Thursday 6 November 2025

كتاب الرأي

جمال المحافظ: الاعلام وحلم البناء المغاربي

جمال المحافظ: الاعلام وحلم البناء المغاربي جمال المحافظ

تزامن تنظيم النسخة الثانية من الندوة المغاربية حول “الإعلام والقضايا الكبرى في المنطقة المغاربية”، المقامة ما بين رابع وخامس نونبر 2025 بالرباط، مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يكرس مغربية الصحراء، بجعل مبادرة الحكم الذاتي أساسا لتسوية النزاع، ودعوة الملك محمد السادس، إثر ذلك الرئيس الجزائري إلى حوار أخوي صادق بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات وفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين الشقيقين.

فهذه التحولات الإيجابية، تفرض على وسائل الاعلام المغاربية، تعزيز الحوار ليس فقط حول الإعلام، ولكن كذلك حرية الصحافة التي تعد الرئة التي يتنفس بها الاعلام وتداول المعلومات الصحيحة والموثوقة،  واشكاليات الخصاص الديمقراطي الذي تعاني منه المنطقة.  لكن هذه المتغيرات، إن أحسن التعامل معها، أن تشكل حافزا لإعادة الاعتبار لميديا الإعلام كأداة فعالة في البناء المغاربي .

منطقة رمادية

 كما يقتضى الأمر العمل على تجاوز العراقيل والضغوط السياسية التي تحول دون قيام وسائل الاعلام العمومية والخاصة بأدوارهما، باستقلالية ومهنية وتجرد، حتى تتمكن من الخروج من المنطقة الرمادية التي تحول الاعلام خاصة في بعض بلدان المنطقة الى " بوق للسلطة، وخاضعا للتوجيه والخضوع ولصاحب القرار السياسي، كما جاء ما  مداخلة الإعلامي والنشاط الحقوقي الجزائري وليد كبير بالندوة والتي تناول فيها موضوع " الاعلام المغاربي والنزاعات الإقليمية بين الإنحياز غير المشروط وتحدى المهنية والأخلاقيات".

وفي معرض تناوله وضعية الاعلام بالجزائر، قال بالخصوص أن الاعلام العمومي ببلاده  " أصبح منبرا رسميا لترويج العداء للمغرب" متوقفا في هذا الصدد عند بعض مظاهر هذا " الانحراف المهني: من قبيل ما وقع مؤخرا من تعتيم، وتجاهل لحدث فوز المنتخب الوطني المغربي مؤخرا بكأس العالم في كرة القدم، لأقل من 20 سنة بالشيلي، وممارسة التضليل على قرار مجلس الأمن الأخير" معبرا عن اعتقاده الراسخ بأن " الاعلام ملكا للجمهور وأن السكوت" عن الأحداث التي تستأثر باهتمام الرأي العام، " ليس حيادا، ولا كما يهوى صاحب القرار السياسي".

اعلام الاستقطاب

إن الاعلام مغاربي مطالبا بالمساهمة في تعزيز علاقات الجوار، والعمل على " الابتعاد عن التوجيه ونبذ الصراعات، وخاصة خلال الأزمات"، مع التعامل بحذر عن " الاستقطاب، وعن مراكز التأثير السياسي" كما يرى نقيب الصحافيين الموريتانيين، أحمد طالب المعلوم في مداخلته حول الإعلام المغاربي في زمن الأزمات اختبارات المصداقية والمسؤولية ". وعلى الرغم من توقفه على ما اعتبره سيمات متعددة مشتركة  منها ضعف تنظيم الحقل الإعلامي وهشاشة الاجتماعية للصحافيين والاقتصادية للمقاولة الإعلامية المغاربية، و"خجل الصحافة الاستقلالية"  دعا إلى قيام" اعلام مغاربي فاعل" من خلال الاهتمام بالتكوين المستمر وتعزيز قدرات الإعلاميين المغاربة.

"الاعلام المغاربي وسؤال الفاعلية في مواكبة القضايا الإقليمية الكبرى" عنوان مداخلة جلال عثمان رئيس الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي بليبيا، استهل بالتساؤل لماذا تنجح الكفاءات الصحافية المغاربية بالخارج، وأسباب مغادرة بلدانها التي في حاجة ماسة إليها في المرحلة الراهنة، التي يرى أنها " تعود الى حوافز مالية، وأن هناك قضايا هامة تتفادى وسائل الاعلام تناولها ببلاده ك"قضية الأمازيغ" معتبرا من جهة أخرى أن " وسائل التواصل الاجتماعي وهي تابعة لشركات خاصة، هي الأداة التي تبدأ بها الحروب".    

إعلام مغاربي افريقي      

"المبادرة الأطلسية المغربية في الإعلام المغاربي: بين التغطية الخبرية والتحليل الجيوسياسي"، كانت بدورها حاضرة في هذه الندوة الإقليمية، من خلال رئيس اتحاد الصحافيين في تشاد والأمين العام لاتحاد صحافيي دول الساحل عرض عباس محمود طاهر،الذي لاحظ بأن هناك تباينات في الرؤى المغاربية، واهتمام رسمي، أكثر منه اعلامي مؤكدا أن هذه المبادرة الإيجابية، ليست مشرعا اقتصاديا فقط بل هو مشروع جيو استراتيجي مهم، يساهم في تحول المنطقة المغاربية من التركيز على الانتماء المتوسطي الى المجال الأطلسي وتكريس البعد الإفريقي للمنطقة، وهي تشكل فرصة لإنتاج خطاب إعلامي مغاربي افريقي مشترك.

