الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

الطيب دكار: القمة العربية.. الجزائر بين توحيد الصف العربي وتقسيم المغرب العربي"(13 )

الطيب دكار: القمة العربية.. الجزائر بين توحيد الصف العربي وتقسيم المغرب العربي"(13 ) الطيب دكار ومشهد من اجتماع اللجنة الرابعة للأمم المتحدة وإبراهيم غالي
يفند الطيب دكار، الخبير المغربي في الشؤون الجزائرية والمدير السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء في الجزائر العاصمة، ادعاءات ومزاعم  النظام الجزائري للم الصف العربي في الوقت الذي يحارب فيه المغرب على جميع الواجهات حول الصحراء المغربية. وأدرك النظام الجزائري بسرعة أن طرح قضية الصحراء المغربية أمام الدول العربية –تلك كانت النية المبيتة للنظام الجزائري- أمر مستحيل قد ينجر عليه إلغاء القمة العربية ما دامت أغلب الدول العربية تقف إلى جانب المغرب في قضية وحدته الترابية. 

وتراجع النظام عن ذلك علما أن قضية الصحراء تشكل أمرا "مبدئيا" بالنسبة للجينرالات وقد أنفق ثمنا غاليا لاستمالة اللوبيات الدولية، خصوصا بعد التحول الكبير الذي شهده العالمان الغربي والعربي في اتجاه الاعتراف بمقترح الحكم الذاتي المغربي الذي يحظى بالدعم، أروبيا وعربيا.  

وأكد دكار أنه: "بعد سلسلة من الكوارث الديبلوماسية التي تكبدها النظام  في مجلس الأمن، واللجنة الرابعة، والاتحاد الأوروبي، خططت الجزائر لتنظيم قمة الدول العربية، التي كان من المفترض أن تنعقد نظريا في مارس 2022، وذلك لتأكيد دعم العالم العربي للشعبين الفلسطيني والصحراوي"." !.

لكن الجزائر، لم تنفعها الأموال والأحلام والأوهام وبروباغندا العهد البائد والحرب الباردة، وفشلت منذ البداية في فرض ما تسميه "القضية الصحراوية" على القمة العربية،  التي كانت تنوي ترقيتها إلى مراتب  "القضيّة الفلسطينية"، في محاولة سمجة لتحقيق "انتصار" ساحق لا يتحقق إلا في أحلام الجنرالات الجزائريين الذين بلغوا شأوا كبيرا في استعراض حقدهم على المملكة، ذلك أنه لا يمكن الجمع أو المقارنة بين القضيّة الفلسطينية ونزاع الصحراء. كما أن الإرادة الجزائرية في الجمع بينهما تكشف درجة اليأس التي وصلت إليها الديبلوماسية الجزائرية.

يقول مؤلف كتاب "الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب": "نتذكر الضغط الأخير الذي مارسته الجزائر على مجلس الأمن، لحمله على مراعاة أجندتها الجديدة، والتي تقضي بالتخلي عن كل قرارات مجلس الأمن، والحفاظ على قرار واحد، هو الذي تم تبنيه في العام 1991، أي منذ 30 سنة. وللتذكير، فإن مجلس الأمن، بدأ، منذ 2007، مسارا جديدا للبحث عن تسوية سياسية لقضية الصحراء المغربية، بناء على مقترح الحكم الذاتي المغربي، باعتبار أن الحكم الذاتي، من الناحية القانونية، هو شكل حضاري لتقرير المصير، الذي يطبق في الدول المتقدمة، كإسبانيا تحديدا، والتي يتعارض مع انقسام الدول، في سياق دولي يقوم على الاندماج والوحدة والمجموعات الاقتصادية العظمى".

وتابع المؤلف: "لا تطلب الجزائر المستحيل فقط من مجلس الأمن، بل إنها تريد جادة، وبنزعة شوفينية وأنانية، وأيضا بحسابات خاطئة، أن يسير مجلس الأمن  في هذا المسلك. والحال أنه بقليل من الواقعية، لم تكن الجزائر لتضيع ملايين الدولارات لتعبئة اللوبي الأمريكي من أجل قضية خاسرة سلفا. فلسنا بحاجة إلى أن نكون فلاسفة أو "ديبلوماسيين متمرسين"  لنفهم أن الأجندة الجزائرية غير قابلة للدعم أمام مجلس الأمن. وبكلمة واحدة،  لقد كانت الصفعة قوية إلى درجة أن الديبلوماسية الجزائرية ركنت إلى الصمت لمدة 48 ساعة. فمبعوثوها الخاصون الذين كان يتسابقون لإعلان المجد والانتصار  كلما حازوا "فوزا صغيرا"، صمتوا هذه المرة. ذلك أن اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة، التي كانت تقريبا مجمعا للدعم الجزائر، منذ سنوات طويلة، ولأسباب إيديولوجية، دخلت في منعطف أساسي في معالجة قضية الصحراء المغربية، وذلك بالالتحاق بمجلس الأمن في قراره الجديد26.02 وللعلم، فإن اللجنة الرابعة المكلفة بتصفية الاستعمار كانت تعمل كمنصة للجزائر لتمرير خطابها أمام مؤيديها التقليديين، كما أن خصوم المملكة كانوا يقدمونها كـ  "كابح شعبي"  (ثقل موازن) لمجلس الأمن. وقد تعزز ثبات اللجنة الرابعة على حكمها (قرار 26.02) - وهذا معطى جديد- بدعم الاتحاد الأوروبي للمسلسل الذي قرره مجلس الأمن، والذي يشكل بالنسبة للمملكة نقطة قوة إضافية، لأن الأمر يتعلق بقرار للاتحاد الأوروبي في عمومه".
 
