يرى محمد البركة، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، أن تأخر المغرب في تقديم ملفات الاعتراف الدولي بالعديد من معالم التراث الوطني، أغرى البعض بالتطاول عليه، مشيرا بأن الذاكرة القريبة قبل البعيدة تشهد أن أعمار الحضارات أطول وأقدم من أعمار الدول، مضيفا بأن التراث المتوسطي أو الأندلسي أو الإفريقي أو المشرقي أو القوطي أو الأمازيغي امتزج ليبدع تراثا فريدا يحمل صورا متعددة، تمت تبيئتها في تباين متكامل بين شمال المغرب وجنوبه، ووسطه وشرقه وغربه داعيا الى إحداث مؤسسة دستورية لحماية التراث الوطني من تطاول بلدان الجوار
كيف تقرأ المحاولات المتكررة من طرف الجزائر للسطو على بعض مكونات التراث المادي واللامادي للمغرب؟
الحديث عن التراث يقتضي البيان بأنه تجربة إنسانية تتفاعل فيها العديد من العناصر بأفق تراكمي، فهو قبل أن يكون صورا ومظاهر مفصحة عن خصوصية مجال معين، يعد إبداعا وذوقا واجتهادا تختلط فيه موارد المجال وثقافة أهله وقيم مرجعية ضابطة لعلاقاته، قادرة على مزج الأشكال والأحجام والألوان والحوامل المتعددة (الرخام، والحديد، والنحاس، والزليج، والحجر، والثوب، والجلد، والذهب، ...)، لذلك كله نقول: إذا كان التاريخ وعاء الخبرة البشرية، فإن التراث بما هو مجموع آثار هذه التجربة قادر على الإفصاح عن مرجعية هذه الخبرة وقيمها وتقاليدها وعاداتها.
والعجز عن إدراك هذا المعنى، وما يترتب عنه من طموح ماسك بالقوانين والنواميس التي على أساسها أقام الإنسان في الماضي وجوده، وسعى إلى بناء حضارته، تناغما مع المحيط الذي تعامل معه، وتفاعلا مع المجال الذي مكنه من مجموع موارده ومؤهلاته، حتى تصير لآثار هذا التاريخ خصوصيته التي تميزه عن غيره، يكون واهما بيسر القبض على نسخ خصوصية تراث حضارة من الحضارات.
إن العجز عن الإبداع المواكب لمستجدات الحياة، وتطور أذواق المجتمعات بما يحافظ على الأصول الثابتة من جهة، ويتفاعل مع العصر من جهة ثانية، هو الراكن بالبعض إلى التقليد في تعبير عن مستوى معين من التلاقح، لكونه يحافظ للأشياء على هويتها ونسبها، دون تطاول مفضوح، كما أن هذا العجز يكون هو الدافع بالبعض الآخر إلى القرصنة في تعبير عن مستوى من الاقصاء، في تجاهل صارخ عن حقيقة العمق التاريخي، والتفاوت البين في مستويات الإدراك للتراث، وزوايا النظر إليه.
وإذا الاهتمام بالتراث اليوم (المادي وغير المادي) حافزا لبيان العمق التاريخي والتجذر الحضاري لحظة الوعي بقيمة انصهار العديد من المؤثرات في تشكل النموذج الفريد، فإن ذلك يكشف عن كون مشاريع حماية التراث كانت في البدء شأنا مجتمعا، ينطق به الأفراد كما الأسر، والحرفيون كما الصناع ... ثم صار شأنا تعنى به الدول خلال بعض عهودها طلبا للافتخار واعتزاز بالأمجاد، ليصير اليوم شأنا مؤسساتيا جامعا بين العديد من القطاعات وطنيا ودوليا.
