رحيل حكيم قادم من زمن أولئك الرجال الذين مرّوا في أساطير الأمم، لا يرفعون أصواتهم، لكن حضورهم وحده يُلقي الهيبة في القلوب
ليس كل الرجال تُقاس عظمتهم بضجيج الكلمات، ولا ببريق الألقاب،
بل هناك من تُعرف مكانته بالأثر الخفي الذي يتركه في الزمن، أثرٌ لا يزول. وكان جراح الأجيال الأستاذ عبد القادر التونسي، واحدًا من هؤلاء.
بل هناك من تُعرف مكانته بالأثر الخفي الذي يتركه في الزمن، أثرٌ لا يزول. وكان جراح الأجيال الأستاذ عبد القادر التونسي، واحدًا من هؤلاء.
في الأيام الأولى للمملكة المغربية المستقلة، حين كان كل شيء ينتظر البناء، وحين كانت الطبابة نفسها تبحث عن لغتها وخطواتها، كان من الروّاد الأوائل، من كبار الجرّاحين الذين نهضوا بهذه الأرض المغربية وهي تعود إلى ذاتها.
لم يكن يُجري العمليات على الأجساد فحسب، بل كان ينحت العقول، ويُوقظ الدعوات الكامنة،
ويغرس مدارس في الإنسان
قبل أن تكون مدارس في التقنية.
ويغرس مدارس في الإنسان
قبل أن تكون مدارس في التقنية.
كان طوله لافتًا، كأنه قادم من زمن قديم، من أولئك الرجال الذين مرّوا في أساطير الأمم، لا يرفعون أصواتهم، لكن حضورهم وحده يُلقي الهيبة في القلوب.
ثم كان ذلك الصوت…
صوتٌ خفيض، همسٌ أقرب إلى السر، كأن الكلمة عنده لا تُقال إلا إذا استحقت أن تُقال.
كان يعمل بلا صخب، ويُعلّم بلا استعراض، ويُورّث العلم بلا ضجيج.
صوتٌ خفيض، همسٌ أقرب إلى السر، كأن الكلمة عنده لا تُقال إلا إذا استحقت أن تُقال.
كان يعمل بلا صخب، ويُعلّم بلا استعراض، ويُورّث العلم بلا ضجيج.
وتحت هذا الوقار الصامت، سكنت روح دقيقة، تعرف السخرية من الذات كما يعرف الحكيم طريقه في صحراء تارودانت.
ابتسامة خفيفة لا تكاد تُرى، وكلمة لطيفة تُقال في موضعها، كان بها يذكّر تلامذته أن العلم لا يكتمل بالصلابة، ولا يزدهر بالغرور.
ابتسامة خفيفة لا تكاد تُرى، وكلمة لطيفة تُقال في موضعها، كان بها يذكّر تلامذته أن العلم لا يكتمل بالصلابة، ولا يزدهر بالغرور.
كان عبدالقادر التونسي، كحكماء العرب الأوائل، يرى في التواضع زينة العقل، وفي الابتسام من النفس علامة رسوخها.
في غرف العمليات، كان صمته درسًا.
وفي المدرّجات، كان سكونه كتابًا مفتوحًا.
وفي المدرّجات، كان سكونه كتابًا مفتوحًا.
وفي أروقة مستشفى ابن سينا، كان التونسي يمشي بخطى وئيدة، كأنما يخشى أن يُوقظ المكان، وكأن المستشفى بيتُ أمانٍ لا يُدخله إلا من خفّ قلبه قبل قدميه.
كان يؤمن، كما آمن الحكماء، أن الفعل الصائب لا يحتاج إعلانًا،
وأن السيطرة الحقة تسكن في الاحتواء.
وأن السيطرة الحقة تسكن في الاحتواء.
وعلى طريقة شيوخ الحكمة العربية،
كان يعلم أن العلم إذا قُدّم في الخفاء بلغ من الروح مبلغًا أعمق.
كان يعلم أن العلم إذا قُدّم في الخفاء بلغ من الروح مبلغًا أعمق.
كل ما أنجزه، وهو كثير، جاء في صمتٍ يشبه ما سماه الشعراء
صمت الآلهة.
صمتٌ خصب، صمتٌ مأهول،
وصمتٌ يُعلّم أكثر مما تفعل الخطب.
صمت الآلهة.
صمتٌ خصب، صمتٌ مأهول،
وصمتٌ يُعلّم أكثر مما تفعل الخطب.
اليوم، الأحد 21 دجنبر 2025 التحق الأستاذ عبد القادر التونسي بالصمت الكبير. صمتٌ لا يُخيف، ولا يدل على غياب أبدي.
هو الآن في كنف الصمت الإلهي، حيث يضع الأبرار أدواتهم، وحيث يستريح المعلّمون بعد أن أدّوا الأمانة.
سيظل اسمه حيًّا، بلا الضجيج،
في ذاكرة من علّمهم، وفي دقة يدٍ جرّاحية، وفي أخلاق نظرةٍ أُلقيت على مريض.
هو الآن في كنف الصمت الإلهي، حيث يضع الأبرار أدواتهم، وحيث يستريح المعلّمون بعد أن أدّوا الأمانة.
سيظل اسمه حيًّا، بلا الضجيج،
في ذاكرة من علّمهم، وفي دقة يدٍ جرّاحية، وفي أخلاق نظرةٍ أُلقيت على مريض.
كما في مراثي القدماء، يعلّمنا رحيله
أن الرجال الحقيقيين لا يموتون، بل ينسحبون بهدوء.
وكما في حكمة العرب،
يذكّرنا أن الصمت،
إذا سكنه العلم،
وتزيّن بالتواضع،
واكتمل بالخير،
صار أبلغ أشكال الكلام.
سلامٌ عليك،
الأستاذ عبد القادر التونسي.
صمتك…
ما زال يتكلم.
أن الرجال الحقيقيين لا يموتون، بل ينسحبون بهدوء.
وكما في حكمة العرب،
يذكّرنا أن الصمت،
إذا سكنه العلم،
وتزيّن بالتواضع،
واكتمل بالخير،
صار أبلغ أشكال الكلام.
سلامٌ عليك،
الأستاذ عبد القادر التونسي.
صمتك…
ما زال يتكلم.