للإشارة، فإن القرار (26.02) يرتكز على مجموعة من التوصيات التي أقرها مجلس الأمن:
 أولا: بخصوص طبيعة مسلسل التسوية، إذ أشار إلى أن "الموائد المستديرة، بمشاركة كافة الأطراف، هي الآلية الوحيدة لتدبير المسلسل".
 
ثانيا: ينبغي أن يفضي المسلسل إلى حل واقعي، عملي وقائم على أساس التوافق، وهذه إيماءة واضحة إلى مقترح الحكم الذاتي. 
 
ثالثا: الجزائر تتحمل مسؤولية في هذا الملف، وانطلاقا من ذلك،  هي مدعوة للانخراط في المسلسل السياسي إلى غاية تتويجه. 

رابعا: الانشغال العميق بخرق وقف إطلاق النار وعدم السماح بالمس بالاستقرار في المنطقة، علما أن البوليساريو (ومعها الجزائر التي تقوم بتسليحها وتمويلها) هي الطرف الذي أعلن انسحابه رسميا من الاتفاقيات ذات الصلة، في وقت جدد فيه المغرب التزامه باحترام المقتضيات. 

خامسا: لم تطرح "لا ولاية المينورسو، ولا مسألة حقوق الانسان، كما أن محاولات إقحام منظمات إقليمية من قبيل الاتحاد الأوربي، والاتحاد الافريقي، في هذا مسلسل تسوية النزاع باءت بالفشل.

على عكس مسألة تسجيل المحتجزين، ومسؤولية البلد الذي يحتضنهم بتندوف (...)، فضلا عن الدعوة إلى القيام بإحصاء هؤلاء المحتجزين مما سيمكن من حماية حقوقهم من انتهاكات القانون الدولي الإنساني.

إن هذا الفشل الذريع للجزائر وأبواقها "يعني بوضوح انتكاسة حقيقة للديبلوماسية الجزائرية. فضلا عن هزائمها التاريخية التي لا تستخلص منها لا النتائج، ولا الدروس، ولعل أول درس ينبغي أن تستخلصه هو التخلي عن مخططاتها الطوباوية تجاه جارها الغربي"، يقول الطيب دكار الذي يؤكد أنه  "مع ذلك لم تكد الجزائر تبلع  هزائمها حتى ألقت بنفسها في حقل ألغام جديد، وهو العالم العربي، أملا في انتزاع دعم الشعب الصحراوي. وهي مغامرة ديبلوماسية غير محسوبة وخرقاء، لأن هذا العالم العربي يمكنه أن يقاطع قمة الجزائر، إذا كانت هذه هي نوايا الجزائر. فالعالم العربي برمته يقف إلى جانب المغرب، كما لاحظنا ذلك في مناقشات اللجنة الرابعة للأمم المتحدة. بل إن الجامعة العربية نفسها تعارض طرح قضية الصحراء في جدول أعمالها، كما فعلت ذلك دائما، تجنبا لانقسام العالم العربي. والحال أن العمامرة (وزير الخارجية الجزائري) الذي عبر عن إرادة الجزائر في توحيد الصف العربي، ما زالت بلاده، في الوقت نفسه، تعمل على بث الانقسام داخل المغرب العربي".
 
لقد ظنت الجزائر، عن خطأ، أن بإمكانها أن تفرض على جامعة الدول العربية، جدول أعمال بأجندة جزائرية معاكسة، أولا وأخيرا، للمغرب. وذلك حين خاضت حربا ضد الساعة من أجل فرض "الأمر الواقع" على القمة، عبر تحديد التاريخ، و"طبخ الأجندة" التي ترتكز، أساسا، على  فرض عودة سوريا إلى الجامعة، واستبعاد المغرب بكل الوسائل المتاحة، فضلا عن ممارسة الضغط لدس البوليساريو في القمة، بعد أن أعلنوا صراحة بأن القمة بالجزائر ستكون "قمة للتضامن العربي ودعم القضية الفلسطينية ودعم الشعب الصحراوي.."، وهو شعار نافث للسموم، وباعث للانفجار في وجه قمة تنعقد في ظرفية عربية ودولية دقيقة، لا تحتمل المزايدات أو التلاعب. الأمر  الذي دفع  مجموعة من الدول العربية إلى كسر هذا الاندفاع الخاطئ، وغير المحمود العواقب، بسبب الصعوبات  التي "أنتجتها" ديبلوماسية الجزائر، لا لشيء سوى لتعويض اندحاراتها المتكررة والمتعددة أمام الدبلوماسية المغربية على أكثر من واجهة، بل حتى في معاقلها التقليدية، إفريقيا وأوروبيا، حتى وهي مستمرة في رمي الأموال بين يدي جماعات الضغط الدولية، وبين يدي بعض الدول الصغيرة التي تعاني من وضعيات اقتصادية واجتماعية صعبة.
 
ويخلص الخبير في الشؤون الجزائرية إلى أن "الديبلوماسية الجزائرية مازالت تتغذى على المفارقات، والتناقضات، ومناهضة الحقيقة، والبروباغاندا الجديرة بسنوات الرصاص، وذلك حين نعلم أن إخواننا الجزائريين يتخذون كل احتياطاتهم من أجل بث النشرة الجوية"، خوفا من "قراءات سياسية" يمكن أن تستخلصها السلطة."