الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

السعود الأطلسي:النظام الجزائري يزرع الحقد... فيحصد خيبات...

السعود الأطلسي:النظام الجزائري يزرع الحقد... فيحصد خيبات... طالع السعود الأطلسي
منتخب شُبَّان المغرب، لأقل من 17 سنة، هَزم مُنتخب شبان الجزائر لنفس الفئة العمرية، في رُبُع نهاية البطولة الإفريقية، لتلك الفئة في كرة القدم. هي هزيمة يُفْترض أن تكون عادية في تَنَافُس رياضي. لكن الأوساط الرِّياضية الجزائرية، تلقّت تلك الهزيمة في شكل رَجَّة. بَلْ أكثرُ ردود‍ِ فعلِ تلك الأوساط، نَقَلت تلك الهزيمةَ من حقْلها الرياضي إلى الحقل السياسي وحتى إلى الحقل النّفسي، باستعمال تعبير الصَّدمة، وبعضُهم ذهب إلى حدِّ الحديث عن "كارثة وطنية"... تلك الأوساط، وكما تابعناه في وسائل الإعلام، ومنها الرَّسْمية، رصدت تَوالي الخيْبات في الوصول إلى نهائيات كأس العالم، في كرة القدم، من الفريق الوطني الأول إلى جميع فئات الأعمار، ومِن الجنسين... ورَبَطتْها بسوء تدبير السياسات الرياضية... وقد وجد من سجّل المفارقة، بين الادِّعاء الرسمي بأن الجزائر دولة عُظْمى، قويّة ومُؤَثِّرة في العالم، وبين عجزِها عن تحقيق حُلُم بسيط، عادي ومُمكن للاعبي كُرة القدم الجزائرية، في التأهُّل إلى تصْفيات صَفْوَة كرة القدم العالمية... وعلى مَدى سنوات... ويُمكن مُراجعة البرامج الرياضية للقناة الجزائرية الأولى وللقنوات الخاصّة، من نوع الشُّروق والنَّهار وطبعا المِئات من المواقع الإعلامية، لسماع تدفُّقٍ ساخنٍ من الانتقادات، بمرْوَحة واسعة من الآراء... وللحقيقة، وليس بالضرورة للتاريخ، قليلة هي الانتقادات التي أشادت بتفَوُّق الفريق المغربي، الاتجاه العام للآراء، وقَفَ عنْد ضُعْف الفريق الجزائري وفصل في أسبابه وفي ما يبْدو أعطابه البنيوية، الرياضية ومُسبِّباتها السياسية... والفريق المغربي لم يكن مُحتاجا للإشادة بتفوُّقه. وقد كان المُدَرِّب سعيد شيبا مُحِقا ومُتَألِّقا، حين الْتَمَس من الإعلام الجزائري التعامُل مع لاعبي الفريق الجزائري بِرِفْق، ورَحْمة تُراعي حَداثة سنِّهم وهشاشتِهم النّفسية... ولم يكن ظَفْراويا ولا مُتَباهيا بانتصاره... وها هو يسْتعِد للمُباراة النِّهائية، ضد السينغال، بطُمأنينة وثقة ونفَس رياضي... تاركا لمن شاء أن يعتبر ما حققه شُبان المغرب في هذه المنافسة الإفريقية، هو مُؤشِّر على نجاح التدبير السياسي للمجال الرياضي المغربي...
الأوساط الرياضية الجزائرية تُركت لوحدها تنشغل بتداعيات عبور الفريق المغربي إلى مونديال الشبان ما تحت 17 سنة... ورغم أن "الطبقة السياسية" استُفزت في النقاش الوطني العام، الرياضي... تلك الطبقة لم يُسمَع لها صوت ولا رأي... انْتابتْها حالة وُجُوم جرّاء خيبتها السياسية، كما لو أنّها هي من انْهزم في "موقعة" سياسية وليس في تنافُس رياضي...
