الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

إمارة المؤمنين.. مرجعية تضيء أرجاء القارة الافريقية

إمارة المؤمنين.. مرجعية تضيء أرجاء القارة الافريقية تتوفر‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الفروع
لم‭ ‬يتردد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬صراحة،‭ ‬قبل‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬(نونبر‭ ‬2016)،‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬مالغاشية،‭  ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أمير‭ ‬«المؤمنين‭ ‬بجميع‭ ‬الديانات»،‭ ‬وأن‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬ليست‭ ‬موجهة‭ ‬للمسلمين‭ ‬دون‭ ‬غيرهم‭.‬

وتحظى‭ ‬«إمارة‭ ‬المؤمنين»‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإفريقي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬حيث‭ ‬سبق‭ ‬لتقرير‭ ‬نشره‭ ‬«معهد‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي»‭ ‬أن‭ ‬أكد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الاستناد‭ ‬إلى‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬الديني‭ ‬بغرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬والساحل‭. ‬وأشار‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬الديني‭ ‬لملك‭ ‬المغرب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬«عماد‭ ‬تحالف‭ ‬إقليمي‭ ‬ملتزم‭ ‬بالمهة‭ ‬النبيلة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬هزم‭  ‬الجماعات‭ ‬الجهادية‭ ‬الإرهابية»‭. ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬للمراكز‭ ‬الفرنسية‭ ‬المتخصصة،‭ ‬بإيعاز‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬الإليزي،‭ ‬أن‭ ‬أولت‭ ‬اهتماما‭ ‬كبيرا‭ ‬للعلاقات‭ ‬الدينية‭ ‬للمغرب‭ ‬بإفريقيا،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الانتكاسة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مستعمراتها‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬«إمارة‭ ‬المؤمنين»‭ ‬تجسد،‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬الإفريقي،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬استثمارا‭ ‬أو‭ ‬نهجا‭ ‬دينيا،‭ ‬بل‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬نهجا‭ ‬سياسيا‭  ‬قائما‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬الدقيق‭ ‬والصعب‭ ‬في‭ ‬النهج‭ ‬والسلوك‭ ‬السياسي‭.‬

يظهر،‭ ‬إذن،‭ ‬أن‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬قوية‭ ‬تكرس‭ ‬الحضور‭ ‬المغربي،‭ ‬دينيا‭ ‬وسياسيا،‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الإفريقي‭ ‬والدولي‭. ‬ففي‭ ‬يوليوز‭ ‬2015‭ ‬أحدث‭ ‬المغرب‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة،‭ ‬بهدف‭ ‬«توحيد‭ ‬وتنسيق‭ ‬جهود‭ ‬العلماء‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وباقي‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬للتعريف‭ ‬بقيم‭ ‬الإسلام‭ ‬السمحة‭ ‬ونشرها‭ ‬وترسيخها»‭.‬

إن‭ ‬تحريك‭ ‬عجلة‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين،‭ ‬بدأب‭ ‬وهدوء‭ ‬وصبر‭ ‬وإصرار،‭ ‬داخل‭ ‬إفريقيا‭ ‬تفرضه‭ ‬تحديات‭ ‬تعترض‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬«تصدير‭ ‬الأمن‭ ‬الروحي»،‭ ‬لاسيما‭ ‬المنافسة‭ ‬المحتدمة‭ ‬التي‭ ‬انخرطت‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬المرجعيات‭ ‬الدينية‭ ‬المرتبطة‭ ‬ببعض‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬«الجزائر‭ ‬تحديدا»‭ ‬والخليج‭ ‬«التيار‭ ‬الوهابي»،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬دخول‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬السينغال‭ ‬ونيجيريا،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مزاحمة‭ ‬المغرب‭ ‬ونشر‭ ‬التيار‭ ‬الشيعي،‭ ‬عبر‭ ‬تسخير‭ ‬إمكانات‭ ‬مادية‭ ‬ضخمة‭ ‬وشبكات‭ ‬نافذة،‭ ‬وبدعم‭ ‬غير‭ ‬مشروط‭ ‬‭ ‬لعسكر‭ ‬الجزائر‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يخفون‭ ‬حقدهم‭ ‬على‭ ‬الريادة‭ ‬الدينية‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭.‬

