الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: المغرب …إلى أين ؟

عبد الجليل أبوالمجد: المغرب …إلى أين ؟ عبد الجليل أبوالمجد

من البديهي القول إن ما نحن عليه في مغرب اليوم من معضلات اجتماعية واقتصادية إنما هي وليدة تراكم سياسات خاطئة ومطالب ومشاكل عديدة لم تعالج في وقتها بطريقة فعالة.

السؤال الشائع بين المغاربة في الوقت الراهن هو إلى أين يذهب المغرب، يقولونها بالعامية "فين غاديا البلاد؟" وهذا السؤال الكبير والمحير ليس بجديد، إذ يتبين من بعض الأدبيات التي غطت مرحلة النصف الثاني من القرن الماضي أن المغاربة، كما غيرهم من المجتمعات، طرحوا هذا السؤال مرات عديدة.

ومن المعروف أن هذا السؤال المصيري يأتي دائما بعد الإحساس بالخوف من المستقبل، والقلق بعد الوقوف على ضبابية الأشياء يأتي ذلك بالنظر إلى ما يخفيه المستقبل من تطور تكنولوجي هائل وتحديات متسارعة، تتوزع بين الفقر والكوارث والحروب والأوبئة والنزاعات حول الأرض والموارد الطبيعية.

وهذا ينطبق حاليا على المغرب الذي يعيش ظروف سياسية واجتماعية صعبة وغير اعتيادية.  فعلى المستوى السياسي لم يحدث الانتقال الديمقراطي المنشود مما أحدث حالة انتظار سلبي و"خيبة أمل"  لدى من كانوا يتطلعون إلى إرساء دعائم إصلاح حقيقي من شأنه نقل البلاد إلى دولة عصرية ديمقراطية، حيث الوضع ازداد سوءا نتيجة الفراغ وسيطرة الانتظارية على صعيد المشهدين السياسي والنقابي، واستغلال نفس الوجوه السياسية الوراثية للمناصب، دون مراعاة لمبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص بين الناس، وغياب المساءلة والوضوح. وينضاف إلى ذلك أن تغيير الحكومات والتعديلات الوزارية، كان سابقا، ينجح في التنفيس الشعبي وفي استعادة الثقة، لكنه الآن أصبح مفرغا من مضمونه.

وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي يواجه المغرب صعوبات لا يبدو الحكومات المتعاقبة قادرة على وضع الحلول المناسبة لها، ذلك أن السياسات المتبعة، مع الامتيازات المخولة للبعض أدى الى تدحرج الفئات المتوسطة إلى الأسفل. في حين أن أغلب الدول المتطورة تعمل على دعم وتوسيع الطبقة الوسطى، بينما في المغرب يحدث العكس بسبب  زواج المال والسلطة وخوصصة الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة ونقل...الخ أدت إلى استنزاف جيوب الأغلبية وإغناء المنتفعين، وبالتالي اتساع الفجوة بين أغنياء وفقراء المغرب. فالتعليم مثلا تحول إلى سلعة يدفع ثمنها غاليا المغاربة مما من شأنه أن يضر المجتمع بكامله على المدى الطويل. وهذا يبعث على القلق من المستقبل.

وهذا ما كشفه مؤخرا التقرير الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث تراجع ترتيب المغرب في مؤشر التنمية البشرية (معايير الصحة والمعرفة ومستوى العيش)، من المرتبة 122 سنة 2020 إلى المرتبة 123 خلال سنة 2021، إذ جاء متأخرا خلف العراق ولبنان والجزائر ومصر ودول  أسيوية أخرى كدولة التايلاند  التي تحسنت وضعيتها في الترتيب، حيت احتلت الرتبة 66 بفضل مجهودات الدولة والمؤسسات التايلاندية.

ليس من الصعب معرفة كيف وصل المغرب إلى هذا الوضع وإلى أين يسير؟ فالسياسات الليبرالية المتوحشة من تخفيضات في النفقات الاجتماعية وخوصصة الخدمات العامة أدت إلى تآكل الظروف المعيشية. ومن المفارقات الغريبة في المغرب، أن معظم المدخرات من هذه التخفيضات قد توجهت نحو دعم الشركات الخاصة من خلال الإعفاءات الضريبية وتمويل المقاولات في محاولة لتحقيق النمو الضائع والتنمية المفقودة.

يستشف مما سبق، أن المغرب يمر بأوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، وأمامه تحديات وأزمات إقليمية ودولية لها ما لها من انعكاسات على المغرب واستقراره، كما يعاني من ضعف إداري لا يساعد على التطور والتنمية، وتراجع في  الكثير من القطاعات التي كان المغرب يوما نموذجا يحتذى في تطورها وريادتها، ولكن كل هذا لا يعني أن الدولة ككيان وجهاز سياسي في خطر، وأن المغرب مقبل على حالة من الفشل التام، ولو كان الطريق محتوما لكل دولة تعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية لما بقيت دول في العالم من حيث المبدأ، فجميع  الدول لديها مشاكلها وقضاياها وتتعامل معها وفقا لإمكانياتها وقدراتها.

وصفوة القول إن المغرب يواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، وتكثر تساؤلات المغاربة عن الآتي من الأيام ويتساءلون: عن مستقبل أبنائهم وبناتهم الذين باتوا عالة عليهم .هل سيتحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي؟ هل سيجد مئات الآلاف من الشباب المغربي الذين هرموا مبكرا فرص عمل؟

ختاما، من أجل خروج  المغرب من النفق، المطلوب بناء أسس جديدة للتعامل مع المشاكل الداخلية والضغوط الخارجية، عبر توافق وطني، يتحلل من الوصفات الجاهزة القائمة على تغيير الحكومات وتبادل المراكز والحقائب والمناصب، والعمل بدلا من ذلك على تشكيل أطر سياسية وحكومية وطنية فعالة قادرة على معالجة القضايا الحالية، دون مزيد من التأخير. فهناك دائما أضواء في آخر النفق.