الأحد 21 ديسمبر 2025
فن وثقافة

تَمَغْرِبِيتْ" وعاء سردي يحتضن جميع المغاربة حسب الأستاذ سعيد بنيس

تَمَغْرِبِيتْ" وعاء سردي يحتضن جميع المغاربة حسب الأستاذ سعيد بنيس  سعيد بنيس وكتابه الموسوم،ب "تَمَغْرِبِيتْ.. محاولة لفهم اليقينيات المحلية "
يعتبر الجامعي الأستاذ سعيد بنيس في الطبعة الثانية من كتابه الموسوم،ب "تَمَغْرِبِيتْ.. محاولة لفهم اليقينيات المحلية " الصادرة حديثا، بأن "تَمَغْرِبِيتْ"، هي وعاء سردي يحتضن جميع المغاربة على اختلاف انتماءاتهم الترابية خارج المملكة المغربية وداخلها، وعلى تنوع ثقافتهم وتعدد لغاتهم دون إقصاء أو تراتبية لأي مكون من مكونات الشخصية المغربية، وذلك في معرض جوابه على سؤال المشترك الثقافي والإنساني والحضاري والديني واللغوي والتاريخي لأمة مغربية تمتد على أكثر من 33 قرنا من الثقافة الأمازيغية، و12 قرنا من الدولة المغربية.
 
وفي هذا الصدد يوضح الأستاذ بنيس بأن « تَمَغْرِ بِيتْ  هي كذلك لفظة تحيل على مصدر مطلق لتوصيف ماضي وحاضر ومستقبل المغاربة، فهي بذلك سردية تشكل قواعد الرابط الاجتماعي، ومرجعيات مصفوفة القيم الناظمة للعيش المشترك، وآليات استدامة الانتماء لأمة مغربية منفتحة على جيرانها المغاربيين، والأفارقة، والمتوسطيين، والشرق الأوسطيين، وعلى باقي شعوب العالم”.
 
وتمثل اليقينيات المعتمدة التاريخية منها والإنسانية والحضارية والدينية والثقافية واللغوية والقيمية، يقينيات ترتكز على المكتوب العلمي والمدون الأكاديمي، فضلا على المتعارف عليه والمتجذر في المتخيل المغربي، كما دون الأستاذ بنيس في مقدمة الكتاب التي أوضح فيها أيضا، أن هذه اليقينيات تتمحور حول مبدأ أن “تَمَغْرِبِيتْ” هي مقولة مرجعية لترسيخ وتثبيت السردية المحلية والترابية والوطنية.
 
وهي في ذلك لا ترمي إلى تحييد أو تغييب أو تعويض أو طمس أي مكون من مكونات الشخصية المغربية، بل تصب في إعادة توهج هذه المكونات لتجعل منها انتصارا للشخصية المغربية، وجسرا للمملكة المغربية للولوج إلى الكونية دون انهزامية هوياتيةأو انتكاس إقليمي، كما يرى بنيس الذي يعرب في هذا الصدد عن اعتقاده الراسخ بأنه لهذا، " يمكن اعتبار سردية “تَمَغْرِبِيتْ”، تحيل على تنشئة مستدامة، وبعد هوياتي مؤسس على التسامح وقبول الآخر والتنوع المتكامل، وليست بتاتا ضربا من ضروب الشوفينية المنغلقة أو القومية الصاعدة أو الهويات المنكمشة أو نوعا جديدا من التصلب الهوياتي، بل هي نافذة تحتفي بالمشترك الإنساني والإقليمي وتكتسب كذلك من خلال التعايش والتمازج والانغماس في البيئة المجتمعية المغربية”. وهذا ما يجعل المؤلف يشير إلى أننا أمام دينامية هوياتية لشخصية مغربية تتحرك بين تَمَغْرِبِيتْ واقعية، وأخرى افتراضية، وأخرى مكتسبة تأكد على قوة قابلية المملكة المغربية على احتضان الآخر؛ من خلال جاذبية الإنسان، والمجال، والتاريخ، والحضارة، والثقافة، وفن التعايش، والعيش المشترك. 
 
وإذا كان البعض يعتبر أن العودة للأصول شيء محمود ويساعد على بناء مواطنة إيجابية، لا تلغي ديناميات وثوابت الحاضر، التي ترتكز في مجملها على مقتضيات دستور 2011، المؤسسة على مقولة التعدد والتنوع والتمازج وتجليات السيادة الوطنية، فإن بنيس يشدد على أنه يمكن استنتاج أن العودة للأصول تمت من خلال الاعتراف بأمة مغربية بهوية مزيجة يتداخل فيها ما هو إنساني وحضاري وجغرافي وتاريخي وثقافي وديني وديمغرافي ولغوي وترابي، مما يجيز اعتبار الزمن الدستوري لما بعد 2011 زمن العودة لمقولة الأمة المغربية."
 
لهذا، تقتضي أجرأة سردية تَمَغْرِبِيتْ من خلال جعل الفضاء العمومي فضاء يحبّب للمواطنين هويتهم، وفضاء صديقا لفرادتهم الهوياتية باحتضانه لما هو أمازيغي وعربي عبر هوية بصرية منسجمة، مما قد يشكل مدخلا يكتسي أهمية بالغة لتكريس السيادة الوطنية والشعور بالكرامة والأمن المواطناتي. في هذا الإطار، يعتبر صاحب الكتاب بأنه يُمْكِنُ للمملكة المغربية أن تُفَعِّلَ سردية تَمَغْرِبِيتْ، من خلال ورش الجهوية المتقدمة التي تقوم على مؤهلات ومكونات وخصوصيات كل جهة من جهات المملكة، فلا عن أن احتمال أن يؤدي الانتصار الهوياتي المحلي إلى الانغلاق على الذات الترابية، " غير وارد"، بالنظر إلى أن سردية تَمَغْرِبِيتْ هي بالأساس وعاء يمكن من التمتع بالانتماء المواطناتي، والإحساس بالاطمئنان المجتمعي والثقافي واللغوي، حيث يمكن لكل هذه العناصر أن تتحول إلى عامل مساعد على تكريس العدالة المجالية.
 
وفي أفق تبني سياسة هوياتية تؤسس لإعادة تموقع المغرب علىالصعيد الإقليمي والعالمي، يري الأستاذ بنيس أنه من الضروريتبني سياسة تدبيرية وتسويقية تعتمد على إلحاق نعت «مغربي" بجميع منتجات المملكة، كانتصار لتجربة انسانية وحضارية، تروم التميز وفي نفس الآن إغناء الموروث الإنساني، والمساهمة في رقيه وتثمين سردية تَمَغْرِبِيتْ التي تربط 
بين التاريخ والحضارة والعمران والسياسة والتنمية الاقتصادية والموروث الثقافي، وتؤكد في جميع تجلياتها على علامة "مغربي".
 
لهذا يستخلص الأستاذ بنيس، بأنه يمكن اعتبار تَمَغْرِبِيتْ سردية تندرج في إطار التحول من احتباس قيمي وانهزامية هوياتية إلى انتصار وجودي، وسيادة ترابية تتنافى مع أي "دوغما" أو "تعصب وطني" من خلال ربطها بقيم المواطنة، وهو ما يجعل من سردية تَمَغْرِبِيتْ ركيزة لإبداع نموذج تنموي يتأسس على رؤية سياسية ترمي إلى مزج المقومات الرمزية كقوى ناعمة ببرامج التنمية المحلية كدعامة صلبة لاستتباب مجتمع الثقة والعيش الكريم والانفتاح على الآخر.