وحسب‭ ‬«المعهد‭ ‬المغربي‭ ‬لتحليل‭ ‬السياسات»،‭ ‬فإن‭ ‬التحول‭ ‬الجوهري‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬«إمارة‭ ‬المؤمنين»،‭ ‬هو‭ ‬«الانتقال‭ ‬تدريجيا‭ ‬من‭ ‬«ديبلوماسية‭ ‬روحية»‭ ‬ترتكز‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬كقناة‭ ‬لإنعاش‭ ‬الإشعاع‭ ‬الروحي‭ ‬للمغرب‭ ‬بإفريقيا،‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬سياسة‭ ‬دينية‭ ‬مهيكلة‭ ‬عابرة-للحدود‭ ‬الوطنية،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬تعكس‭ ‬حصول‭ ‬تطور‭ ‬جوهري‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬كثافة‭ ‬العمل‭ ‬الديني‭ ‬وتنويع‭ ‬أدوات‭ ‬اشتغاله‭ ‬والفاعلين‭ ‬المتدخلين‭ ‬فيه‭ ‬وإعادة‭ ‬رسم‭ ‬مجالات‭ ‬تدخله‭ ‬وطريقة‭ ‬توظيفه»‭.‬

ومن‭ ‬ثمة،‭ ‬فإن‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيسي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬إطلاق‭ ‬«إمارة‭ ‬المؤمنين»‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المؤسساتي،‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الأمنية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمواجهة‭ ‬الجماعات‭ ‬ىالإرهابية-‭ ‬وهذه‭ ‬استراتيجية‭ ‬دولية-‭ ‬بل‭ ‬هدفها‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬ويندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬لعبة‭ ‬إقليمية‭ ‬وجيو-إستراتيجية‭ ‬أوسع،‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬«تعزيز‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذه‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬وتوسيعها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬محور‭ ‬الرباط-دكار‭ ‬الذي‭ ‬ظل،‭ ‬لعقود‭ ‬عديدة،‭ ‬محددا‭ ‬رئيسيا‭ ‬لمجال‭ ‬السياسة‭ ‬الإفريقية‭ ‬للمملكة»‭.‬

لقد‭ ‬ظلت‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬ترعى‭ ‬الإسلام‭ ‬بمذهبه‭ ‬المالكي،‭ ‬وعقيدته‭ ‬الأشعرية،‭ ‬ومسلكه‭ ‬الصوفي‭ ‬«الجنيد»،‭ ‬استنادا‭ ‬إلى   ‬الدستور‭ ‬المغربي‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭  ‬أن‭ ‬«الملك‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬والممثل‭ ‬الأسمى‭ ‬للأمة‭ ‬ورمز‭ ‬وحدتها‭ ‬وضامن‭ ‬دوام‭ ‬الدولة‭ ‬واستمرارها،‭ ‬وهو‭ ‬حامي‭ ‬حمى‭ ‬الدين‭ ‬والساهر‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬الدستور»،‭ ‬مما‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬«إمارة‭ ‬المؤمنين»‭ ‬تضيء‭ ‬أرجاء‭ ‬القارة‭ ‬الافريقية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القيادة الدينية‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بحد‭ ‬معين،‭ ‬ولا‭ ‬بجغرافيات‭ ‬وطنية‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بالإسلام‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تتعداه‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬المؤمنين،‭ ‬سواء‭ ‬أكانوا‭ ‬يهودا‭ ‬أم‭ ‬مسيحيين‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬تشكل،‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭  ‬إطارا‭ ‬عقديا‭ ‬موضوعيا‭ ‬لحماية‭ ‬«المجتمعات‭  ‬الافريقية»‭ ‬من‭ ‬تيارات‭ ‬الغلو‭ ‬والتطرف‭. ‬لأنها‭ ‬مصدر‭ ‬استقرار‭ ‬ووحدة،‭ ‬كما‭ ‬تشكل،‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬الآخر،‭ ‬ركيزة‭ ‬للحوار‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والثقافات‭ ‬الإفريقية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬«أداة‭ ‬ثقافية»‭ ‬للتحرر‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬للاستعمار‭ ‬الجديد،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإداري‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والمالي،‭ ‬وأيضا‭ ‬العسكري،‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬وبوركينافاصو‭.‬
 
