صدر مؤخرا كتاب جديد تحت عنوان "الفرجات الأمازيغية بسوس" لمؤلفه الدكتور عزالدين الخراط، عن منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وهو كتاب من الحجم المتوسط في حوالي 220 صفحة، يركّز هذا الكتاب على مسألتين أساسيتين، أولاهما توثيق الذاكرة الفرجوية والمسرحية للمنطقة وحفظ أعمال روادها، لبناء تاريخ نقدي يكشف خصوصيات هذا المسرح ويضعه ضمن حوار وتفاعل مع المسرح العربي والإفريقي والغربي، ثانيهما مقاربة شمولية للمسرح الأمازيغي، تنطلق من دراسة الفرجات المحلية الشعبية بسوس مثل بيلماون وإمعشار، وما تنطوي عليه من ممارسات خطابية وتلفظية وتداولية وأدائية باعتبارها تراثًا غنيًا بالأبعاد التاريخية والأنثروبولوجية، وقادرة في الوقت نفسه على فتح آفاق إبداعية حديثة ومنفتحة على التجارب الإنسانية العالمية.
وينطلق التصور من إيمان الباحث بأن الهوية الأمازيغية هوية منفتحة ومتجددة، ما يستدعي مسرحًا يجمع بين التراث المحلي والجماليات الحديثة في إطار تفاعل خلاق مع الثقافات الكونية، لذلك دعا إلى تجاوز الثنائيات المفاهيمية (تراث/حداثة، شرق/غرب، محلي/كوني) التي تكرّس الانقسام وتغفل ثراء التجربة المسرحية، واعتمد بالمقابل أفكار عبد الكبير الخطيبي عن الهوية والاختلاف، والنقد المزدوج، وكذا الطروحات الفكرية الما بعد استعمارية الداعية إلى رفض نسق الهيمنة الغربية وتبني هوية مفتوحة، مع ترجيح مفهوم التناسج الثقافي لإريكا فيشر ليشته Erika Fischer-Lichte بديلا عن "المثاقفة"، لما يحمله هذا المصطلح من معنى التشابك الخلاق بين مختلف التجارب الإنسانية.
إن توثيق ذاكرة المنطقة المسرحية والفرجوية مشروع كبير وطموح، لا يدعي الباحث عزالدين الخراط الإحاطة به، لأنه مما يتخطى قدرة الأفراد، لكنه بالتأكيد واحد من الباحثين الذين تجشموا عناء وضعه على سكة البحث الحقيقية، وهو المختص في المسرح وفنون العرض والفرجات، والحاصل على الدكتوراه في المسرح وفنون العرض من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، والذي كرس مساره العلمي والأكاديمي لإستكشاف تعابير الجسد والذاكرة والأداء المعاصر في الفرجة الأمازيغية ومختلف التعابير الفنية والسردية، ويوجد له حاليا قيد الطبع كتاب "الفرجات الأمازيغية بسوس الجزء الثاني" وكتاب " معجم المسرحيات الأمازيغية بسوس من 1958 إلى 2025".
وتعتبر الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي ناشرة هذا الكتاب جمعية رائدة في مجال الأمازيغية تأسست سنة 1967، تُعنى بالبحث الأكاديمي والعمل الثقافي، وتهدف إلى الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها، وتعزيز التعدد الثقافي واللغوي بالمغرب، وتشجيع الحوار والتبادل الثقافي على المستويين الوطني والدولي، من خلال البحث، النشر، تنظيم أنشطة ثقافية والتكوين، وسبق لها أن نشرت 83 مؤلفا حول الأمازيغية أو بالأمازيغية.
وتجدر الإشارة إلى أن كتاب "الفرجات الأمازيغية بسوس" قد تم إهداء نسخ منه إلى مكتبات مجموعة من الجامعات المغربية والأجنبية المهتمة بمجال اشتغال الباحث، كما أنه متاح في مكتبات جامعات أجنبية مثل جامعة جون هوبكينز Johns Hopkins، ويليامس كوليج Williams College، جامعة كاليفوريا University of California، بالولايات المتحدة الأمريكية وجامعة كبيبك مونتريال بكندا Université du Québec.

