الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

من يتحمل مسؤولية إهمال وتهميش شاطئ ومركز اَلْبَدُّوزَةْ في زمن تشجيع السياحة؟

من يتحمل مسؤولية إهمال وتهميش شاطئ ومركز اَلْبَدُّوزَةْ في زمن تشجيع السياحة؟ شاطئ البدّوزة

يقع مركز البدّوزة على بعد 30 كلم شمال مدينة أسفي، حيث يمتاز شاطئها (اَلْكَابْ) بموقعه الاستراتيجي والحيوي، على اعتبار أنه يطل على الواجهة الأطلسية، وتعدّ البدوزة التي تتجاوز ساكنتها 20 ألف نسمة، مركزا لكل من ذات الجماعة القروية وقيادتها الإدارية التابعتين لدائرة حرارة بإقليم آسفي بجهة مراكش آسفي.

 

"رَاسْ لَبْحَرْ" بدون مزاج رغم "المنارة"

في سياق متصل يصف خبراء مجال الساحل البحري بشاطئ البدّوزة كونه عبارة عن "رَأْسْ بَحْرِي"، حيث يتميز بخطورة الأمواج والصخور البحرية، ولهذا السبب شيَّد الفرنسيون منارة لإرشاد السفن العابرة. وتعتبر منطقة البدّوزة وجهة للعديد من محترفي وهواة الصيد بالقصبة بحكم أنها تتوفر على عدة مناطق للصيد نذكر منها (حْرَشْ مِيلَحْ - اَلْبَطْحَاءْ- عْوِيلِي عَيْنْ اَلمُشَّةْ ـ الدَّرْبَالِيَة ـ تَسَرَّافْتْ...). لذلك فإن أغلب ساكنة هذه المنطقة تعتمد على الصيد البحري كمورد اقتصادي للعيش ومواجهة تكاليف الحياة.

أما على المستوى السياحي فإن شاطئ البدوزة يعتبر قبلة للعديد من المصطافين من الفئات المتوسطة الدخل خلال فصل الصيف نظرا لميزة طقسه بانخفاض الحرارة خلاف مدن ساحلية أخرى (25 درجة)، بالإضافة إلى ما يشكله تاريخ المنطقة العريق من تمثلات في المخيال الشعبي، انطلاقا من كنوز الموروث التراثي على مستوى فن العيطة الحصباوية .

ورغم هذه المعطيات المهمة التي حباها بها الله جغرافيا وتاريخيا، فإن مركز البدّوزة لم يشفع له للأسف الشديد بأن يصبح جوهرة منطقة الحصبة، حيث أن أغلب من التقتهم جريدة "أنفاس بريس" تحدثوا بمرارة عن التهميش الذي تتعرض له منذ عقود دون أن تعرف ولو التفاتة بسيطة ممن أسند إليهم أمر تدبير شأنها المحلي.

واقع البدوزة المؤلم

في بعض المناطق الشاطئية المتاخمة لحاضرة المحيط (أسفي) يشعر الزائر/السائح أن هناك بعض اللمسات الشبه العملية طالت المرافق الإستقبالية والاجتماعية والصحية استعدادا لاستقبال الوافدين عليها، لكن للأسف الشديد لا شيء يوحي بأن شاطئ البدوزة سيستقبل ضيوفه الفارين من جحيم حرارة الصيف التي تعدّت المألوف هذا الموسم الحارق، والدليل هو أنه أينما وليت وجهك تلتقط عيناك صورا ومشاهد تكرس التهميش والتخلف على جميع المستويات. وتستغرب لغياب المؤسسة المنتخبة محليا حين تستأنس مع وجود عدة نقط سوداء تتكدس فيها النفايات والأزبال بمختلف أنواعها. وعلى جنبات طريق المركز تتألم لأشجار تموت واقفة بعد أن اغتالتها أيادي الإهمال. بنايات لم تذق طعم "ماكياج" الصباغة وتعاني من نقص مهول على مستوى تزيين واجهاتها الإسمنتية التي تشهد على تقادم مدة الصلاحية في كل شيء.

