الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

سمير شوقي : الاتحاد السوفياتي..الجمهورية التي غيرت العالم

سمير شوقي : الاتحاد السوفياتي..الجمهورية التي غيرت العالم سمير شوقي
يصادف  الجمعة 30 دجنبر الذكرى المئاوية لتأسيس الاتحاد السوفيتي، الجمهورية التي قلبت الجغرافيا السياسية رأسًا على عقب من خلال خلق قوة مضادة تاريخية،  والتي تم الإعلان عنها في 30 دجنبر 1922.
إتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، هذه الإمبراطورية الشاسعة والقوية ستعيش ثلاثة مراحل في حياتها القصيرة.
ولادة صعبة:
إمتدت الفترة الأولى بين عامي 1922 و و1939، وهي الفترة المخصصة لتأسيس الحزب الشيوعي على يد فلاديمير إيليتش لينين. ولكن قبل كل شيء، لتنظيف المشهد المحلي الذي تميز بالقضاء على آخر جيوب الحنين إلى عهد القياصرة، وتركيز السلطة في أيدي جوزيف ستالين، مع الاندماج في الاتحاد السوفياتي لأكبر عدد ممكن من الجمهوريات المجاورة.
توفي لينين، الأب المؤسس لهذه الإمبراطورية، في عام 1924 وترك الاتحاد في قبضة حرب داخلية بين ستالين وليون تروتسكي. ذهب الأخير إلى المنفى في المكسيك عام 1927، تاركا وراءه ستالين المتعطش للسلطة، والذي كرس نفسه لترسيخ الجمهورية وتوسيع حدودها بضم جمهوريات أخرى في آسيا. 
وصلت الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 1929 التي اندلعت في أمريكا إلى القوى السياسية في أوروبا. وهكذا، ظهر حزب يميني متطرف صغير في ألمانيا، جاء بالحزب النازي بقيادة أدولف هتلر إلى السلطة في عام 1933 والذي أعلن نواياه بإعادة ترتيب خريطة أوروبا بما تشتهيه أهواؤه التوسعية.
انتهازية الحرب
تأثر ستالين بآثار الأزمة العالمية والتي أثقلت البلاد مما جعلها تلجأ للإقتراض من ألمانيا، وحاول ستالين بمجرد وصول هتلر إلى السلطة، نزع فتيل التوتر بين البلدين وتعزيز التعاون الاقتصادي الألماني السوفياتي. لكن هتلر سرعان ما هاجم جميع رموز الشيوعية في ألمانيا واستهدف الاتحاد السوفياتي في خططه التوسعية، بينما كان ينوي ترك الاتحاد السوفياتي إلى الفصل الأخير من رهانه المجنون لغزو أوروبا بأكملها.
بقية القصة معروفة. ففي عام 1939، أعلن هتلر الحرب العالمية الثانية بغزو بولندا وبقية الدول الأوروبية. لكن لم يهاجم الاتحاد السوفياتي حتى عام 1941، وكان هذا خطأ فادحا. لأن السوفيات استفادوا من حيادهم بين عامي 1939  و1941 لتسليح أنفسهم جيدًا، من جهة أخرى يعتبر الاتحاد السوفياتي منطقة شاسعة من المستحيل عمليا احتلالها بالكامل.
الدخول إلى الحرب
دخل الاتحاد السوفياتي الحرب إلى جانب الغرب، مما منحه مكانة المنتصر في الحرب، وبشكل غير مباشر، المستفيد من تقاسم الإرث الألماني. في نهاية الحرب، تم إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945 وحضي الاتحاد السوفياتي بمكانة العضو الدائم في مجلس الأمن الذي تأسس في عام 1946. ومنذ ذلك الحين، أصبح الاتحاد السوفياتي لاعبًا رئيسيًا في الجغرافيا السياسية العالمية، و فاعلاً مؤثراً في تاريخ القرن العشرين.
صعود و انهيار
بعد الحرب، أراد المنتصرون تحديد جغرافية نفوذهم. فكان طبيعياً أن تتحالف كل من بريطانيا العظمى وفرنسا مع الولايات المتحدة، و هما المدينان لها بحمايتهما من غزو هتلر، تحالفا معها لإنشاء كثلة أمنية ودفاعية، حلف الناتو، الذي استهدف الاتحاد السوفياتي بشكل مباشر، من محاولاته للتوسع. فقام السوفيات بالرد فأنشاوا كثلة خاصة بهم، حلف وارسو، مما أدى إلى اندلاع حرب باردة تقسم العالم إلى معسكرين.
وحاولت بعض الدول أن تنأى بنفسها عن هاتين القبيلتين عن طريق إنشاء حركة عدم الإنحياز، التي بقي صوتها غير مسموع.
ومع ذلك، فإن التاريخ الذي غير ميزان القوى كان 29 غشت 1949 عندما اختبر الاتحاد السوفياتي بنجاح أول قنبلته الذرية، وبذلك أصبح ثاني دولة نووية في العالم. تبع ذلك سباق تسلح جنوني وحروب تموقعات في كل بقاع العالم، أستعمل فيه الطرفان كل الوسائل المشروعة و غير المشروعة.
سيصبح الاتحاد السوفياتي بعد ذلك قائد العالم مع أمريكا بلا منازع، و هو الوضع الذي سيستمر أربعة عقود من المنافسة العنيفة. ولكن في غضون ذلك، وخاصة بعد أن واجه البلدان ( الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية) بعضهما البعض بشكل مباشر في أزمة الصواريخ وأزمة خليج الخنازير في 1961-1962، بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لإضعاف الاتحاد السوفيتي، من خلال خلق بؤر توتر أينما كان النفوذ الشيوعي، حتى الثمانينيات مع الحرب في أفغانستان،  التي كانت مدبرة ومجهزة ومسلحة من قبل الأمريكيين. حرب أدت إلى ركوع الاقتصاد السوفياتي على ركبتيه، ودفعت بالرئيس السوفاتي ميخائيل جورباتشوف إلى الخضوع للخطة الأمريكية لما يسميه البعض حبكة القرن، بينما يسميها آخرون "أذكى" قصة استسلام.
جدار برلين 
في 9 نونبر 1989، قام الألمان الشرقيون، أمام كاميرات العالم، بتدمير جدار برلين كمقدمة لسقوط الإمبراطورية السوفيتاية. سيناريو يليق بإنتاجات هوليوود الضخمة. وفي 25 دجنبر 1991، أمام كاميرات التلفزيون الروسي، كانت اثنتا عشرة دقيقة كافية لغورباتشوف للإعلان عن وفاة الاتحاد السوفياتي واستبداله بـ "مجتمع الدول المستقلة" (CIS) ، وهي المنظومة التي أشرفت على تفكيك امبراطورية الاتحاد السوفياتي، واستقلال الجمهوريات الأعضاء، منهية واحدة من أهم صفحات التاريخ المعاصر. و هكذا حقق غورباتشوف حلم أمريكا التي لجأ إليها حيث قضى آخر ربع قرن من حياته في حياة باذخة بين أحضان ألذ أعداء الإتحاد السوفياتي!
 
سمير شوقي، محلل اقتصادي وجيوسياسي