السبت 20 إبريل 2024
في الصميم

المدخل الفعلي لتحقيق مصالحة المغرب مع ساكنة المناطق الجبلية

المدخل الفعلي لتحقيق مصالحة المغرب مع ساكنة المناطق الجبلية عبد الرحيم أريري
إذا كانت الأمم المتحدة قد جعلت سنة 2022 هي: «السنة الدولية للتنمية المستدامة للجبال»، فإن المغرب بإمكانه أن يجعل سنة 2022 هي السنة صفر لانطلاق عداد مصالحة المغرب مع سكان المناطق الجبلية. خاصة وأن المناسبة شرط، تتجلى في شروع الحكومة في إعداد القانون المالي للسنة المقبلة، بالنظر إلى أن القانون المالي ليس فقط أرقاما وأبوابا وفصولا، بل هو وثيقة تعكس توجهات وأولويات الدولة.

للأسف ظلت المناطق الجبلية بالمغرب مهملة ومهمشة ومحتقرة طوال الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام منذ استقلال البلاد إلى اليوم، علما أن الجبال تمثل ربع مساحة المغرب ويقطنها حوالي ثلث المغاربة، وتضخ الزيت في محركات الاقتصاد المغربي بفضل المخزون المائي والمخزون الغابوي والمخزون المنجمي الذي توفره.
ولا تستحضر الحكومة سكان الجبال إلا في موسم البرد القارس من كل سنة، علما أن ساكنة المناطق الجبلية لا تحتاج إلى إحسان ظرفي بتوزيع «بطانية» ونصب خيمة مستشفى ميداني مؤقت وتوزيع بضع أكياس من الدقيق والزيت على بعض الفئات الهشة، بقدر ما تحتاج إلى تمكينها من الحق في الثروة ومن الحق في عدالة مجالية وإنفاق عمومي يراعي خصوصيات أقاليم الجبال من جهة، ويراعي الخصاص المتراكم على مر العقود من جهة ثانية.

نعم، يصعب ترميم جراح ساكنة الجبال بالمغرب من خلال قانون مالي واحد، ولكن لو توفرت الإرادة للسلطة العمومية لطي ملف «سنوات الرصاص الجبلية»، فإنها قد تجعل من اللحظة الحالية لإعداد قانون مالية 2023، مدخلا لحسن النية كعربون على صدق نوايا السلطات العمومية لإنصاف ساكنة المناطق الجبلية.

هذا العربون يتجلى في أن تبرمج الحكومة في قانون المالية المقبل الاعتمادات اللازمة لإصلاح وترميم المنشآت الفنية (القناطر) الموجودة بالطرق والمسالك الجبلية. فحسب المعطيات الرسمية هناك 6646 قنطرة بالمناطق الجبلية تستوجب التدخل العاجل من طرف الدولة، وهي قناطر تمثل خطرا على سكان الجبال من جهة، وتزيد من عزلتهم من جهة ثانية، وتحرمهم من التنقل لقضاء أغراضهم التجارية أو الإدارية أو الصحية وغيرها من جهة ثالثة. وتتوزع مخاطر هذه المنشآت الفنية وفق التصنيف التالي:
أولا: 885 قنطرة متدهورة للغاية.
ثانيا: 2614 قنطرة غاطسة  submersibleبشكل يجعلها مغمورة بالمياه ولا ينتبه السائقون فتقع فواجع بالأودية.
ثالثا: 110 قنطرة محدودة الحمولة.
رابعا: 3037 قنطرة ضيقة.

وحسب ما توفر من معطيات فإن إصلاح هذه القناطر وترميمها لجعلها أكثر أمانا، يتطلب غلافا ماليا في حدود 6 ملايير درهم. وإذا علمنا أن سكان الجبال يصل عددهم إلى حوالي 9 ملايين نسمة، فمعنى ذلك أن هذا الغلاف لا يمثل سوى 666 درهما لكل مواطن قاطن بالجبل.
أيعقل أن تتقشف الدولة على ساكنة الجبال بمبلغ 6 ملايير درهم، أي 666 درهم لكل مواطن، علما أن هذه الجبال هي التي تزود المغرب بكل المقومات الاقتصادية كما أسلفنا (وعلى رأسها الماء)؟
هل يستساغ أن ترصد الدولة لكل المدن أغلفة للتجديد الحضري وللتنمية الحضرية وتستثني مدن وقرى الجبال؟
هل من المنطقي أن توجه الدولة رادار السياسة العمومية للواجهة المتوسطية وللواجهة الأطلنتية وتشطب على الشريط الجبلي؟
هل من العدل أن تؤمن المناطق الجبلية، بحكم أنها أحواض هجرة نحو الخارج، ثلث حاجيات المغرب من العملة الصعبة (90 في المائة من مغاربة العالم ينتمون لأقاليم جبلية) عبر تحويلات وصلت في السنة الماضية 100 مليار درهم، وبدل أن يخصص جزء من هذه الثروة لتنمية مناطق الجبال يتم تجاهل هذه المناطق في التخطيط والبرمجة؟

إذا استحضر الفاعل الحكومي والبرلماني هذه الأسئلة المقلقة وترجمها في مشروع القانون المالي الذي يتم تحضيره حاليا للسنة القادمة وشارع برصد 6 ملايير درهم لإصلاح المنشآت الفنية أولا، آنذاك يمكن أن نشهر في وجه الدولة الحق في تمكين المجال الجبلي من خطة جريئة لتحقيق المصالحة، شريطة تنفيذها في فترة معقولة تتراوح بين خمسة وعشرة أعوام، هذه الخطة ترتكز على المحاور التالية:
الركيزة الأولى، تتمحور حول تمتيع مدن الجبل (من الحسيمة إلى تخوم أسا) بأوطوروت تمر عبر صفرو وبني ملال وخنيفرة وورزازات، مع ربط هذه الأوطوروت بالواجهة الأطلسية؛
الركيزة الثانية، تهم ربط هذا الشريط الجبلي بخطوط السكك الحديدية؛
الركيزة الثالثة، تتجلى في خلق أقطاب حضرية جديدة بالمناطق الجبلية تستجيب للطلب المتزايد على التمدن من جهة، وتلبي الخصاص الفظيع في هذه المناطق من جهة ثانية، علما أن المغرب ككل يعرف كل سنة توافد ما بين 450 ألف و500 ألف نسمة على الوسط الحضري، وهي هجرة قادمة بالأساس من المراكز والقرى المنسية بهذا الشريط المنسي فهل من مجيب؟
الكرة في ملعب الحكومة والبرلمان والأحزاب