Wednesday 3 December 2025
فن وثقافة

الرشيدية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي حول الاجتهاد المقاصدي وتجديد الفقه الإسلامي في سياق التحولات المعاصرة

الرشيدية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي حول الاجتهاد المقاصدي وتجديد الفقه الإسلامي في سياق التحولات المعاصرة جانب من أشغال المؤتمر
انطلقت يوم الأربعاء 3 دجنبر 2025، برحاب الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية، فعاليات المؤتمر العلمي الدولي حول “الاجتهاد المقاصدي وتجديد الفقه الإسلامي في السياق المعاصر”، بحضور نخبة من الباحثين من داخل المغرب وخارجه، ومتابعة جمع غفير من طلبة الكلية، في تظاهرة علمية هدفت إلى إبراز دور المقاصد في تجديد العقل الفقهي ومواكبة التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم.
 
وافتتحت االجلسة الافتتاحية بتلاوة آيات بينات من طرف الطالب زكريا الركوبي، ثم عزف النشيد الوطني، قبل أن يلقي عميد الكلية كلمته التي أبرز فيها أهمية هذا المؤتمر وما يحمله من قيمة علمية، مؤكداً أن المقاصد تُعد روحاً للتشريع ومرجعاً أساسياً في استئناف حركة الاجتهاد بما ينسجم مع تطورات العصر. وأشار إلى أن أهمية الملتقى تتجلى في مشاركة باحثين مغاربة وأجانب، ما يوفر فضاءً خصباً للحوار العلمي.
 
وتناول نائب العميد المكلف بالبحث العلمي والتعاون الدكتور أحمد البيبي الحاجة الملحة إلى اجتهاد قاصد ومتجدد يواجه تحديات الواقع، بينما شدد رئيس شعبة الدراسات الإسلامية الدكتور محمد الحفظاوي على أن العلماء أمام مسؤولية كبيرة في تجديد النظر الفقهي، وأن الحكم الشرعي يستمد قوته من حكمته، وأن منظومة المقاصد هي التي تسدد الاجتهاد وتضبط مساره. كما أبرز منسق ماستر المالية الإسلامية ومقاصد الشريعة الدكتور عبد الغني قزيبر أن اختيار موضوع المؤتمر لم يكن اعتباطياً، بل جاء استجابة لأسئلة السياق المعاصر، مؤكداً أن الاجتهاد له أهله، وضارباً مثالاً بالسيوطي الذي ألّف ما يفوق سبعمائة كتاب دون أن يُجز في الاجتهاد.
 
ومن جهته، أوضح الدكتور رشيد ناصري، ممثلاً للجنة التنظيم، أن المؤتمر استقبل 300 ملخص بحثي من داخل المغرب وخارجه، اختير منها 41 بحثاً بعد دراسة دقيقة، مشيراً إلى أنّ من دوافع تنظيم هذه التظاهرة العلمية تنامي ظاهرة التجرء على الفتوى من غير المؤهلين، وهو ما يستدعي العودة إلى منهجية راسخة قائمة على مقاصد الشريعة وضوابطها.
 
 
ويهدف المؤتمر، وفق المنظمين، إلى مناقشة دور الاجتهاد المقاصدي في تجديد الفقه الإسلامي واستحضار مقاصد الشريعة في معالجة قضايا العصر، في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة. كما يسعى إلى تسليط الضوء على الآليات العلمية والمنهجية للاجتهاد، وتحليل التحديات التي تواجه الفقه المعاصر واقتراح حلول عملية للنوازل، ويغطي ستة محاور رئيسية تشمل التأصيل المقاصدي والقضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، إضافة إلى المستجدات التكنولوجية والطبية والجوانب السياسية والقانونية والآفاق الحضارية للاجتهاد المقاصدي.
 
