في خضم الضجيج السياسي والجدل الإعلامي الذي يسبق الاستحقاقات الانتخابية، طالعنا أحد البرلمانيين بتصريح خطير وغير مسبوق، زعم فيه أن بعض المطاحن تعمد إلى خلط الدقيق بالورق!
تصريح صادم هزّ الرأي العام الوطني، وترك وراءه موجة من الغضب والذهول، ليس فقط بين المواطنين، بل داخل مختلف المؤسسات المعنية بالمراقبة والإنتاج الغذائي.
مثل هذا الكلام، لو صدر من شخص عادي في مجلس خاص، لاعتُبر إشاعة عابرة.
لكن حين يصدر عن ممثل للأمة يتمتع بالصفة البرلمانية، ويُفترض فيه التحري والدقة والمسؤولية، فإن الأمر يكتسي خطورة مضاعفة، لأنه يمس مباشرة الثقة بين الشعب ومؤسساته، ويشكك في نزاهة منظومة وطنية قائمة على آلاف الأطر والمصالح والمختبرات التي تسهر يوميًا على سلامة غذاء المواطن المغربي.
لكن حين يصدر عن ممثل للأمة يتمتع بالصفة البرلمانية، ويُفترض فيه التحري والدقة والمسؤولية، فإن الأمر يكتسي خطورة مضاعفة، لأنه يمس مباشرة الثقة بين الشعب ومؤسساته، ويشكك في نزاهة منظومة وطنية قائمة على آلاف الأطر والمصالح والمختبرات التي تسهر يوميًا على سلامة غذاء المواطن المغربي.
يقول المثل الشعبي المغربي: "القرطاسة إلا خرجات... مشات"، وهي عبارة تختزل جوهر هذه القضية؛ فالكلمة حين تُقال دون تدبر، تكون كالرصاصة التي لا يمكن استرجاعها بعد إطلاقها، تصيب من تصيب، وتترك جراحًا يصعب التئامها.
لقد خرج التصريح، وأصاب من أصابهم داخل الوطن وخارجه، فساءت سمعة مؤسسات صناعية واقتصادية عريقة، وشُككت ثقة المستهلك في رغيف خبزه اليومي، بل واهتزت صورة البلاد في أعين شركائها ومتابعيها عبر العالم.
أما التراجع أو التوضيح بعد ذلك، فلن يُجدي نفعًا، لأن الضرر وقع فعلاً، والجرح المعنوي أصاب عمق الثقة العامة.
إن إطلاق مثل هذه الاتهامات دون أدلة علمية موثقة ولا تقارير رسمية، يُعد تهورًا غير مقبول، خاصة ونحن على بُعد أقل من سنة من الانتخابات التشريعية، حيث يختلط أحيانًا الحماس السياسي بالرغبة في شد الانتباه وخلق البوز الإعلامي بأي ثمن.
لكن عندما يكون الثمن هو زعزعة ثقة المواطن في أمنه الغذائي والصحي، والإساءة إلى سمعة الوطن، فهنا يجب أن نقف جميعًا لنقول: كفى.
إن مصلحة الوطن وصيانة الثقة بين الشعب ومؤسساته فوق كل الاعتبارات والحسابات السياسية.
فالثقة رأس مال رمزي لا يُقدّر بثمن، وإذا فُقدت، صعب استرجاعها.
فالثقة رأس مال رمزي لا يُقدّر بثمن، وإذا فُقدت، صعب استرجاعها.
ولذلك، فإن الواجب اليوم يقتضي من الحكومة والجهات المختصة فتح تحقيق عاجل وجاد في هذه الادعاءات، لتبيان الحقيقة للرأي العام:
– إن كانت صحيحة، فلتُحاسَب الجهات المسؤولة بكل حزم.
– وإن كانت باطلة، فيجب أن يتحمل من أطلقها كامل المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية.
فالمسؤولية في التصريح لا تقل خطورة عن المسؤولية في القرار، والكلمة في زمن الفوضى الرقمية أصبحت سلاحًا ذا حدين:
إما أن تُبنى بها الثقة، أو تُهدم بها مؤسسات، وتُفقد بها مصداقية وطن بأكمله.
إن الأمن الغذائي ليس مجرد مادة تُنتج وتُستهلك، بل هو قضية سيادة وطنية وركيزة من ركائز الاستقرار الاجتماعي. ومن العبث أن نُقحمها في صراعات سياسية ضيقة أو حسابات انتخابية مؤقتة.
فالبلاد التي يُشكّك أبناؤها في مؤسساتها، دون بيّنة أو مسؤولية، تُعرّض نفسها لخطر أشد من الجوع نفسه: خطر فقدان الثقة.
فالبلاد التي يُشكّك أبناؤها في مؤسساتها، دون بيّنة أو مسؤولية، تُعرّض نفسها لخطر أشد من الجوع نفسه: خطر فقدان الثقة.
خاتمة وتنبيه لكل مواطن غيور على وطنه:
ليتذكّر كل من يتحدث باسم الوطن أن الكلمة أمانة، وأن من يعبث بها إنما يعبث بثقة أمة وبسلامة وطن.
إن الوطن لا يُبنى بالحجارة وحدها، بل تُشاد أركانه بثقة أبنائه، ومن يفرّط في هذه الثقة كمن يهدّ أساس البيت الذي يأويه.
إن الوطن لا يُبنى بالحجارة وحدها، بل تُشاد أركانه بثقة أبنائه، ومن يفرّط في هذه الثقة كمن يهدّ أساس البيت الذي يأويه.
قد يُغفر الخطأ في الفعل، لكن لا يُغفر الخطأ في الكلمة إن أصابت قلب الوطن. فليكن ضميرنا يقظًا، وعقلنا حاضرًا، ولساننا صادقًا... فالكلمة إن خرجت لا تعود، وإن جرحت لا تندمل، وإن زعزعت الثقة، فقد تمسّ روح الوطن نفسها.
لقد علّمنا التاريخ أن الكلمة قد تبني أمة كما قد تهدمها، وأن الشعوب التي تفقد ثقتها في مؤسساتها تفقد بوصلتها نحو المستقبل.
فلنحذر جميعًا من إطلاق الكلام على عواهنه، ولنجعل مصلحة الوطن، وصيانة الثقة بين الشعب ومؤسساته، فوق كل الحسابات والمزايدات السياسية.
فالمغرب أكبر من الأشخاص، وأغلى من المقاعد، وأبقى من كل ضوضاء عابرة.