الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

في إصدار جديد.. الباحث شراد يكشف عن اسم بطلة قصة عيطة "الشَّالِينِي" الرومانسية

في إصدار جديد.. الباحث شراد يكشف عن اسم بطلة قصة عيطة "الشَّالِينِي" الرومانسية عبد الرحيم شراد

أفاد لجريدة "الوطن الآن" الباحث عبد الرحيم شراد أنه سيصدر قبل متم سنة 2022، أول كتاب له حول فن العيطة، والذي سيتناول فيه بالدرس والتحقيق "عَيْطَةْ الشَّالِينِي". التي يجهل أغلب الممارسين والمهتمين بالموروث التراثي الغنائي قصتها الرومانسية التي كانت بطلتها شابة عبدية اسمها الحقيقي هو "اَلْخَضْرَةْ".

وشدد شراد على أن الفنان المغربي الوحيد الذي يمكن أن نأخذ عنه اللحن الحقيقي لكل الفصول التي تشكل قصة عيطة "الشَّالِينِي"، هو الفنان الشيخ خالد البوعزاوي، حيث قال: "عندما أستمع لعزفه، حين تكون أنامله تداعب أوتار الكمنجة أستحضر كل معاني هذه القصة الرومانسية الجميلة، قصة (الخَضْرَة العَبْدية وسِيدِي محمد القِيبَالِي)".

في إطار تصحيحه لبعض كلمات هذه العيطة الرومانسية أورد الباحث شرّاد موضحا بأن قولة: "سْطَاتْ يْسَطِّي، بَرْشِيدْ يْدَاوِي، مَا زَالْ أهْوَاوِي". هي الجملة/الشذرة الصحيحة، وليس كما يقول البعض "كَازَا الَهْوَاوِي". على اعتبار أن القصة التي ترويها عيطة "الشَّالِينِي" لا علاقة لها بمدينة الدار البيضاء، ولم تكن أبدا مسرحا لأحداثها.

إن فصول هذه الحكاية وقعت بين مدينتي سطات وبرشيد، وتعود إلى الفترة التاريخية التي حكم فيها السلطان مولاي يوسف بن الحسن، (أي بين سنة 1912 و 1927)، حيث يستدل عبد الرحيم شرّاد على رأيه انطلاقا من إشارة وردت في متن هذه العيطة، والتي تقول: "يَا وْلِيدِي رْﯕَبْتَ عْلَى سْطَّاتْ، بَانْ لِي الجْرِيدْ. أَلَالَّةْ قَايْدِي عَبْدْ الَمْجِيدْ". بمعنى أن القايد عبد المجيد كان هو آخر القياد بالقصبة الإسماعيلية الموجودة بوسط مدينة سطات.

الحكاية المثيرة تشير إلى أن إحدى الشِّيخَاتْ من منطقة عبدة: "رَا أَنَا مَنْ دِيكْ اَلْحَصْبَةْ يَا وْلِيدِي زِينْةْ السْمِيَّةْ. أَلَالَّةْ اَلْعَيْطَة بَلْيَةْ"، لم تكن فقط بطلة القصة مغرمة بغناء العيوط بل، كانت كذلك ذات حسن وجمال، رشيقة القد، مليحة القوام والدليل ما ورد في هذا الشطر من العيطة: "يَاكْ رَا الطُّفْلَةْ عَبْدِيَّةْ. الْمَحْزَمْ رْقِيقْ. أَلَالَّةْ لَمْضَمَّةْ شِيبِيَةْ".

