Thursday 27 November 2025
منبر أنفاس

الحسين الدومي: "المثقف حين يخذل أسئلته"

الحسين الدومي: "المثقف حين يخذل أسئلته" الحسين الدومي
لطالما نُظر إلى المثقف بوصفه ضمير الشعب، وصوتها الناقد، والعين الساهرة على نبضها الاجتماعي والسياسي والثقافي. فهو ليس مجرد ناقل للمعلومة أو حارس للمعرفة، بل هو فاعل في تشكيل وعي الجماهير، ومشارك في مساءلة السلطة، وصوت العقل حين تشتد الضوضاء. غير أن هذا الدور السامي لا يظل بالضرورة محل وفاء دائم، فالمثقف قد يتحول أحياناً إلى عبء على مجتمعه حين يخون رسالته، ويتخلى عن مسؤوليته، ويستسلم لإغواء المصالح أو رهانات الصمت.
 
إن المثقف الذي يفقد استقلاله، أو ينحاز لأجندات تضاد قيم الحرية والعدل والكرامة، لا يمكن أن يُعدّ شريكاً في البناء، بل يصبح جزءاً من منظومة التخدير المعنوي، وأداة لتجميل القبح. وهنا يكمن الخطر الأكبر: حين لا يصمت المثقف فحسب، بل يسهم في تزييف الوعي، إما عبر تبرير الاستبداد، أو الترويج للشعارات الجوفاء، أو الانخراط في معارك إلهائية تُبعد الناس عن قضاياهم الحقيقية.
 
في كثير من السياقات العربية، أصبح بعض المثقفين حراساً للنظام لا للحقيقة. يشاركون في ندوات التلميع، ويكتبون افتتاحيات لتزكية الفشل، ويهندسون خطاباً ثقافياً يُفرّغ الواقع من تعقيداته لحساب سردية رسمية مغلقة. هؤلاء لا يصنعون وعياً، بل يعيدون تدوير البلادة والتواطؤ.
 
 وما يزيد الأمر تعقيداً، أن المثقف حين يتخلى عن دوره، يُفرغ المجال أمام الشعبوية، ويترك فراغاً تستغله الأصوات  الزائفة. إذ أن غياب الصوت الثقافي النزيه يُفقد المجتمع أداة أساسية في النقد والتوجيه، ويضع الناس في مواجهة مباشرة مع قوى تضليلية بلا أدوات مناعة فكرية.
 
لكن لا بد من التمييز هنا، فالمثقف ليس من يحفظ الكتب ويجيد التنظير فقط، بل من يمتلك الشجاعة الأخلاقية ليقف مع الحقيقة، حتى لو خسر الامتيازات أو خالف المزاج العام. فالثقافة ليست سلعة تُستثمر، بل موقف يُعاش، ووعي يُدافع عنه، وكلمة تُقال ولو على حساب صاحبها.
 
وقد عبر بعض المفكرين بمرارة عن هذا التحول، حين قالوا إن أسوأ من الجهل، هو "المثقفون المزيفون"، الذين يتصدرون المشهد ويتحدثون باسم النخبة وهم أبعد الناس عن هموم الشعوب.
 
الخاتمة :
يصبح المثقف عبئاً حين يُخون الكلمة، ويُطبع مع الزيف، ويستبدل ضمير الأمة بمصالح آنية. فوظيفة المثقف ليست الترف الفكري، بل النهوض بالوعي، ومساءلة الواقع، والدفاع عن الحق. وإذا كان الناس يُغفر لهم الجهل أحياناً، فإن المثقف لا يُغفر له الانبطاح. فالمعركة ليست دائماً بين الجهل والمعرفة، بل بين الشجاعة والتواطؤ.
 
الحسين الدومي /باحث في قضايا الفكر والمجتمع