السؤال الذي حير ضيوف البدوزة هو هل فعلا هناك مؤسسات تتحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي، وتقوم بواجباتها التي حددها المشرع على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياحي والبيئي والتنموي بصفة عامة؟

غلاء فاحش يطال كل المواد الاستهلاكية

في مركز البدوزة كل شيء متروك للمزاج، وفي غياب لجن المراقبة ذات الصلة بحماية المستهلك، قفزت أثمنة بعض المواد الاستهلاكية إلى نسبة تتجاوز 70 في المائة والدليل أن مواطنة اشترت علبة سمك ممتاز بثمن 15 درهم في حين لا يتعدى ثمنها الحقيقي 9 دراهم. وهذا السلوك يمكن قياسه على كل المواد الاستهلاكية .

في الحاجة إلى تشجيع الاستثمار

طريق المركز أو لنسميه تجاوزا "الشارع" اليتيم بمركز البدوزة، كان من الممكن أن يتحول إلى ممشى سياحي يستقطب الضيوف والزوار والمصطافين، وكان من الممكن أن يخلق حركية اجتماعية واقتصادية وتجارية منقطعة النظير، ويساهم في الترويج لذاكرة منطقة الحصبة وتاريخها العريق، لكن للأسف باستثناء بعض البنايات الإسمنتية التي تحمل اسم مؤسسات عمومية وخاصة، تعكس حقيقة الواقع المؤلم والبئيس، مما يساهم في تراجع السياحة الداخلية وينفر السياح من التوافد على ساحل الكاب الذي ذكرته وثائق التاريخ.

كان من الممكن أن يجد السائح المغربي متحفا يضم معارض وأروقة تحتوي على تحف فنية وتراثية ذات الصلة بذاكرة الموروث الثقافي الشعبي لمنقطة الحصبة. وكان من الممكن إحداث قاعة للعروض الفنية التراثية، وأخرى للندوات والمحاضرات وتخصيص برامج ثقافية وفنية. وكان من الممكن أن يسحر القائمون على الشأن المحلي قلوب الناس بمناظر خلابة ترتبط بفن البيئة والمناطق والأحزمة الخضراء، والمزيد من المرافق التي تساهم في التنمية المحلية، وتشجيع السياحة الداخلية. وكان من الممكن أن تعمل المؤسسات المنتخبة (محليا وإقليميا وجهويا) في سياق الشراكات، على إحداث المعابر الطرقية نحو الشاطئ انطلاقا من المركز (كثرة المنحدرات الوعرة)، وتبني أدراجا للمصطافين بهندسة تليق بقيمة الشاطئ، وتحدث بنيات استقبالية تساعد على قضاء عطلة بطعم ثقافة البحر.

"كنا نمني النفس بقضاء عطلة جميلة بين أحضان ذاكرة منطقة الحصبة، والتعرف عن قرب عن ذاكرة موروثها الثقافي والفني، لكن للأسف بعد حصار سنتين من جحيم كورونا، وجدنا أمانا جحيم غلاء الأسعار، ولم نجد سوى تكريس الإهمال والتهميش". يقول أحد ضيوف الكاب الوافد من الجنوب المغربي وتحديدا من مدينة كلميم حيث تساءل عن دور المؤسسات المنتخبة بقوله: "أين هو محل المجلس الإقليمي والمجلس الجهوي بعد أن عجزت الجماعة الترابية عن النهوض بمجال ساحلي يستحق العناية اللازمة ليلعب دوره التنموي بالمنقطة؟"

لقد حان الوقت لرد الاعتبار لمركز البدوزة وشاطئ الكاب، وتشجيع الاستثمار وخلق فرص التنمية الشاملة بعيدا عن سياسة كم حاجة قضيناها بتركها.