الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

شيخ الملحون محمد الكزولي يناقش أصل تسمية فن "الملحون"

شيخ الملحون محمد الكزولي يناقش أصل تسمية فن "الملحون" محمد الكزولي رفقة سيخ الملحون الحاج أحمد سهوم رحمه الله

اختلف الباحثون والمهتمون بشعر الملحون وتضاربت آراؤهم حول أصل تسمية هذا الضرب من الشعر بـ "الملحون"؛ وتمحورت هذه الاختلافات حول ثلاث آراء أساسية منبثقة من ثلاث مراجع؛ أولها كتاب القصيدة للأستاذ عباس الجراري، وكتاب معلمة الملحون للأستاذ محمد الفاسي رحمه الله، ثم كتاب الملحون المغربي للشيخ أحمد سهوم رحمه الله.

 

طرح الأستاذ محمد الفاسي:

 

اعتمد الأستاذ محمد الفاسي رحمه الله؛ في طرحه على أصل (اللحن) المشتق من التلحين والتنغيم والموسيقى؛ وأن هذا النوع من الشعر كتب أساسا ليُتغنى كما جاء في الصفحة 29 من القسم الأول/ ضمن الجزء الأول/ من مجموعة معلمة الملحون؛ قال: "أول ما يتبادر للذهن أنه شعر بلغة لا إعراب فيها، فكأنه كلام فيه لحن، وهذا كلام باطل من وجوه، لأننا لا نقابل الكلام الفصيح بالكلام الملحون، وإنما باللهجات العامية، ولم يرد هذا التعبير عند أحد من الكتاب القدماء لا بالمشرق ولا بالمغرب، ولا يعقل أن يسمي أحد شعره بكلمة تنم عن الجهل؛ والذي أراه أنهم اشتقوا هذا اللفظ من التلحين بمعنى أن الأصل في هذا الشعر الملحون أن ينظَّم ليتغنى به قبل كل شيء؛ ونجد ما يؤيد هذا النظر في قول ابن خلدون في (المقدمة) في الفصل الخمسين في (أشعار العرب وأهل الأمصار لهذا العهد) بعد أن تكلم عن الشعر باللغة العامية فقال: "وربما يلحنون فيه ألحانا بسيطة لا على الصناعة الموسيقية".

 

طرح الأستاذ عباس الجراري:

 

أما الأستاذ عباس الجراري، فقد اعتمد في طرحه على مصطلح (اللحن) كمرادف للخلو من الإعراب أو عدم الإلتزام به؛ كما ذكر في الصفحة 56-57 من كتاب القصيدة؛ إذ قال:

"ونحن نرى أن التسمية اشتقت من اللحن بمعنى الخطأ النحوي". أو قوله في الصفحة 18 من مقدمة (موسوعة الملحون) التي تم نشرها بتقديم ديوان الشيخ عبد العزيز المغراوي، وهو الديوان الأول من سلسلة دواوين شعراء الملحون التي تم تجميعها وطبعها تحت إشراف أكاديمية المملكة المغربية: "ونرجح أن يكون سبب هذه التسمية راجعا إلى (اللحن) بمعنى الخلو من الإعراب أو عدم الإلتزام به، وليس بمعناه الدال على التنغيم للتغني والتطريب".

 

طرح شيخ الملحون الحاج أحمد سهوم:

 

كان للشيخ أحمد سهوم رحمه الله رأيا مغايرا عن الطرحين السابقين أدرجه في كتاب: (الملحون المغربي) وبالضبط في الصفحة 230، ضمن الفقرة التي وضعها تحت عنوان: (الْبَديع فِي فنُون الْمَلْحون)؛ شرح من خلالها مصطلح الملحون شرحا مختلفا عن سابقيه، حيث قال أن إسم الملحون متعلق فقط بالفصاحة والبلاغة في الشعر. أي أن: القول الملحون؛ هو القول البليغ، الفصيح، المُقنع، والْعميق.

