الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

العياشي الفرفار:سراويل بلا أحزمة... ملاحظات حول الهوية الرخوة

العياشي الفرفار:سراويل بلا أحزمة... ملاحظات حول الهوية الرخوة العياشي الفرفار
هل هناك علاقة محتملة بين ارتفاع نسبة الطلاق المرعبة وسلوك شباب بلا حزام؟
يكفي أن تجلس ساعة في إحدى الأماكن العامة أو الشوارع لترصد جملة ملاحظات سهلة، يسهل الحصول عليها، لاسيما حول طرق التصرف، انماط العيش، التفكير وأشكال اللباس .
من بين الملاحظات الخاصة بطريقة ونوع اللباس أن أغلب الشباب لا يضعون أحزمة وأن البعض منهم مر من أمامنا شاب لا يستطيع حتى رفع سرواله والتحكم فيه، ثمة اسئلة تطرح تحتاج الى دراسة دقيقة من اجل تقديم اجابة علمية، هل هناك علاقة بين غياب الحزام، انتشار السلوكات الرخوة، غياب الجدية، ارتفاع نسبة الطلاق، التفكك القيمي والاخلاقي المتزايد والانسحاب من الواقع والهروب منه.
لمائا لا يضع الشباب الحزام / السمطة ؟
عبارة عميقة ودالة وكثيفة تحيل الى واقع يتشكل يوميا، ويشكل هوية جديدة لكنها هوية معولمة تصنع هناك خارج جغرافية الهوية المحلية المسيجة بقيم مؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية (الأسرة -المدرسة -الحزب -الجمعية -الحومة والحي.
ربما الرجوع بعض الشيء الى الوراء يكشف حجم الاختلاف بين الشباب، وربما جوهر المقارنة يقود الى استنتاج بسيط انها مقارنة بين هوية صلبة وهوية سائلة؟
هوية صلبة تجد اساسها في المؤسسات الحاضنة لها والمسؤولة عنها كمؤسسات قوية وفاعلة ولها تأثير ومفعول على سلوك الأفراد، فالأسرة والمدرسة والحي والدوار والجماعة والقبيلة والعائلة كلها اطارات لبناء هوية تحترم المشترك الجمعي وتحافظ على القيم الاجتماعية والاخلاقية كاطار للسلوك، و هو ما انتج جيلا صلبا قويا، متحكم في جسده و في لباسه و حتى في عواطفه.
اما الهوية السائلة فهي هوية هجينة تصنع هناك و في مكان ما، وإن شئنا التدقيق في اللامكان، انها هوية سائلة و ذائبة تنتج الكثير من السلوكات الرخوة مظاهرها تتجسد في انماط سلوكية غريبة تغزو شوارعنا وأحيائنا مثل نوع اللباس و كيفية اللباس ونوع الحلاقة و كيفية الكلام ونوع الكلام و اشكال التواصل والحوار والعلاقة مع المحيط والاسرة، حتى العاطفة اصبحت عاطفة سيالة ورخوة، نسبة الطلاق عند الشباب كبيرة مما يعكس انه شباب بهوية سيالة و سائلة. / متوسط عمر الزواج ست أشهر ؟؟؟
العولمة اخرجتنا من هويتنا الصلبة المسيجة بالأعراف والتقاليد والقيم المتوارثة واستطاعت ان تصنع لنا هوية سائلة لا تعترف بالثبات والقيم والأعراف حتى أنها استطاعت أن تجعل الشباب لا يستطيع التحكم حتى في سرواله ولربما التخلي عنه ..
فالهوية البديلة والسائلة هي عملية تذويب الثقافة المحلية وإعدامها من خلال تشجيع منطق الاستهلاك. عبر تكوين ثقافة استهلاكية عالمية أحادية المصدر، جارفة، لا تبالي بتنوع القيم ولا باختلاف العادات والتقاليد تهدف إلى هندسة مجتمعات مقولبة وسائلة بلا أصل وبلا تاريخ هي ثقافة تعادي كل من يقف امام الاستهلاك، لذا نجد اغلب الاحزاب ذات المرجعية الليبرالية تتبنى مشروعها الايديولوجي من اجل فسح المجال امام العولمة لكي تسود وتهمين. وهو ما يفسر شدة الغضب والتوتر الذي صاحب حملة المقاطعة لبعض منتوجات بالمغرب، لدرجة ان اصحاب الشركات تخلوا عن كبريائهم وقدموا اعتذارا لكنهم غير مستعدين للتخلي على ترسيخ ثقافة الاستهلاك لأنها للطريق الوحيد نحو الربح والمزيد من الربح.
العولمة نجحت في ربط اللذة والسعادة بالاستهلاك، فسعادتك رهينة بما تستهلكه لذا لانفاجى ان المتاجر الفاخرة بواجهاتها الزجاجية تتكاثر، فالسعادة تعني القدرة على الاستهلاك والنتيجة تراكم الأزبال لأننا نشتري أكثر مما نستهلك، فأصبحنا عاجزين حتى عن تدبير وجمع ازالنا ليس لان عمال النظافة لا يقومون بمهاهم ولكن لأننا ننتج الكثير من الأزبال.
العولمة والاستهلاك جعلتنا نملك فائضا من الأزبال بسبب كثرة الاستهلاك وربط سعادتنا وفرحنا به، بعد ان كنا بلا مطارح ولا مزابل، وأننا نشتري ما هو أساسي. أتذكر مساء كل اثنين وهو يوم السوق الأسبوعي، هو اليوم الوحيد لكي نأكل فيه اللحم، فكان يوم عيد، نلتقي على طبق واحد، نأكل وإذا تبق شيء فإن الكلب أمام الباب ينتظر دوره فيما تبقى من عضام وفتات خبز اما القط فهو يقيم تحت الطاولة يشاركنا وجبة العشاء ولو خلسة، فلا شيء يضيع ولاوجود للأزبال؟
الاكيد ان العولمة نجحت في ترسيخ منطق السعادة كلذة وهو منطق يقود الى الكسل والتراخي، لدرجة الشباب لم يعد قادرا حتى على المضغ فكيف له بكسب الرزق
شباب لا يستطيع حتى التحكم في سرواله فكيف له أن يتحكم في وقته وفي جسده.
العولمة الماكرة استطاعت ان تصنع كائنات معولمة وليس عالمية، البعض يعتقد واهما انه يعيش ما يعيشه الاخرون ولعل الأفلام والمسلسلات المدبلجة بالعربية تمنح المشاهد لذة واسترخاء وحتى إحساسا بالتفوق لأن الآخرين يتكلمون لغته.
انهم لا يتكلمون لغتنا، بل إنهم يوظفونها لسرقوا منا هويتنا الصلبة واستبدالها بهوية سائلة يكون فيها الشباب غير قادر حتى على المضغ.