مؤسسة العلماء الأفارقة
وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فإن‭ ‬تشغيل‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المؤسساتي‭ ‬«دينيا‭ ‬وديبلوماسيا»‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ركائز‭ ‬قوية،‭ ‬لعل‭ ‬أهمها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الإطلاق‭ ‬هو‭ ‬«مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة»‭ ‬التي‭ ‬أنشئت،‭ ‬لإعطاء‭ ‬دفعة‭ ‬قوية‭ ‬للحضور‭ ‬المغربي‭ ‬داخل‭ ‬إفريقيا،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬أكد،‭ ‬منذ‭ ‬اعتلائه‭ ‬العرش،‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬سياسته‭ ‬الدولية‭. ‬ففي‭ ‬خطابه‭ ‬بمناسبة‭ ‬تنصيب‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمؤسسة‭ ‬سنة‭ ‬2016،‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬«تجسّد‭ ‬عمق‭ ‬الأواصر‭ ‬الروحية‭ ‬العريقة‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تربط‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬بملك‭ ‬المغرب‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬ولما‭ ‬يجمعنا‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬وحدة‭ ‬العقيدة‭ ‬والمذهب،‭ ‬والتراث‭ ‬الحضاري‭ ‬المشترك»‭. ‬وهذا‭ ‬يعني،‭ ‬حسب‭ ‬تحليل‭ ‬للخبير‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الإفريقية،‭ ‬سليم‭ ‬حميمنات،‭ ‬نشره‭ ‬موقع‭ ‬«المعهد‭ ‬المغربي‭ ‬لتحليل‭ ‬السياسيات»،‭ ‬أن‭ ‬المؤسسة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬«استثمار‭ ‬الرصيد‭ ‬الثقافي‭ ‬والتاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬المغرب‭ ‬بإفريقيا‭ ‬الغربية‭ ‬بهدف‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المقبولية‭ ‬والدعم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬شريحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية‭ ‬بتلك‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭. ‬فالتاريخ‭ ‬المشترك‭ ‬وواقع‭ ‬النسيج‭ ‬الديني‭ ‬المحلي،‭ ‬يعطي‭ ‬للمغرب‭ ‬وضعا‭ ‬إمتيازيا‭ ‬إزاء‭ ‬مشاريع‭ ‬دينية‭ ‬أخرى‭ ‬والتي‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الإمكانات‭ ‬والموارد‭ ‬المادية‭ ‬الضخمة‭ ‬المتوفرة‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬كمبادرات‭ ‬خارجية‭ ‬«مستوردة»‭..‬‭.‬

ويضيف‭ ‬أن‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬تشكل‭ ‬«خطوة‭ ‬متقدمة‭ ‬تجسّد‭ ‬بشكل‭ ‬عملي‭ ‬وواضح‭ ‬طموح‭ ‬المغرب‭ ‬توسيع‭ ‬نفوذه‭ ‬الثقافي‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وهو‭ ‬نفس‭ ‬الطموح‭ ‬الذي‭ ‬تحكّم‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬رابطة‭ ‬علماء‭ ‬المغرب‭ ‬والسينغال‭ ‬سنة‭ ‬1986‭. ‬حيث‭ ‬شكّلت‭ ‬الرابطة‭ ‬النواة‭ ‬الأولى‭ ‬لمأسسة‭ ‬وتنشيط‭ ‬العلاقات‭ ‬الروحية‭ ‬للمغرب‭ ‬ودول‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬عبر‭ ‬بوابة‭ ‬السينغال،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إيجاد‭ ‬بدائل‭ ‬لكسر‭ ‬عزلة‭ ‬المغرب‭ ‬قاريا‭ ‬بعد‭ ‬انسحاب‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬سنة‭ .«1984 ‬

