الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

رشيد يحياوي: الخريف الأوربي على الأبواب

رشيد يحياوي: الخريف الأوربي على الأبواب رشيد يحياوي
تنفس بعض البسطاء الصعداء بعد انسحاب الجيش الروسي مؤخرا من مناطق شاسعة من أوكرانيا و أطلقوا العنان لمخيلاتهم من أجل رسم صورة نصر و لو آني على خصم يقرون في قرارة أنفسهم أن هزمه مستحيل، و لكنهم معذورون في نسجهم لأحلام قد تبدو صعبة التحقق، لأن تصوراتهم منبثقة من خلال تتبعهم لقنوات  تبث تحليلات فضائية لمحللين وأشباه خبراء  يفسرون أحداثا من نسج الخيال و لا صلة لها بالواقع.
هذا حال العوام، أما الخواص من أولئك المكتوين بنتائج الأزمة الأوكرانية، فهم يعلمون جيدا أن القادم أسوأ و الخافي أعظم.
فصناع القرار في أكرانيا متدبدبون، لا إلى هؤلاء الذين وعدوهم بالمؤازرة و خذلوهم، و لا إلى أولائك الذين زجوا بهم في فم المواجهة النارية و منعوهم  من عقد الصلح مع جارتهم روسيا. إنهم و الاخرون يعلمون جيدا أن الدخول في حرب مع دولة كروسيا و التي لها مصادر طاقة هائلة و تشارك و تتحكم  في صناعات متعددة ليس بالامر الهين. ثم إن لديها 25 بالمائة من المياه العذبة  و ليس لديها خصاص البتة، في حين أن الدول الاوربية تعيش أزمة مائية خانقة أنشفت ريق سياسييها الذين يتخبطون في عواقب سوء تدبير لم يسبق له مثيل، يواجهون بسببه معارضة شرسة من قبل الأحزاب الأوربية التي  ترى أن مؤسساتهم الحاكمة و معها حلف الشمال الاطلسي تنطلق في نسج قراراتها من خلال رؤية خاطئة و مضللة ستؤدي الى انهيار الاتحاد الأوربي و كذلك ستعجل بانهيار الاقتصاد الأوربي الذي يعتمد على القطاع الخاص.
الواقع يؤكد أن هناك هوة بين قرار الساسة و شعوبها و الأعراض بدأت تظهر حقا  في التظاهرات المناوئة لقرارات بعض المهرجين من الساسة الأوربيين. 
فبعدما شهدنا تهلهلا في جسم أوربا ( المتضامن) شكليا خلال أزمة كورونا، هاهي الأزمة الأوكرانية تؤكد ذلك التخلخل في اتخاذ القرارات، بحيث أن دولا كبرى أعلنت أن تأمين احتياجاتها وصل إلى حوالي ثمانين في المائة و عشر دول أخرى هي بلا مخزون احتياطي ستواجه مصيرا كارثيا إن لم يتم مساعدتها. علما أن مشكل الطاقة و الغاز ليس هو الوحيد، لكن هناك مشاكل أخرى حتى وإن كان هناك تأمينا للطاقة و الغاز.
إن المشكل المفصلي هو مسألة التضخم بالموازاة مع ارتفاع أسعار الطاقة، يليه ارتفاع أسعار مواد كثيرة منها المواد الغذائية و  المواد الأولية للمواد البيترو كيماوية التي سينقطع إمدادها عاجلا، مما سيضع مؤسسات أوربا أمام معضلة  تسريح العمالة نتيجة لنقص الأرباح.  
لقد تنفست أوربا بعد مرور جائحة كورونا و لكنها دخلت في ضائقة التضخم و هاهي تبتلى بمصائب أزمة الطاقة. 
هذا كله و الحكومات الأوربية  تعطي حلولا مؤقتة و تدور لحد الآن في دوامة تشربك فيها الحابل بالنابل و تسير نحو نسج
خريف أوربي شبيه بذلك الذي شهده العرب و سمي بالربيع العربي، فكما تخربط و تشقلب الأمر في الشرق الأوسط سيخرب البيت في أوربا. هذه الأخيرة في حاجة إلى أن تغير خططها السياسية الفاشلة و إلا فالخريف و الشتاء سيكونان قاسيان عليها  و سيكون عليها مواجهة حراك شعبي ستجد نفسها مضطرة إلى الانصياع لمطالبه.