وإذا كانت  هذه  الندوة الإقليمية، ليست مجرد تظاهرة فكرية، بل محطة لإعادة بناء الوعي المغاربي المشترك، وتجديد الإيمان بأن مستقبل المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس الحرية، والكرامة، والتعاون الصادق بين شعوبها،كما سجل، الإعلامي  سامي المودني رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب وفي كلمته الافتتاحيةهفي الندوة المنظمة  بتعاون مع الشبكة المغاربية لحرية الإعلام.

 إن قضية الصحراء المغربية  ليست فقط قضية وطنية للمغرب، بل قضية وحدة مغاربية معطلة موضحا أن القرار الأممي الذي كرس مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا للنزاع المفتعل حول الصحراء، يشكل مدخلا لإحياء الحلم المغاربي على أسس من الاحترام المتبادل والاستقرار والتنمية المشتركة، كما قال المودني الذي وجه بالمناسبة، دعوة مفتوحة للصحافيين في الجزائر؛ لبناء جسور الثقة والمصير المشترك، والتأسيس لفضاء مهني وإنساني يضع الإنسان قبل السياسة، والأخوة قبل الخلاف، ويجعل من الإعلام جسرا للمحبة والمعرفة لا لتغذية سوء الفهم.

حلم مغاربي

مؤشرات عديدة، تفيد بأن المنطقة المغاربية، مقبلة على تحولات قد تكون إيجابية، استعادة حلم البناء المغاربي منها  الأمل في أن تجد  دعوة جلالة الملك محمد السادس  في خطابه الأخير، بعد قرار مجلس الأمن الدولي المؤيد لمبادرة الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء، الآذان الصاغية للانخراط في مسار بناء علاقات جديدة بين المغرب والجزائر، من أجل وإعادة فتح جسومن أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار.كما أن إحياء الاتحاد المغاربي، لن يتحقق على أرض الواقع، دون انخراط كل من الجزائر والمغرب مع باقي مكوناته بلدانه الخمس. 

إن وسائل الإعلام المغاربية وكما ينادى مرارا  المركز المغاربي في الدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال في بلاغاته منذ تأسيسه سنة 2018، كهيئة علمية مستقلة إلى العمل على الانخراط في مبادرات إيجابية ومبدعة، للإسهام في وضع حد لكل التوترات، للتقريب بين شعوب المنطقة المرتبطة بعلاقات تاريخية ووحدة المصير المشترك، عوض أن تظل وسائل الاعلام والاتصال، أداة لاستدامة الخلاف والصراعات وبث التفرقة، ونشر المعلومات المضللة وخلق الأجواء المشحونة والإساءة للعلاقات التاريخية لشعوب المنطقة، وهو ما يتطلب وقف الحملات الصحافية والإعلامية العدائية التي  لن تساعد على بناء فضاء مغاربي مشترك، الذي يتطلب معالجة المشاكل الحقيقية، وترسيخ الديمقراطية وتحقيق التنمية وإشاعة قيم التضامن والتعاون والتكامل بين البلدان المغاربية، الذي تساهم فيه وسائل الاعلام.

الديمقراطية والإعلام

عديدة هذه الأفكار والمقترحات المقدمة، في ندوة " الاعلام والقضايا الكبرى في المنطقة المغاربية" ، منها  الدعوة إلى " احداث تكثل  مغاربي" باعلام يدفع في اتجاه التكامل وليس التنافر، وبعث ميثاق مغاربي لاعادة الثقة بين الاعلام والمجتمع، انطلاقا من أن الصحافة تعد ضمير الأمة، وليست أداة للتهييج و بث التفرقة، وهو ما قد يشكل خطوة لاعادة الثقة، ويتحول الاعلام جسرا نحو المستقبل، ومدخلا للمصالحة ما بين الجزائر والمغرب. كما شملت هذه المقترحات الدعوة إلى قيام مشروع مغاربي للتحقق من المعلومات، وتنظيم منتديات وشبكات مغاربية حول التعامل مع الأزمات، وإشاعة حرية الصحافة  والالتزام بأخلاقيات المهنة.

الندوة الإقليمية التي تميزت بمساهمة إعلاميين وخبراء وحقوقيين من البلدان المغاربية ومنطقة الساحل، وتضمنت محاور أخرى تهم حرية الصحافة وحماية الصحافيين في المنطقة المغاربية في عصر الذكاء الاصطناعي ودور الاعلام المغاربي، في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، وفي التظاهرات الرياضية الكبرى،  أكد خلالها المشاركون كذلك  على ضرورة تشجيع التخصص الإعلامي، وتحقيق التوازن الضروري ما بين سرعة تعميم الاخبار والحرص على الدقة، وتحويل المبادرة الأطلسية الى فضاء جديد للتعاون الافريقي المغاربي، وتأسيس منصة لبعث اعلام مشترك في هذا المجال.  بيد أنه، لا يمكن أن يغرب عن البال العلاقة  القائمة ما بين الصحافة والديمقراطية.