭ ‬وله‭ ‬آثار‭ ‬قانونية‭. ‬
 
الآثار السياسية لقرار القضاء  البريطاني
 
‬بالنسبة‭ ‬للآثار‭ ‬السياسية،‭ ‬وبحكم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬محكمة‭ ‬عليا،‭ ‬فهو‭ ‬ملزم‭ ‬لكل‭ ‬المؤسسات‭ ‬البريطانية‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬ملزمة‭ ‬باعتماد‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭  ‬المتعلقة‭ ‬بقضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭. ‬كما‭ ‬سيضع‭  ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬القضائي‭ ‬حدا،‭ ‬وبشكل‭ ‬نهائي،‭ ‬للخيار‭ ‬الذي‭ ‬اعتمده‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬معاكسة‭ ‬المغرب‭. ‬وهو‭ ‬خيار‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬والقضاء‭ ‬لعرقلة‭ ‬حقوق‭ ‬المغرب،‭ ‬ولعرقلة‭ ‬مساعيه‭ ‬في‭ ‬استكمال‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬فيما‭ ‬سبق‭  ‬في‭ ‬اعتماد‭ ‬خيارات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الخيار‭ ‬العسكري‭ ‬،‭ ‬وخيار‭  ‬حقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬عبر‭ ‬توظيف‭ ‬بعض‭ ‬العناصر‭ ‬الموالية‭ ‬للبوليساريو‭. ‬وقد‭ ‬أغلق‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬بعدما‭ ‬أقرت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراراتها‭ ‬المتتالية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يحترم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية،‭ ‬حيث‭  ‬أشادت‭  ‬بشكل‭ ‬صريح‭ ‬وواضح‭ ‬بعمل‭ ‬المجالس‭ ‬الجهوية‭ ‬التابعة‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬
‭ ‬هذا‭ ‬الفشل،‭ ‬سوف‭ ‬يسدّ‭ ‬ايضا‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭  ‬محاولات‭ ‬مشابهة‭  ‬اعتمدها‭ ‬النظام‭ ‬العسكري،‭ ‬حيث‭  ‬رفع‭ ‬مثلا‭ ‬قضية‭ ‬مماثلة‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الأوربية،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الدفوعات‭ ‬والادعاءات‭. ‬
هذا‭ ‬الفشل‭ ‬المطلق‭ ‬والمتواصل،‭  ‬يأتي‭ ‬ايضا،‭ ‬بعد‭  ‬محاولات‭ ‬توظيف‭  ‬ملف‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬بالمنطقة‭ ‬لمعاكسة‭ ‬المغرب،‭ ‬وعرقلة‭ ‬مشاريعه‭ ‬التنموية‭ ‬باقاليمه‭ ‬الجنوبية،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تأطير،‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬صيفية‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الجزائرية،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬الموالية‭ ‬لمليشيات‭  ‬البوليساريو‭  ‬للقيام‭  ‬بعمليات‭ ‬إرهابية‭ ‬وتخريبية‭. ‬
فالمغرب،‭ ‬بصدور‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف‭ ‬البريطانية،‭ ‬صار‭ ‬لديه‭ ‬سلاح‭ ‬قويّ،‭ ‬ممكن‭ ‬أن‭ ‬يستعمله‭ ‬ضدّ‭ ‬كل‭ ‬محاولة‭ ‬تعتمد‭ ‬مسار‭  ‬القضاء‭ ‬لعرقلة‭ ‬مساعيه‭ ‬لفك‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل‭ ‬في‭ ‬صحراءه‭.‬
‭  ‬التقرير‭ ‬القادم‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬يرفعه‭ ‬الامين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬سيتضمن‭ ‬فحوى‭ ‬حكم‭ ‬المحكمة‭ ‬البريطانية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬حيث‭  ‬سيؤيد‭ ‬موقف‭ ‬المغرب‭ ‬ويعزز‭ ‬من‭ ‬مصداقية‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬،‭ ‬وسيشكل‭ ‬دافعا‭ ‬قويا‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والشركات‭ ‬الأجنبية‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬شراكات‭ ‬وازنة‭ ‬ومتعددة‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬والاستثمار‭  ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية‭.‬
القرار‭ ‬البريطاني‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬القاضي‭ ‬باعترافها‭ ‬بسيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬أراضيه‭ ‬وأقاليمه‭ ‬الجنوبية،‭ ‬
ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقوله‭ ‬عن‭ ‬المواقف‭ ‬الإسبانية‭ ‬والهولندية‭ ‬والألمانية‭ ‬والأوكرانية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬الداعمة‭ ‬لسيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية‭.‬
هذا‭ ‬القرار‭ ‬سيجعل‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬جد‭ ‬مريح،‭ ‬في‭ ‬مفاوضاته‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬بشأن‭ ‬تجديد‭ ‬اتفاقية‭ ‬الصيد‭ ‬البحري،‭ ‬والزراعة‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬الطرفين،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يوليوز‭ ‬2023‭.‬
 