لقد وقعت البطلة الشابة الفاتنة، أسيرة غرام شاب التقته في مدينة برشيد ويستدل على ذلك حين قالت: "زِيدْ آ لَعْزِيزْ، نَبْدَاوْ عَشْقْ جْدِيدْ. قُولْ لُو يَا لَعْزِيزْ. إِلَا كَانْ شِي لْوِيزْ. نَزْهَاوْ فِي أَوْلَادْ حْرِيزْ". على اعتبار أن اللقاء الأول كان في منطقة أَوْلَادْ حْرِيزْ أثناء قْصَارَةْ أقامها العاشق، الذي يبدو أنه (دون جوان) زير نساء "مَا زَالْ هْوَاوِي". أما هي فقد اخترق سهم (كيوبيد) قلبها، "سَكْرَانَةْ جَايْبَةْ التْمَامْ. كَاوِيكْ لَغْرَامْ". لأن الحبيب/الشاب كان قد خطب ودّها وأغواها "رَا أَنَا زْهِيتْ"، هي تعترف و لقد رأت فيه فارس أحلامها " قَيَّسْتْ خْوِيتْمُو يَا لَالَّةْ جَاتْ عْلَى يْدِّي".

المشكلة أنه كان أول لقاء وآخر لقاء. سيختفي حبيبها الذي أحبته من أول نظرة ولن تعثر له على أثر، حين قالت: "فِينْ نْصِيبُو يَا لَالَّةِ. مْشِيتَ نْجِيبُو. لْقَيْتُو زْهَقْ وَ مْشَى لَعْزِيبُو". رغم أنها تعرف أنه يسكن في مدينة سطات. لكن سطات تزيد حيرتها "سْطَاتْ يْسَطِّي". أما في برشيد فقد كان اللقاء، الذي تتمنى أن يتكرر ويدوم مدى العمر "بَرْشِيدْ يْدَاوِي". ولكن حبيبها متقلب المزاج لا يعرف الوفاء و الثبات على العهد.

ستبحث "الشِّيخَةْ" المغرمة عن حبيبها في كل الضواحي المجاورة وهي لا تعرف حتى أصله، فمرة تقول أنه من عَبْدَةْ، ومرة أخرى تقول أنه من دُكَّالَةْ ومرة من مراكش، فهي في حيرة تبحث عنه يمينا و شمالا، دون أن يقر لها قرار. لهذا أطلقت عليه لقب "الشَّالِينِي"، حينما رأت الخيل في مضمار الفروسية تتمايل يمينا وشمالا. فما أشبه حيرتها بحركة الخيول "اَلْعَالِي يَا اَلْعَالِي. وَالْخَيْلْ تْشَالِي قِيلُونِي". وأمنيتها الوحيدة وطلبها الوحيد أن تكون بجانب حبيبها "الشَّالِينِي يَا بَابَا. دِيرْنِي حْدَاكْ دَابَا تَحْتَجْنِي".

إن أغنية "مُولْ الْكُوتْشِي" بالنسبة للباحث شراد هي مجرد فصل من فصول عيطة "الشَّالِينِي"، وهي قصة شابة عبدية مولوعة بغناء العيطة. وقعت في حب شاب تعرفت عليه في سطات على عهد القايد عبدالمجيد. لكنه اختفى عن أنظارها بعد أن طارحها الغرام بمدينة برشيد ووعدها سرا بحب لم يتحقق.  لذلك ظلت تبحث عنه وتقتفي أثره في عدة مناطق، هكذا جاء في العيطة الأم، أي الفصل الأول من كناش "الشَّالِينِي"، على لسان هذه الشابة العبدية، "خَاوْيَةْ بْلَادْ. مْعَمْرَةْ بْلَادْ. فِي جُرَّة بَضَاضْ". إنها رحلة البحث عن الحبيب.