 

واعتمد الشيخ سهوم في شرحه على مضمون حديث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (إنَّما أنا بَشَر وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعلَّ بَعضَكمْ أنْ يَكونَ ألْحنَ بحجَّتِهِ مِن بعض، فأقْضِي علَى نَحوِ ما أسمَع...) إلى آخر الحديث النبوي الشريف/ الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري/الصفحة أو الرقم: 7169 | خلاصة حكم المحدث : (صحيح). واستدل كذلك، ببيتين من قصيدتين مختلفتين للشيخ عبد الله بن حساين رحمه الله، حسب ما جاء في نفس الصفحة:

البيت الأول:

والكًول كًول ملحون * و فالنّْظام موزون*

أما البيت الثاني:

*ملحون فالمعاني موزون * على نظامت النظام*

وهنا أوضح الشيخ أحمد سهوم أن كلمة الملحون مرتبطة بلحن التعبير والمعاني والبلاغة والعمق؛ ولا علاقة لها باللحن بالمعنى الذي تكلم عنه من سبقه.

 

وجهة نظر الشيخ محمد الكزولي:

 

أما عن وجهة نظري كممارس لنظم شعر الملحون وباحث في عروضه؛ وكما سبق أن أوردت في حلقة خاصة بهذا الموضوع من برنامج "الملحون بين الشكل والمضمون"؛ فالحديث عن أصل التسمية إعتمادا على معنى مفردة التسمية فقط لا يكفي، خاصة وأن كلمة "الملحون" لها معاني كثيرة ومتعددة؛ بل وجب الإعتماد في التعريف على ما يميز هذا النمط الشعري عن باقي الأنماط الشعرية العامية الأخرى؛ وهذا يلزمه تحليل وتعامل مع شعر الملحون وإدراك مكوناته وقواعده ومميزاته وليس الاقتصار على جرد مرادفات كلمة الملحون أو استحضار معانيها اللغوية والاصطلاحية.

 

وفي تحليلي لما سبق تناوله من طرف الأساتذة الكرام؛ فالخطأ في الإعراب كما جاء في طرح الجراري لا يناسب الحديث عن أصل تسمية الملحون، خاصة وأن شعر الملحون هو شعر باللغة العامية، ولا يصح تطبيق قواعد اللغة العربية على شعر باللغة العامية المغربية. وحتى إن افترضنا جدلا صحة هذا الطرح الذي يرى الخطأ في الإعراب؛ فهذه الخاصية لا تخص الملحون وحده.

 

أما بالنسبة للرأي القائل أن الملحون جاء من الموسيقى والتلحين والغناء كما جاء في طرح محمد الفاسي؛ فهذه النظرية يمكن تسليطها على عدد من النصوص الزجلية الأخرى التي يتم تلحينها وأداؤها غناءً أو تتم كتابتها خصيصا للتلحين والغناء، لكنها لا تدخل في خانة شعر الملحون، وبالتالي فهذا الرأي يشمل جميع الكتابات الزجلية ولا يخص شعر الملحون وحده.

 

كذلك في الطرح الذي تناول الملحون من منظور الفصاحة والبلاغة للشيخ أحمد سهوم، فإني أجد ان الفصاحة والبلاغة يمكن إيجادها في العديد من النصوص الشعرية التي لا تدخل في خانة شعر الملحون، كمثال بعض النصوص الزجلية، إذ من الواضح أن هذه النظرية تبقى عامة على العديد من الأنماط الشعرية ولا تخص الملحون فقط.

 

خلاصة القول:

 

ورجوعا لما استخلصته من قراءاتي في نصوص شعر الملحون؛ فإن ما يميز هذا الشعر عن باقي الأنماط الشعرية العامية (الزجلية) هو تركيباته العروضية المحكمة، التي تخضع لقاعدة نظمية أساسية مبنية على وضع اللحن قبل الكلام، بمعنى أن الشاعر عندما يريد كتابة قصيدة ما في شعر الملحون لابد له أولا أن يضع أو أن يستحضر قالبا عروضيا لحنيا محكما يسمى (لَقْيَاسْ) سواء كان هذا القياس من اجتهاده أو كان من بين القياسات المتداولة التي وضعها شيوخ الملحون الآخرين من المعاصرين أو من السلف؛ وهذا في نظري هو التعريف المناسب لتسمية الملحون لأنه يخص شعر الملحون دون غيره من باقي أنواع الزجل المغربي.