آثار القرار القانونية..
على‭ ‬المستوى‭ ‬القانوني،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬القضائي‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬37‭ ‬صفحة،‭ ‬معللا‭ ‬ومدقّقا‭ ‬وكاملا،‭ ‬وفي‭ ‬نحو‭ ‬158 ‬فقرة‭ ‬تفصيلية،‭ ‬رد‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬الدفوعات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬بها‭ ‬خصوم‭ ‬المغرب،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬جمعية‭  ‬موالية‭ ‬للنّظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬تدعي‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬نفعية‭ ‬وتستفيد‭ ‬من‭ ‬الخزينة‭ ‬الجزائرية‭.  ‬القرار‭ ‬أكد‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬لم‭ ‬تخرق‭ ‬أي‭ ‬ميثاق‭ ‬من‭  ‬المواثيق‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية،‭ ‬وأن‭ ‬المغرب‭ ‬يحترم‭ ‬جميع‭  ‬تعهداته‭ ‬كما‭ ‬يحترم‭ ‬جميع‭  ‬القرارات‭ ‬الدولية‭ ‬بشأن‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل‭ ‬في‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬فهذا‭ ‬القرار‭ ‬شكل‭ ‬ضمانة‭ ‬قانونية‭ ‬للمقاولات‭ ‬المغربية‭ ‬والبريطانية‭ ‬والأجنبية،‭ ‬وكذا‭ ‬الدول‭ ‬المنخرطة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭  ‬الاتفاقيات‭ ‬التجارية‭ ‬والاقتصادية‭  ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬شراكات‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬المغربية‭ ‬أو‭ ‬الدولة‭ .‬
‭ ‬كما‭ ‬شكل‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف‭ ‬البريطانية،‭ ‬المعلل‭ ‬بشكل‭ ‬تفصيلي،‭  ‬سابقة‭ ‬قضائية‭ ‬لجميع‭ ‬المحاكم‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الرسمية‭  ‬البريطانية‭ .  ‬
وهو‭ ‬قرار‭ ‬تاريخي‭ ‬ومهم‭ ‬جدّا،حيث‭ ‬رد‭ ‬بشكل‭ ‬قويّ‭ ‬وشامل‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المبررات‭ ‬والدفوعات‭ ‬التي‭ ‬دأب‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري،‭ ‬وبعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬الموالية‭ ‬للبوليساريو،‭ ‬على‭ ‬تقديمها‭ ‬أمام‭ ‬بعض‭ ‬المحاكم‭ ‬الأوربية‭ ‬وغيرها‭.‬
فالقرار‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬قضاء‭ ‬دولة‭ ‬عريقة‭ ‬جدا‭ ‬ولها‭ ‬مصداقية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاجتهادات‭ ‬القضائية،‭ ‬ولها‭ ‬تقاليد‭ ‬عريقة‭ ‬في‭ ‬القضاء،‭ ‬وبذلك‭ ‬له‭ ‬مصداقية‭ ‬كبيرة‭ ‬وحجية‭ ‬دولية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونه‭  ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬قضاء‭ ‬دولة‭ ‬لها‭ ‬مقعد‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬وبذلك‭ ‬شكل‭ ‬ضربة‭ ‬قاضية‭ ‬وردّا‭ ‬قويّا‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الدفوعات‭ ‬الواهية‭ ‬والأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬قوة‭ ‬قانونية، والتي‭ ‬تعود‭  ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬والجمعيات‭ ‬المستفيدة‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬مداخيل‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الجزائرى،‭ ‬على‭ ‬الاختباء‭ ‬وراءها‭ .‬
إن‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬بريطانيا‭ ‬يضع‭ ‬حدا‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭ ‬لمزاعم‭ ‬مليشيات‭ ‬البوليساريو‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬من‭ ‬وراءها‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬ساكنة‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭. ‬فالجميع‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬تشملها‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬تجرى‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬التراب‭ ‬المغربي،‭ ‬والتي‭ ‬تعرف‭ ‬مشاركة‭ ‬كبيرة‭ ‬بإجماع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬تحقق‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬الأعلى‭ ‬نسبة‭ ‬وطنيا‭. ‬فساكنة‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬تنتخب‭ ‬ممثليها‭ ‬بشكل‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬ولديهم‭ ‬شرعية‭ ‬تمثيل‭ ‬الساكنة‭  ‬الجنوبية‭ ‬وطنيا‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬الوفود‭ ‬الرسمية‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الملتقيات‭ ‬الدولية‭.‬