وعرفت الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها الدكتور عبد الغني قزيبر تقديم مداخلة من جامعة أم القرى بعنوان “استفصال النبي ﷺ في حكايا الأحوال وسيلة من وسائل الاجتهاد المقاصدي”، قُدمت نيابة عن صاحبتها الدكتورة خضراء حمزة موسى عمرات، وتلتها مداخلات الدكتور مصطفى حداني حول جهود ابن حزم في تحرير ضابط النص، والدكتور الحوسن فونونو حول مراعاة المقاصد القرآنية في تفسير ابن العربي، والأستاذ كمال أمساعد حول ضوابط الاجتهاد المصلحي عند ابن رشد الحفيد، والباحث يوسف وباموح حول مجالات الاجتهاد المقاصدي في الاستنباط.
 
أما الجلسة العلمية الثانية برئاسة الدكتور عبد الكبير حميدي، فقد تناولت قضايا ذات امتداد اجتماعي وثقافي، من بينها مداخلة الدكتور حميد عابي حول عقوبة الردة في ضوء مقاصد الشريعة، ومداخلة الأستاذ محمد غزلاوي حول تعزيز التعايش والحوار الحضاري، ومداخلة الأستاذ محمد شرنان حول جهود علماء الغرب الإسلامي في ترسيخ ثقافة التعايش، ثم مداخلة الدكتور عبد الحميد أزمير حول شرط مراعاة السياق الثقافي في الاجتهاد التنزيلي، تلتها مداخلة الدكتورة عائشة الطويل حول ضوابط تطبيق الاجتهاد المقاصدي بين ضبط المنهج وحماية الثوابت، واختتمت بمداخلة الدكتور عبد الحكيم الجوهري حول أثر الاجتهاد المقاصدي في معالجة قضايا الأقليات المسلمة في بلاد المهجر.
 
وشهدت الجلسة العلمية الثالثة، التي ترأسها الدكتور رشيد عمور من جامعة مولاي إسماعيل بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، نقاشات ثرية حول "الاجتهاد المقاصدي والتحديات الاقتصادية والمالية المعاصرة". واستعرضت الجلسة مجموعة من الأوراق البحثية المهمة، منها ورقة الأستاذ جواد مكين من جامعة القاضي عياض بمراكش حول أثر الاجتهاد المقاصدي في صناعة الفتوى المعاصرة على أحكام المعاملات المالية والاقتصادية، فيما قدم الدكتور عبد الله اصبيحي من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس رؤية معمقة حول الاجتهاد المقاصدي وأثره في أحكام النوازل المالية المعاصرة من خلال قضايا ونماذج محددة. كما تناول الباحث عقلي عبد الحق من جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال تطبيق الاجتهاد المقاصدي في التجارة الإلكترونية، بينما سلطت الباحثة شيماء زعبك الضوء على عقود الخيارات المالية المعاصرة بين الضبط الفقهي والتوجيه المقاصدي. وناقش الدكتور إبراهيم ماكوري قاعدة الاحتياط وأثرها في توجيه الاجتهاد المقاصدي عبر نماذج تطبيقية من المعاملات المالية، في حين قدم الأستاذ عبد الواحد العبد اللوي دراسة حول مقصد حفظ المال في المعاملات المعاصرة للبنوك التشاركية المغربية. واختتم الدكتور طارق البوداني من جامعة القاضي عياض مراكش النقاش بعرض تحليلي حول الذكاء الاصطناعي وتحديات الرقمنة في ضوء فقه الميزان، ما أضاف بعداً عصرياً لمباحث الجلسة.

وخلص المشاركون إلى أن تجديد الفقه الإسلامي لن يتحقق إلا باستئناف الاجتهاد وفق رؤية مقاصدية تستوعب المستجدات وتحافظ على ثوابت الأمة، وأن هذا المؤتمر يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز البحث العلمي وترسيخ حضور الدراسات المقاصدية داخل الجامعة المغربية بما يخدم حاجات العصر ويثري المشروع الحضاري الإسلامي.