"الطبقة السياسية" الجزائرية داهَمها غضب البرلمان الأوروبي منها، بإصداره لائحة انتقاداته حول أوضاع الحرِّيات في الجزائر... وهي اليوم غير قادرة على المُوازنة بين انقضاض البرلمان الأوروبي عليها، وبين تبخُر مُفاخرتها بالقُوّة ضدّ المغرب، في مَلعب رياضي، بفعل ثلاث أهداف لصفر... فانْصرفَت، على سبيل المُواساة، إلى الانْكباب على "هجْمة" البرلمان الأوروبي... دون أن تتوقَّف عن "رَشْق" المغرب بإسْفَنْجٍ دِعائي، ينْتَفخ بحِقد القيادة الجزائرية، و"يُضْمر" بلمَسَات الحقيقة... رشقات من مقالات شتْم وهِجاء وافْتراءات ضدّ المغرب وملِكه... وأيْضا بعضُ "القذائف" الإعلامية، من نوع حوار قناة "النّهار" مع ذلك الزوج المُنْتحل لصفة مُعارض للدولة المغربية والمُتاجر بها... وهو حوار "طريف"، تبدأه السيدة في الزوج، بتوضيح أنّهما قرّرا مُغادرة المغرب "لأن الشبّان في المغرب لا يُمكنهم أن يكونوا أكثر ثراء من الملك محمد السادس..." ... أهَذَا هو ما يَشْغل الزوج "المعارض"، وما جعله يعلنها "حربا" ضد المغرب... وهذا الهُراء وحده يكفي لتِبْيان هَزالة ما تمْلكه القيادة الجزائرية من "أسلحة سياسية" ضد المغرب... واضح أن تِلك الشابّة تجْتهد، وعلى "البايخ"، في أن تُبرر استحقاقها لأجرها في عملية "دسّ" مخابراتية جزائرية باردة، وعَطِنَة، بلا مَدَى وبلا أثَر... ومجموع كلامهما ليس إلا حَسَاءً تعفَّن وعافَه الإنْسُ والجنّ... وأسطُوَانة مشْروخَة وبِطَنِينٍ مُزْعِج حتى لمخابرات غرْبية... مَلّت "الزوج" وعافَتْه... وتلقَّفَتْه المُخابرات الجزائرية، لتنفخ فيه من أحقادها... أوَ لَمْ تقل الأغنية الشعبية "ماهزَّك ريح البارح، يَهَزَّك ريح اليوم...".
الرِّيح الأقوى اليوم على القيادة العسكرية الجزائرية هي ذلك القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي... ذلك ما تعكسه الحملة "الوطنية" العارمة، الصارمة والغاضبة ضدّه... من جهة كل مُكوِّنات "المجتمع" السياسي الجزائري، بكل مؤسساته الرسمية، الحزبية، النقابية والمدنية... سيْل ٌ من بيانات الإدانة لذلك القرار، تكاد تكون مكتوبة بمضمونٍ واحدٍ، وبصياغات مُتنوِّعة... ولكنها تلتقي في استنكارها "تطاول" البرلمان الأوروبي على قيادة الجزائر... لأنه "غير مؤهل سياسيا وأخلاقيا للحديث عن الديمقراطية..." وهو ضدّ ما كانت تقوله حين خصّ ذلك البرلمان المغربَ "ببَركات" توصياته... كانت كلُّها تُبارك تلك التوصيات، وتُصفق لصاحبها وتَحمد له "صَنيعَه" ضدّ المغرب... ويكفيها أنه ضدّ المغرب... حتى اسْتفاقَتِ اليوم بأن ما يكيله لها من "إدانات" هي أقْوى وأشدّ من تلك التي وجّهها للمغرب... بحيث أضْحَت تلك القيادة العسكرية، وحواشيها وأدواتها، سجينة تصْديقها، المُسْبَق المُتحمِّس والمُطلق، على ما اقترفه ضد المغرب... مما عقَّد عليها أو صعَّب عليها المُرافعة ضدّ ما "أهداه" البرلمان الأوروبي للجزائر من "تحيات"... ونزع منها صِدقية استنكارها لمضامين تلك التّحايا... المُزعج لدى القيادة العسكرية الجزائرية من قرار البرلمان الأوروبي، هو أن الفريق البرلماني لحزب الرئيس الفرنسي هو مُحركه والمُحرِّض عليه... أسابيع قليلة قبل الزيارة المُرتَقبة للرّئيس الجزائري لباريس... وبعد أسابيع قليلة من ابْتِلاع الدولة الجزائرية للإهانة الفرنسية لها، وإعادة السفير الجزائري إلى مكتبه في باريس بعد استدعائه للتشاور... إعادتُه دون أي اعتذار عن تلك الإهانة... إنها إهانة جديدة، وتلْغيم لتلك الزيارة المُرتقبة... وما قرار البرلمان الأوروبي إلا عيِّنة، معنوية، غير ملزمة... ولكنها اسْتِعْراض لمُمْكنات "التودّد" الفرنسي للجزائر... من أجل فرض انضباطها، وتعطيل لاشْتِراطاتها في مُقايضة غازِها بموقع مُمَيِّز للجزائر في علاقاتهما الفرنسية.
النظام الجزائري خيّبت هزيمة فريق الشبان حُلمه، "بالانْتِصار" على المغرب وبالتأهُّل إلى كأس العالم وباحتمال الفوز بالكأس هذه الدورة، لتحقيق "ريّادة" رياضية إفريقية، قابلة للاستغلال سياسيا ودعائيا... جُرعات الحقد التي حَقَن بها الفريق الشاب، لم تتحمّلها الأجْساد ولا النَّفْسيات الطّريّة للاعبين، فكانت عليهم حمْلا ثقيلا. أُحيطوا برعاية رسمية، إعلامية وعملية، تُحرّضهم على الانْتصار ضدّ المغرب... وفقط ضدّ المغرب... كما لو أن ما هم مُقْدِمون عليه مباراة عمرهم ومباراة حاسمة في "الصراع" الجزائري ضد المغرب... وهم عُبِّئوا لنِزال حرْبي، وفي المجال السياسي الواسع، وليس لمنافسة رياضية، محدودة في ملعب كروي... فاستحالة الهزيمة، من نتيجة رياضية عادية، إلى خيبة سياسية ونفسية...