 

إن التعريف المناسب لتسمية "الملحون" في نظري هو وضع لحن عروضي محكم الوحدات عددا وتموضعا قبل نظم الكلام فيه، ليصبح بذلك أي الكلام، شعرا ملحونا موزونا سلسا. وهذا ما سأتناوله بالتفصيل في كتاب "عروض الملحون" مستقبلا بحول الله.

 

 

إسم الملحون جاب للرَّيّْ غْنَانو * خالْـفْ لْفْـكار اهْـلْ الْهـمَّـة وْ مْكانَة

كُـلَّا بْالـشَّـرح قـال ريُّـو فْـزمانو * شَرح وْ تَـأْويل شـاع كُلَّا قـال "آنَـا"

مْنْهم مْـن قـال لَلْغْـنَا كان كْـيَانو * يْـتْـلَحّْـن بْالـنّْـغـام وْ يْـروق الْگَانة

مْنْهم مْن قال عيْب نَحوُو تْلْحانُو * فَـسّْـر أْسمُو علَى كْتوب الْعربانـا

مْنْهم مْـن جاب سر اْسمو فْبْيانو * فْـالْقَـول الْبَالْـغْ الْبْـلاغَـة وْ رزَانة

وَانَـا طَرحي فْريد سمْعـو تْـبْيانو * عسى يْسقِي حروف شَرحي مُولانا

شْعر الْملحون سر سرُّو فْاوْزَانو * وْ اسـرار الْــوَزْن بَـارزَة لَلْـوَزَّانَـا

مَاهُـوَّا شِـي كْلام صادف حَسَّانو * يْتْـصـرّْف فِـيه بْاللّْـحـان الْحَـسَّـانـة

لْانّْ الْمـلحـون دَگّْ لَحنو فْـكْـنَانو * بـاوزان تسَهّْــل الْـغْـــنـا للَّـحَّـانــا

ماهُـوَّا شِي غْـلاط فْالـنَّحـو ركانو * وَصفُو 'مْعطوب من الإعراب' إهانة

لْانّْ الْملحـون عامِّـي فِي تْـوْزَانو * كِـيـف نْعـبرو لْغَـاه بْصروفْ سْوَانـا

حازْ التّـرصيع وْالْفْصاحة فْـمْعانو * غـايْـةْ لْـبْـديـع بْالْـبْـلاغَـة مَـلْـيَـانـا

لَكنْ هـاذْ الْاوْصاف فَـاقُـو عنْـوانو * تُـوجـدهـا فِي جمـيع لْـزْجال سْيَانـا

سـرّْ الملحون فِي حسابو وْ لْحانو * لَحنْ التّْـنْشاب لِيس لَحـن الرَّنَّانـا

لَحنُو مْنْصوب قَبْـل لْحروف يْـبَانو * فْ دروب اللَّحـن نَاظْـمِين الْوَزَّانا

هَـذَا مْـلْحـونَّـا وْ هَـاذِي سِـيـسـانو * مْنْ قَبْل قْرون عدّْهَا "سورو" سَنة

رادفْتْ الْقَـوْل عنْ اقْـوَال اللِّي كانو * لَلِّي يَـاتِـيـوْ وْالّـذِي كَـانْ مْعـانـا

لْكْزولي قال شَايْـن روَاتْ مْعـانُو * فْحْضَرْتْ مْشَايْخْ الْنْظَر مَا قَـال "أنا"

عـسـى تْـضْـحـى النَّـاس فِـيهَـا روْيَـانَـة

 

شيخ الملحون الأستاذ محمد الكزولي