وقال‭ ‬إن‭ ‬«الرهان‭ ‬المركزي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬إطلاق‭ ‬المؤسسة‭ ‬هو‭ ‬التعبئة‭ ‬وتوحيد‭ ‬الجهود‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مؤسساتي‭ ‬رسمي‭ ‬للتعاون‭ ‬بين‭ ‬علماء‭ ‬المغرب‭ ‬ونظرائهم‭ ‬بباقي‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد،‭ ‬ببناء‭ ‬جبهة‭ ‬دينية‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭ ‬لرعاية‭ ‬«الأمن‭ ‬الروحي»‭ ‬ومحاربة‭ ‬التطرف،‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬الغربية‭ ‬فقط،‭ ‬وهو‭ ‬السقف‭ ‬الذي‭ ‬حدّد‭ ‬طموح‭ ‬الرابطة‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬بل‭ ‬تتسع‭ ‬لتشمل‭ ‬كافة‭ ‬دول‭ ‬القارة»‭.‬

وتتوفر‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الفروع: (النيجير،‭ ‬كينيا،‭ ‬الصومال،‭ ‬بوركينافصو،‭ ‬تشاد،‭ ‬جزر‭ ‬القمر،‭ ‬بنين،‭ ‬غامبيا،‭ ‬موريتانيا،‭ ‬مالي،‭ ‬السينغال،‭ ‬جيبوتي،‭ ‬غينيا‭ ‬بيساو،‭ ‬ليبيريا،‭ ‬ساوتومي،‭ ‬رواندا،‭ ‬مالاوي،‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬غانا،‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬أنغولا،‭ ‬إفريقيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬الغابون،‭ ‬السراليون،‭ ‬مدغشقر،‭ ‬أوغندا،‭ ‬نيجيريا،‭ ‬الكوت‭ ‬ديفوار،‭ ‬الكاميرون،‭ ‬الكونغو،‭ ‬الطوغو،‭ ‬غينيا،‭ ‬تانزانيا)،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المؤسسة‭ ‬بتعدد‭ ‬فروعها‭ ‬قناة‭ ‬حقيقية‭ ‬للترويج‭ ‬للنموذج‭ ‬الديني‭ ‬المغربي‭ ‬داخل‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬هيئة‭ ‬مرجعية‭ ‬تجسد‭ ‬وتمأسس‭ ‬الولاء‭ ‬الروحي‭ ‬لإمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬وتوسّع‭ ‬امتداداتها‭ ‬وشبكات‭ ‬النخب‭ ‬الدينية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها‭ ‬بإفريقيا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬الأفق‭ ‬السياسي‭ ‬للمبادرة‭ ‬الجديدة‭ ‬والسياق‭ ‬التنافسي‭ ‬الذي‭ ‬تتحرك‭ ‬فيه،‭ ‬حيث‭ ‬كونها‭ ‬إطار‭ ‬مؤسستي‭ ‬مرجعي‭ ‬لكبح‭ ‬أجندات‭ ‬القوى‭ ‬الاقليمية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تنافس‭ ‬على‭ ‬إقرار‭  ‬مرجعياتها‭ ‬الدينية،‭ ‬بقوة‭ ‬المال،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بسط‭ ‬الهيمنة‭ ‬وإرساء‭ ‬قواعدها‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬دأب‭ ‬معهد‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬لتكوين‭ ‬الأئمة‭ ‬والمرشدين‭ ‬والمرشدات‭ ‬على‭ ‬استقطاب‭ ‬الطلبة‭ ‬المنحدرين‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬إفريقية،‭ ‬حيث‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬الطلبة‭ ‬الأجانب‭ ‬المنحدرين‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬الذين‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬التكوين‭ ‬بهذا‭ ‬المعهد،‭ ‬منذ‭ ‬إحداثه‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬وإلى‭ ‬متم‭ ‬سنة‭ ‬2022،‭ ‬إلى‭ ‬2798‭ ‬طالبا‭ ‬وطالبة‭ ‬موزعين‭ ‬على‭ ‬تسعة‭ ‬بلدان،‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬تكوين‭ ‬أساسي‭ ‬يراعي‭ ‬خصوصية‭ ‬كل‭ ‬دولة‭.‬
 