فما الذي يمنع القارة العجوز  إذن من مراجعة سياساتها ؟
إنها بلا شك التبعية السياسية لأمريكا و بريطانيا.
لقد صرح ماكرون أن أمريكا تسعى إلى تجزئة أوربا،  ثم إن تبعية ألمانيا لأمريكا ستطيح حتما بمستشارها كما أطاحت بجونسون من قبل، حيث أسقطته الشركات الخاصة التي تضررت من جراء قراره مواجهة روسيا.
 و رئيس الوزراء في إيطاليا تمت إزاحته بعد أن اتخذ سياسة متشددة ضد روسيا و هلم جرا من الساسة المتسرعين على مائدة ولي نعمتهم الأمريكي الذي يتفرج على المواجهات بين الدول الاوربية ، و التي بدأت توا في بولندا حيث طالبت ألمانيا بتعويض  قدره حوالي 2 تريليون عن الحرب في الأيام الخالية.
إن الحراك الشعبي جدي  وسيطالب بدعم الشعب الأوربي بدل الحكومة  الأكرانية و بدل التبعية لأمريكا، و الحلول المؤسساتية ترقيعية و مضحكة من قبيل أن لا تلبس ربطات العنق حتى نقتصد في استهلاك الطاقة بحيث لا نضطر إلى تكييف، أو أن يقلل من الاستحمام و من  شرب الشاي كي نقتصد في كمية الغاز المستهلك ! هذا هو اقتصاد الشمع لأن زمن الوفرة قد ولى كما قال ماكرون. 
استراتيجيا، فإن السياسة الأوربية قد تحطمت تماما ، فأين هو  العقد الأخضر الذي تبناه الاتحاد الاوربي  حتى عام 2024 حين اتفق على تنحية الفحم  و تقزيم انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون و حصراستهلاك السيارات في  الكهرباء  الهايبريد!!!
 تلك السياسة انهارت، و هاهي فرنسا تريد ان تشغل 36 مركز  طاقة نووية و العودة إلى استهلاك الفحم الحجري الذي يذكرنا بأيام  كوارث المناجم المهترئة التي كانت تفتقر الى ابسط شروط السلامة حيث قضى فيها الآلاف من الأبرياء وخصوصا  المهاجرين القادمين من دول المغرب الكبير ، لقد عادت حليمة الى عادتها القديمة، عادت الى سياستها المدمرة للبيئة و للعشيرة و هي التي وقعت اتفاقية المناخ في الأعوام الماضية و تعتبر نفسها قائدة العالم  من أجل اتفاقيات تغيرات المناخ استراتيجيا. 
لقد تراجعت أوربا عشرات السنين في الأطر و الأولويات، في المقابل  استفادت روسيا  من الحرب، فبمجرد احتفاظها بالمناطق التي ضمتها سيرتفع دخلها من الطاقة و الغاز  أضعافا و كلما استمرت الحرب سيرتفع مستوى مطالبها للصلح، أما مسألة انسحابها من مناطق كانت قد تقدمت فيها سابقا، فهو مجرد تكتيك و القادم أنكى و أمر على الخصم كما يظهر من خلال تصريحات المسؤولين الروس، و لا نتمنى مواصلة المواجهة بين الطرفين  و ندعو إلى إعادة التعاون بين  ألمانيا وروسيا الذي  لم يرض الأمريكان  حين وقعتا من قبل على مشروعي نور ستريم الأول و الثاني، و نغض الطرف عن أوربا التي سمحت لبعض البنوك الأوربية بالتعامل مع الأبناك  الروسية حتى تلتف على العقوبات التي فرضتها على الروس و لا سبيل لها إلا السلام مع روسيا  فالكل يعلم أن القارة العجوز لم تعد تقوى لا على تحمل  مطرقة أمريكا التي هشمت وحدتها و لا على سندان روسيا الصلب الذي لا يتزعزع أمام عقوبات صداها سينقلب بردا قارسا يثلج بيوت الشعوب الأوربية المسكينة.