الأمر نفسه في التّعاطي مع قرار البرلمان الأوروبي الخاص بالجزائر... خيَّب "ظنّ" النّظام الجزائري، وهو الذي اعتقد أنه "مُعقّم" ضدّ لسَعَاته... ولذلك انْتشى بتوصياته ضدّ المغرب... وزكاها وأثْنى عليها، وبارك الذي أصدرها مُنوِّها "بصدقيته وبصرامته"، وهو يُغذِّي أحْقاده، أو كأنه رأى في تلك التّوْصيات "نفحات" من أحقاده ضدّ المغرب... حتى حاقَ به "غضب" البرلمان الأوروبي نفسه، وبلهجة أشد ومبررات، أقوى ووقائع أوضح... ومرة أخرى سَرَت في أوْصال النظام مشاعر خيْبة ونيران حسْرة من "تآمُر" الصّديق "اللدود"، الذي خاله دعامة له في حقده الوُجودي ضد المغرب... فأطلق الحملة الجارية اليوم في مُؤسّسات النظام وتوابعها، الحزبية، الإعلامية والثقافية، بِبَيانات تَتَقَطّر سبًّا ولَعَنات ضدّ البرلمان الأوروبي وضدّ منْ وَراء قراره... وهي خيْبة بالغة المرارة... مع أن التّوْصيات لا مفْعول مُؤَسّساتي لها في العلاقات الجزائرية الأوروبية... ولكنّها من علامات ارْتِباك علاقاتها الخارجية، وخاصة الأوروبية... علامات توضّح أن "الغاز"، وحْده، لا يفْتح للجزائر مسالك آمنة وثابتة وإستراتيجية في علاقاتها الأوروبية... وفي مجمل علاقاتها الخارجية...
لدى النظام الجزائري اليوم فُرصة تاريخية، جِدّ عميقة، في الانْسِحاب من ورْطة تَأْزيم علاقاته مع المغرب، ومن موقع الرّابح وليْس المَهزوم... النّداء الملكي السلمي للنظام الجزائري لفتح مسار جديد في العلاقات المغربية-الجزائرية... لم يَتَقَادم، ولا تَزيده التحوُّلات العالمية، وخاصة في العلاقات العربية-الإسلامية والعلاقات العربية-العربية إلى نضَارة الصوّاب، والجِدّة في التجاوُب مع مُتطلَّبات التّرتيب النّوعي للأوضاع العالمية، وما يُصاحبها من إطْفاء أو إعادة النظر في مواقد وبُؤر التوتُّر في العالم... والقمّة العربية المُقرّر عقدها في جَدّة، هي أنْسب مَحْفل للتفاعل الجزائري مع ذلك النّداء المَلكي المغربي السّلمي والأَخَوي... القمّة ستكون قِمّة لمِّ الشّمل العربي، وعنوانه الهام، عودة سوريا إلى الجامعة العربية... والمملكة العربية السعودية، ها هي تجتهد في إطفاء حرائق السودان، وتسعى إلى توسيع مساعيها الوحدوية وتعميق المصالحات العربية... وتأمُل النّجاح في مُصالحة جزائرية مغربية... وقد قالت ذلك مُباشرة للرئيس الجزائري... وهو حتى اليوم، يلْتزم الصّمت... التّوتّر الذي يفتعله النظام الجزائري مع المغرب، هو اليوم شاردٌ وشاذّ عن المسار التاريخي الذي يُفتح أمام العرب... والعناد الجزائري، بات ثقيلا على العالم... والتجاوُب مع المسْعى السعودي يُقدّم للجزائر حاضِنَة عربية، لإخْراجها من عنادها، بِشَرف وبكرامتها الوطنية... وهي تعرف أنها بتفاعُلها مع التطلُّعات السِّلمية للمغرب، إنما تخدُم مَصالحها... وتخرُج من موقع مُنَازعة المغرب، في وجوده قبل صحراءه... وهو موقع مكلف لها... داخليا بما يشغلها عن الانكباب على خَصاصات تنْموية... وخارجيا بما يكلِّفها من متاعب في علاقاتها مع العالم...
وحين سيتخلّص النِّظام الجزائري من أحْقاده، ويَتَعاطى، خاصة، مع جاره المغربي بمنْطق التّعاون والتّنافُع... سيزْرَع، لَهُ وحَوَالَيْه، السّلم، ولَهُ وحَوَالَيْه سيحصُد... التقدّم.
 
عن جريدة "العرب"، من لندن