ألا يمكن أن نرجع هذا التطاول الى تأخر المغرب في توثيق تراثه وتقديم ملفات التعريف به لدى المنظمات المعنية وأبرزها اليونسكو؟
صحيح.. المغرب تأخر في تقديم ملفات الاعتراف الدولي بالعديد من معالم التراث الوطني، وهو ما أغرى البعض بالتطاول عليه، لكن الذاكرة القريبة قبل البعيدة تشهد أن أعمار الحضارات أطول وأقدم من أعمار الدول، ورغم ذلك فإن الدول بعهودها ورجالها وصناعها وكتبتها ... تشهد على طرائق تطور العديد من معالم هذا التراث، الذي صانه الدهر قبل أن يصونه البشر، وصانه الاتقان قبل أن يصونه الانسان، فكان تعبيرا عنه قبل أن يكون مظهرا له، إنها علاقة سببية بين تكشف أن التراث المتوسطي أو الأندلسي أو الإفريقي أو المشرقي أو القوطي أو الأمازيغي كل ذلك وغيره، امتزج ليبدع تراثا فريدا يحمل صورا متعددة، تمت تبيئتها في تباين متكامل بين شمال المغرب وجنوبه، ووسطه وشرقه وغربه.
صحيح.. المغرب تأخر في تقديم ملفات الاعتراف الدولي بالعديد من معالم التراث الوطني، وهو ما أغرى البعض بالتطاول عليه، لكن الذاكرة القريبة قبل البعيدة تشهد أن أعمار الحضارات أطول وأقدم من أعمار الدول، ورغم ذلك فإن الدول بعهودها ورجالها وصناعها وكتبتها ... تشهد على طرائق تطور العديد من معالم هذا التراث، الذي صانه الدهر قبل أن يصونه البشر، وصانه الاتقان قبل أن يصونه الانسان، فكان تعبيرا عنه قبل أن يكون مظهرا له، إنها علاقة سببية بين تكشف أن التراث المتوسطي أو الأندلسي أو الإفريقي أو المشرقي أو القوطي أو الأمازيغي كل ذلك وغيره، امتزج ليبدع تراثا فريدا يحمل صورا متعددة، تمت تبيئتها في تباين متكامل بين شمال المغرب وجنوبه، ووسطه وشرقه وغربه.
ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الجامعات وباقي القطاعات الحكومية في الحفاظ على التراث المغربي؟
الحديث اليوم عن التراث لا يعني أنه لم يكن حاضرا في السابق ولو في دوائر ضيقة، بل إنه انتقل من مشاريع علمية وأكاديمية ظلت حبيسة المؤسسات الجامعية، إلى مشاريع حكومية قطاعية، وهذا ما كشف عن حقيقة النقص في تبني مشاريع لا تحتفي فقط بالتراث كمنتوج وطني من الجانب الشكلي، بل تتعداه إلى البحث في ذهنية الصناع لحظة الابداع، وفي دافع الحاجة لحظة الاجتهاد، وفي منطق الادخار لحظة الافتقار ...
الحديث اليوم عن التراث لا يعني أنه لم يكن حاضرا في السابق ولو في دوائر ضيقة، بل إنه انتقل من مشاريع علمية وأكاديمية ظلت حبيسة المؤسسات الجامعية، إلى مشاريع حكومية قطاعية، وهذا ما كشف عن حقيقة النقص في تبني مشاريع لا تحتفي فقط بالتراث كمنتوج وطني من الجانب الشكلي، بل تتعداه إلى البحث في ذهنية الصناع لحظة الابداع، وفي دافع الحاجة لحظة الاجتهاد، وفي منطق الادخار لحظة الافتقار ...
فالتراث الوطني له جذور متصلة بالسياق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني للإنسان المغربي عبر التاريخ قبل أن يكون بضاعة للتزيين تصنع لتباع وتشتري، وقبل أن يكون مظهرا يخلد ويوثق بالأقلام والصور والأفلام ...، فالتراث حاجة لا يمكن للإنسان عن يعيش بدونها، والتراث ذاكرة لا يمكن أن يتطور بغيرها، لذلك فحقيقته لا يمكن الكشف عنها إلا إذا تظافرت العديد من القطاعات الحكومية أولا، والعديد من الأقلام الجامعية ثانيا، والعديد من العلوم والتخصصات ثالثا، تحت مظلة جامعة ليس عنوانها وزارة الثقافة ولا مؤسسة المتاحف ولا المعاهد على تعددها ولا مؤسسة أرشيف المغرب ولا مؤسسة الوثائق، بل مؤسسة دستورية تعنى بحماية التراث الوطني.

