الجمعة 26 إبريل 2024
اقتصاد

عمر الفرخاني: الجودة المعمارية ليست من مسؤولية المهندس المعماري بل هي مسألة سياسية بالأساس!؟

عمر الفرخاني: الجودة المعمارية ليست من مسؤولية المهندس المعماري بل هي مسألة سياسية بالأساس!؟ عمر الفرخاني ومشهد لنمط معماري بمدننا
في خرجة جديدة لا تخلو من إثارة طرح عمر الفرخاني المهندس المعماري والرئيس السابق للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين بالمغرب، سؤالا رئيسيا حول من المسؤول عن الجودة المعمارية؟ المستهلك أم المستثمر!؟.
وأوضح الفرخاني في تدوينة مؤرخة في 30 غشت 2022 أن ما يقارب 85٪ من الإنتاج الحالي للإطار المبني يتميز بجودة متوسطة أن لم تكن ضعيفة، من الناحية المعمارية والعمرانية. وهذا ما تشكله بشكل أساسي البنايات السكنية مما يسمى خطأ الطراز المغربي المتمثل في السفلي بإضافة طابقين أو ثلاثة !!، الذي يناهز 44.5 ٪ مما يتم بناؤه كل سنة، وكذلك السكن الاجتماعي بنسبة %23,7 كما أن أقل من 10% فقط من البنايات المشيدة يمكن اعتبارها ذات جودة معمارية محترمة ويتعلق الأمر خاصة بالمباني الإدارية وبعض المشاريع الأخرى التي يطلب أصحابها نوعا من الجودة المعمارية ويوفرون في سبيل الحصول عليها  كل الوسائل  الممكنة.
 
واعتبر الخبير المعماري إن المراكز الحضرية العتيقة وتلك التي ترجع إلى الحقبة الإستعمارية، على الرغم من حضورها النوعي الرمزي والوظيفي القوي، لا تمثل الآن سوى جزءا صغيرا جدًا من المجال الحضري. بينما  تم بناء أكثر من 95٪ من المساكن القائمة بعد عام 1956.

وارجع الفرخاني ظاهرة  "عدم الجودة المعمارية " هذه لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وذكر منها:
1- ضعف القوة الشرائية لغالبية المواطنين المغاربة والذي يحد من متطلباتهم من حيث الجودة، لاسيما بخصوص السكن الذي يعتبر بالنسبة لهم منتوجا اقتصاديا مكلفا للغاية.
 
2- من النادر أن يتوفر المستهلك المغربي للبناء على الثقافة الفنية والتقنية التي تسمح له بتقدير القيمة المعمارية المضافة التي يقدمها البناء، بل وقد لوحظ ذلك  حتى عندما تكون لديه الإمكانيات الاقتصادية.

3- لم يتم إعادة النظر في المراجع التشريعية والتنظيمية الموروثة من فترة الحماية منذ 65 سنة من الاستقلال وهي المراجع  القديمة التي تم تجاوزها اليوم.
 
وأصبحت الحاجة إذن حسب الفرخاني إلى تطوير آليات الإنتاج وتكييف البناء في انسجام تام بين متطلبات السوق والإطار التنظيمي، بشكل يتلاءم مع رغبات وتوقعات المستهلك.
 
في نهاية المطاف يضيف المحلل المعماري أن الجودة المعمارية والحضرية مرتبطة بمستوى التنمية الاقتصادية والثقافية للمجتمع. ذلك ان الجودة الشاملة للبيئة المبنية لبلد ما تترجم نسبة تقدم هذا البلد في التعلم وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما هو الشأن في بلدان شمال أوروبا.
 
لذلك يؤكد الرئيس السابق للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين بالمغرب، على إن الجودة المعمارية هي في نهاية المطاف مسألة سياسية بامتياز. وحان الوقت لدعم مختلف السياسات "الكمية" لإنتاج المساكن التي اتبعت بعضها البعض حتى الآن في بلدنا، مع سياسة معمارية تنفذها الحكومة تعطي أهمية للجودة المعمارية والعمرانية، من خلال  تدخلات جميع الإدارات الوزارية المعنية:
 
الإسكان، الثقافة، التربية الوطنية، إلخ. وبالتالي إن الاستمرار في جعل المهندس المعماري كبش فداء سيؤدي إلى نتائج عكسية، ولن يعفي الحكومات المتعاقبة من مسؤوليتها السياسية في التدهور المتزايد وبشاعة  البيئة الحضرية للمغاربة.
 
وإلى ذلك تساءل الفرخاني في الأخير كيف يمكن تفسير أن هيئة المهندسين المعماريين تطالب بدون جدوى، لمدة أكثر من 30 عامًا، بنشر بسيط لقواعد واجباتها المهنية في الجريدة الرسمية (code des devoirs) (professionnels) بينما ظلت  تتعرض المهنة طيلة هذه المدة للتضييق عبر بعض النصوص، مثل القانون 66-12 الذي ضخم من مسؤولية المهندس المعماري دون أن تصاحب ذلك تدابير دعم جادة أخرى لتسهيل ممارسته المهنية، والتي تهدف أساسا إلى إنتاج الجودة.
 
وبالنظر إلى الحساسية المتزايدة للمواطنين المغاربة تجاه جودة بيئتهم المبنية ،فقد حان الوقت للسلطاة العمومية إذن  لتولي هذه القضية بشكل مسؤول وجاد ، عبر وضع مسألة الجودة المعمارية والعمرانية في قلب سياساتها العامة.