الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

قمة من أجل إنشاء محور مدريد-الرباط ضد محور باريس- الجزائر

قمة من أجل إنشاء محور مدريد-الرباط ضد محور باريس- الجزائر الملك محمد السادس و بيدرو سانشيز( أرشيف)
كل المؤشرات تؤكد، رغم السعار الذي انتاب الأبواق المعادية للتقارب المغربي الإسباني، أن اجتماع اللجنة المشتركة العليا بين البلدين، مطلع فبراير 2023، سيكون تاريخيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذا قرر الطرفان التعامل مع جميع المشاكل الثنائية بتغلب منطق التوافق، عوض تفويت الفرصة واستمرار التحيزات. 
وتنعقد القمة المغربية الإسبانية في سياق من التغيرات الجيو استراتيجية، إذ اتفق الطرفان على عقد الاجتماع رفيع المستوى، الذي لم ينعقد منذ سنة 2015، في سياق متغير عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، فضلا عن الدور المتنامي الذي يلعبه في القارة، والارتدادات الاقتصادية لجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء (أمريكا، ألمانيا، إسبانيا، بلجيكا...) في انتظار الحل النهائي للأمم المتحدة، ناهيك عن دخول إسرائيل في المعادلة الإقليمية بشمال إفريقيا، مع الوجود المتصاعد  لمجموعة فاجنر الروسية في مالي، وأيضا في العديد من دول الجوار، كليبيا وبعض دول الساحل. هذا دون أن ننسى عقيدة العداء المتنامية لدى "كابرانات الجزائر" الذين يشنون حربا لاهوادة فيها على المغرب، الأمر الذي قادهم إلى إلغاء معاهدة التعاون مع إسبانيا، والشروع في شن "حرب الغاز" على مدريد للضغط عليها ومنعها من الانخراط في اختياراتها السيادية  نحو المغرب. 
باختصار شديد، إن القمة بين المغرب وإسبانيا، تنعقد في ظل وضع عالمي وإقليمي جديد ومعقد. وتبعا لذلك، إنها فرصة لمناقشة جميع المواضيع المطروحة للتفاوض دون طابوهات، على قاعدة مبدأ بناء توافقات. وطبعا سيظل حل بعض المشاكل عالقا، فيما ستكلل بعضها بالنجاح. 
لقد عبر الملك محمد السادس عن تقديره لشجاعة بيدرو سانشيز عندما اعتبر أن "اقتراح الحكم الذاتي في الصحراء هو الأكثر جدية وواقعية ومصداقية"، وهذا ما مهد الطريق لتطبيع العلاقات بين البلدين، علما بأن رئيس الحكومة الإسبانية قد جازف بالتوازن السياسي الداخلي الصعب ببلاده، مع وجود برلمان معادٍ، ومعارضة يمين الوسط تضايقه ويسار راديكالي بسبب إدارته الفردية لشؤون الدولة، وحكومة ذات جناح واضح معادٍ للمغرب، بحسب ما قاله المحلل الجيوسياسي الإسباني، بيدرو كنالس.
ومن المتوقع أن تجري في اليوم الأول من الاجتماع ثلاثة أحداث مهمة، أولها، اجتماع المنتدى الاقتصادي الذي سيجمع بين كبار الفاعلين الاقتصاديين ورجال الأعمال المغاربة والإسبان، فضلا عن انعقاد المجلس الاقتصادي المغربي الإسباني لمناقشة المشاريع والاتفاقيات، ثم افتتاح معرض "اليوتيس" للمنتوجات البحرية بأكادير، والذي تشارك فيه جميع الدول الأفريقية الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي، وستكون إسبانيا هي ضيف الشرف. 
وإذا كانت هناك مجموعة من القضايا العالقة بين البلدين، فإنه من المتوقع أن تكون القمة إطارا جيدا وفرصة ذهبية لحل جميع المشاكل، إذ من الممكن، على المستوى الفلاحي، المضي قدمًا في الاتفاقيات التجارية بخصوص هذا القطاع. كما يمكن تعزيز دور الشركات المختلطة، وإعادة توزيع حصص السوق، وإقامة برنامج استثمار إسباني جديد ومباشر، وإطلاق مشاريع البنية التحتية للسكك الحديدية والطرق، وتنسيق أكبر للموانئ في منطقة المضيق وجزر الكناري، نفق المضيق، إضافة إلى مشاريع أخرى ذات  أهمية جيوسياسية واستراتيجية كبيرة.
إن القمة المرتقبة، إذا سارت الأمور حسب المخطط لها، ستمكن البلدين من وضع اتفاقيات مستقبلية. وتبعا لذلك، ستلتزم إسبانيا بمحور هيكلة المغرب/ إفريقيا وستشارك في مشاريعها الجيوستراتيجية المهيكلة، بما في ذلك خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب. كما يمكن إبرام اتفاق استراتيجي بحيث تكون إسبانيا بوابة المغرب نحو الاتحاد الأوروبي، والمغرب بالمثل في إفريقيا.