في فصل "مُولْ الْكُوتْشِي"، نجد البطلة، تقول: "ﯕَلْتْ لِيكْ اخْطِينِي. رَاهْ رْفَاﯕْتَكْ غَادِي تَجْلِينِي". وكلمة "بَضَاضْ" تتكرر أكثر من مرة سواء في "الشَّالِينِي" أو في "مُولْ الكُوتْشِي". ففي الشَّالِينٍي تقول البطلة: "يَا وْلِيدْي مَزِّينْ الْمَلْقَى. يَا أنَا مَخَّيْبْ لَفْرَاقْ. بَضَاضْ الغَرَّاقْ". وفي "مُولْ الْكُوتْشِي" تقول: "مَا بْقَى صْبَرْ بَضَاضْ يْتَلَّفْ. آ مُولْ الْكُوتْشِي جْمَعْ كُلْشِي بَضَاضْ يْرَشِّي. حَالْفَةْ بِحْلُوفِي حْتَى نْعَذْبُو كِيفْ مَا عَذَّبْنِي. آ امِّيمْتِي يَا امِّيمْتِي آشْ جَا يْلَاقِينِي بِغْزَالِي". وإذا كانت في "الشَّالِينِي" أي الفصل الأول بحثت عنه في مدينتي سطات وبرشيد، فإنها في "مُولْ الكُوتْشِي" ستبحث عنه في آسفي: "نَعْطِيكْ الْعَاهَدْ فِي سِيدِي بُو الذَّهْبْ لَعْقَيْلْ مْعَذَّبْ. لَمْوَاجْ تْـﯕَلَّبْ". فضلا على أن البطلة ستبحث عنه في مراكش و نواحيها: "مُولَايْ ابْرَاهِيمْ طَيْرْ لَجْبَالْ سَبْعَةُ رٍجَالْ. مَصَّابْ يْرِيبُو دُوكْ لَجْبَالْ يْبَانْ الْغَزَالْ".

ويستنتج الباحث عبد الرحيم شراد من كناش "الشَّالِينِي" كما جمع نصوص عيطاته، أن وحدة الموضوع تربط بين فصولها - أي البحث عن الحبيب - و كلها عيوط مكتوبة بنَفَس وأسلوب واحد وحتى على مستوى اللحن فإن مِيلودْيا واحدة تجمعها.

دَابَا يجي يا لَكْبيدَة، دَابا يجي

إذا كانت لفرنسا أُوبِّرا كارمن Carmen التي وضع لحنها المؤلف الموسيقي جورج بيزيه George Bizet  في القرن التاسع عشر عن رواية " كارمن " للكاتب Prospère Mérimée .  فإن المغرب له عيطة "الشَّالِينِي"، التي أعتبرها الباحث عبد الرحيم شراد النموذج الأرقى للتأليف الأوبرالي الشعبي المغربي، وهذه ليست مبالغة ـ حسب المؤلف ـ بل هي قناعة مرتبطة بمعرفته بالتأليف الأوبرالي وقواعده.

إن "كارمن" و "الشَّالِينِي" تتميزان بالطابع الرومانسي، وإذا كانت أوبرا "كارمن" المشهورة تحكي قصة خوسيه نافارو ( José Navarro ) الذي أحب الفتاة الغجرية "كارمن"، فإن عيطة "الشَّالِينِي" تروي قصة الفتاة العبدية التي عشقت شابا متقلب العواطف: "رَاهْ زَهْوَانِي". وعدها بالزواج بعد أن خلع خاتمه من أصبعه وقدمه لها عربونا وعهدا ثم اختفى دون أن تعرف له وجهة أو مستقرا.

في الفصل الثالث ستبحث البطلة عن حبيبها في بني ملال، وهذا الفصل يحمل عنوان "دَابَا يْجِي يَا لَكْبِيدَةْ، دَابَا يْجِي". يقول شطر من هذا الفصل: "الْمَعْبُودْ اللهْ والنْبِي سِيدِي يَا لَحْبِيبَةْ دَابَا يْجِي". إن البطلة يحدوها الأمل أن يأتي الحبيب لزيارتها بمدينة بني ملال، حيث أرسلت له رسالة مع أحد الأشخاص لعله يلتقي به ويسلمه الرسالة: "أَهَاوْ لِيهْ. أَهَاوْ لِيهْ"، بمعنى (أي سلموه رسالتي إن أنتم صادفتموه) ومضمون هذه الرسالة هو كما جاء في الغناء: "هَذَا عَارِي مَرْسُولْ لِيهْ. جِينِي بَعْدَا أوْلَا نْجِيكْ. أُو لَا نَهْدِي عُمْرِي عْلِيكْ. مَسَّاتْ عْلِيكْ الْغَالْيَةْ. مَا بَايْعَا مَا شَارْيَا".