نشر المصحف الشريف
ومن‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬هناك‭ ‬«مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬لنشر‭ ‬المصحف‭ ‬الشريف»،‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬بمدينة‭ ‬المحمدية،‭  ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬المصاحف‭ ‬المطبوعة،‭ ‬بكافة‭ ‬أشكالها‭ ‬وأحجامها،‭ ‬828‭ ‬ألف‭ ‬نسخة،‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ .‬2020‭‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬ملخص‭ ‬تقريـر‭ ‬يتعلق‭ ‬بحصيلة‭ ‬منجزات‭ ‬المؤسسة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحصيلة‭ ‬توزعت‭ ‬إلى‭ ‬600‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭ ‬خاصة‭ ‬بمصحف‭ ‬المساجد‭ ‬حجم:‭ ‬17/24،‭ ‬ثم‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭ ‬(المصحف‭ ‬الخاص‭ ‬بضعاف‭ ‬البصر‭ ‬حجم:‭ ‬25/35)،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬55‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭ ‬(ترجمة‭ ‬معاني‭ ‬القرآن‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية:‭ ‬حجم‭ ‬16/23.8)‬.

ويتوزع‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحصيلة‭ ‬إلى‭ ‬طبع‭ ‬المصحف‭ ‬المفرق‭ ‬حجم: 20/27 (50 ألف‭ ‬نسخة)،‭ ‬وترجمة‭ ‬معاني‭ ‬القرآن‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية:‭ ‬حجم 16/23.8 (20 ألف‭ ‬نسخة)،‭ ‬ومصحف‭ ‬برايل‭ ‬(2000‭ ‬نسخة)،‭ ‬وسورة‭ ‬يس‭ ‬(1000‭ ‬نسخة)‭.‬

وتتوزع‭ ‬أنواع‭ ‬المطبوعات‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يلي:
- المصحف‭ ‬المحمدي‭ ‬الشريف،‭ ‬بخط‭ ‬المبسوط‭ ‬وأسماء‭ ‬السور‭ ‬بخط‭ ‬الثلث‭ ‬المغربي،‭ ‬كتبه‭ ‬الخطاط‭ ‬محمد‭ ‬المعلمين‭.‬
- المصحف‭ ‬المحمدي‭ ‬الأثري،‭ ‬المسبع‭ ‬المضبوط‭ ‬بالألوان‭ ‬المأثورة‭ ‬بخط‭ ‬المبسوط،‭ ‬كتبه‭ ‬الخطاطون‭ ‬السبعة‭ ‬«عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬كولين،‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬مجيب،‭ ‬عمر‭ ‬أدالا،‭ ‬رشيد‭ ‬زرطا،‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬الأعرج،‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬دوغمي،‭ ‬عبد‭ ‬الصمد‭ ‬محفاظ)‭.‬
- المصحف‭ ‬المحمدي‭ ‬الشريف،‭ ‬مصحف‭ ‬المساجد‭ ‬بخط‭ ‬المبسوط،‭ ‬وأسماء‭ ‬السور‭ ‬بخط‭ ‬الثلث‭ ‬المتمغرب،‭ ‬بخط‭ ‬محمد‭ ‬المعلمين‭.‬
- المصحف‭ ‬المحمدي‭ ‬الشريف،‭ ‬المصحف‭ ‬الملكي،‭ ‬كتبه‭ ‬الخطاط‭ ‬محمد‭ ‬المعلمين‭.‬
- سورة‭ ‬«يس»‭ ‬في‭ ‬كراسة‭ ‬مستقلة‭ ‬مأخوذة‭ ‬من‭ ‬المصحف‭ ‬المحمدي،‭ ‬كتبه‭ ‬الخطاط‭ ‬محمد‭ ‬المعلمين‭.‬
- المصحف‭ ‬المحمدي‭ ‬الشريف‭ ‬المترجم‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بعناية‭ ‬الأستاذ‭ ‬الشياظمي‭.‬
وإذا‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬قد‭ ‬تمكن،‭  ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬2020،‭ ‬من‭ ‬طبع‭ ‬9‭ ‬ملايين‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬المصحف‭ ‬المحمدي،‭ ‬وجهت‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬المساجد‭ ‬المغربية‭ ‬(52‭ ‬ألف‭ ‬مسجد)،‭ ‬فإن‭ ‬دولا‭ ‬إفريقية‭ ‬عديدة  ‬استفادت‭ ‬من‭ ‬هبات‭ ‬ملكية‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المصاحف‭ ‬لدى‭ ‬زيارة‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭.‬