ويذهب الخبراء أيضا إلى أنه بوسع هذا الاجتماع رفيع المستوى أن يسمح بمعالجة القضايا المتعلقة بالحصول على الجنسية الإسبانية، وأيضا وضع مواطني الصحراء (المستعمرة الإسبانية السابقة)، خاصة أن معظم قادة البوليساريو يحملون الجنسية الإسبانية، بمن فيهم  إبراهيم غالي (زعيم الانفصاليين).
والجدير بالذكر أن من بين القضايا المطروحة للنقاش على طاولة المفاوضات بين الفريقين، هناك قضايا التعليم التقني والعالي للمغاربة المقيمين في إسبانيا، فضلا عن التبادلات التجارية والسياحية؛ وهي القضايا التي من الممكن التوصل فيها إلى اتفاقيات بكل يسر ووضوح.
إلى ذلك، يقترح  بعض الخبراء العمل على إنشاء مركز فكري إسباني مغربي بدعم من الحكومتين الإسبانية والمغربية، فضلا عن الإسراع بتشكيل اللجان البرلمانية الثنائية، وإنهاء مشروع جامعة الملكين في تطوان.
ومع هذا التفاؤل المشروع، لا بد من الاعتراف أن هناك قضايا أخرى على جدول الأعمال بين الرباط ومدريد تعتبر قضايا خلافية، وليس من السهل إيجاد حلول لها على الفور، رغم أنه سيتم مناقشتها خلال اجتماع رئيس الحكومة الإسبانية مع الملك محمد السادس، أو خلال اجتماعات بين وزيري الخارجية ناصر بوريطة وخوسيه مانويل ألباريس ووفودهما. ومن بينها اتفاق بشأن تحديد المياه الإقليمية المتداخلة في بحر البوران وحول جزر الكناري. فهذا غير ممكن حاليا لأنه لم يجر بعد الاعتراف بالسيادة الإقليمية لإسبانيا. كما أن الرباط لا تعترف بمياه سبتة ومليلية المحتلتين والجزر والصخور. إضافة إلى ذلك، لا يمكن لإسبانيا أن تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء كأمر مسلم به حتى تتم تسوية القضية نهائيا من قبل الأمم المتحدة (رغم أنها أعلنت تبنيها لمقترح الحكم الذاتي الذي يتيح للمغرب السيادة على الصحراء). بيد أن الطرفان يمكنها، مع ذلك، إبرام اتفاقيات للاستغلال الاقتصادي المشترك في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وكذلك السيطرة المشتركة على المجال الجوي الصحراوي، ولكن ليس أكثر من ذلك، في الوقت الحالي.
ويدرك الطرفان هذه الصعوبة، وهي لن تحول دون إنجاح القمة إذا كان هناك التزام ملموس من إسبانيا بخصوص الصحراء، من خلال فتح مكاتب ذات أهمية في المدن الصحراوية، وإحياء تعليم الإسبانية عبر إقامة معاهد ثقافية، ودعم الشركات الإسبانية الراغبة في الاستثمار بشكل مباشر أو غير مباشر في الأقاليم الصحراوية. كما أنه لا يمكن وقف تدفقات الهجرة غير الشرعية إلا بخطط بديلة، وليس بالاعتماد كلية على القوات العمومية المغربية التي لا تملك كل الوسائل، كما أن ما تقدمه أوروبا ليس كافيا.
ومن القضايا الشائكة التي من المتوقع أن تطرح في القمة تبقى قضية سبتة ومليلية المحتلتين لافتة للانتباه. فلا يمكن للمغرب أن يتخلى عن "استرجاعهما" ، على أساس صيغ السيادة المشتركة التي ستتم مناقشتها؛ لكن إسبانيا لا تريد الحديث عن ذلك. وتبعا لذلك، لن تكون هناك "اتفاقيات حدودية" ولا "جمارك" ولا "حدود" لأن ذلك يعني ضمناً اعترافًا قانونيًا. وهو ما سيحرج الدولتين معا.
وطبعا، يعقد المغرب آمالا كبيرة على القمة، كما أن إسبانيا ستستفيد من التخطيط لأنشطة دفاعية وأمنية مشتركة. إذ من الممكن التوصل إلى إدارة أمنية مشتركة لتسيير دوريات برية وبحرية مختلطة في المناطق الحدودية، فضلا عن المناورات البحرية والبرية، وتطوير التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب، وتبادل البيانات الاستخباراتية، ناهيك عن التعاون في مجال التدريب في الأكاديميات العسكرية والشرطة، وتنسيق المشاريع الفضائية. 
إنها قضايا حساسة، لكنها قابلة للتحقيق إذا توفرت الإرادة السياسية لتحقيقها. إذ في الوقت الذي يتم فيه بناء محور جيوستراتيجي بين باريس والجزائر، والذي يعتبره المغرب ضارًا بمصالحه، ومحور طاقة آخر بين إيطاليا والجزائر على قاعدة أنبوب الغاز، من الممكن إنشاء محور مدريد-الرباط مع الامتداد نحو لندن وبرلين.