وإذا كنا في الفصل الأول "الشَّالِينِي"، و في الفصل الثاني "مُولْ الْكُوتْشِي"، لم نتعرف على إسم هذه الفتاة فإنها تكشف لنا عن إسمها في الفصل الثالث "دَابَا يْجِي يَا لَكْبِيدَةْ دَابَا يْجِي".

لقد ظل هذا الإسم غائبا عن أذهاننا بسبب سوء فهم أول من غنى هذه العيطة من الشيوخ المعاصرين، فتغنى من حفظها عنه سماعا مرددا نفس الخطأ. ولهذا كلهم حين غنوا فصل: "دَابَا يْجِي يَا لَكْبِيدَةْ"، كانوا يقولون: "تُونُسْ اَلْخَضْرَا. يَا بْنِي مَلَّالْ. آ الْحْبِيبَةْ أُو دَابَا يْجِي". فمتى كان المغاربة يسمون بني ملال تونس؟

إن المعنى الحقيقي لهذا المقطع هو أن الفتاة تناجي طيف حبيبها وتتمنى لو يأتي لبني ملال لمؤانستها في وحدتها، لذلك تقول له: " أتْوَنَّسْ الخَضْرَة فِي بْنِي مَلَّالْ أُو دَابَا تْجِي آ لَكْبِيدَةْ دَابَا اتْجِي(. إن كلمة "دَابَا" معناها الآن، أي إحضر حالا فما عدت أقوى على فراقك.

إن اسم البطلة الَعَبْدِيَّةْ في عيطة "الشَّالِينِي"، هو "الخضْرَة". وهو إسم عربي فصيح يكتب بالتاء مربوطة، سمى به العرب حتى في المغرب بناتهم لأنه يعني الفتاة الغَضَّة الجميلة التي من طبعها السعي دائما وراء أحلامها حتى تتحقق، و هناك في المغرب أكثر من شخصية حملت هذا الإسم. أذكر على سبيل المثال المتصوفة الزاهدة لَالَّةْ خَضْرَةْ المدفونة بمسجد قصبة (هدراش) بمدينة مكناس.

 في فصل "دَابَا يْجِي يَا لَكْبِيدَةْ"، تقف البطلة "الْخَضْرَةْ الْعَبْدِيَةْ" أمام منظر عين أسردون الخلابة فيذكرها بعيني حبيبها وجمالهما فتقول: "عَيْنْ آسَرْدُونْ آ لَحْبِيبَةْ، دَابَا يْجِي. عَيْنِيكْ عَيْنِيكْ جَابُو الْهَوَى مَنْ شِيشَاوَةْ. عَيْنِيكْ عَيْنِيكْ طَيْحُو الزَّرْزُورْ مَنْ فُوقْ السُّورْ. عَيْنِيكْ  عَيْنِيكْ جَابُو الْغَاشِي وُهُوَ مَاشِي".

 

من المؤكد أن فارس أحلام "الْخَضْرَةْ" قد فتنها بجمال وسحر عينيه وفي هذا الباب قالت: "عَيْنِينْ أُو حَجْبَانْ شَاغَلِينْ الْبَالْ. آ لَمْلَاكَةْ، عَيْنِيكْ عَيْنِيكْ جَابُو لَهْلَكَا". إن "الْخَضْرَةْ الْعَبْدِيَّةْ" تعرف عيب حبيبها، وهو أنه متقلب العواطف متعدد العلاقات العابرة، لكنه جميل الخلقة ولذلك أحبته وفي هذا قالت: "الزِّينْ بْلَا لُولَةْ اعْطِيَّةْ الْمُولَى".