Wednesday 29 October 2025
Advertisement
كتاب الرأي

محمد سالم الشافعي: هل ستون يوما كافية لتبديد غيوم عقود من القطيعة؟  

محمد سالم الشافعي: هل ستون يوما كافية لتبديد غيوم عقود من القطيعة؟   محمد سالم الشافعي
يرى مهتمون ومتابعون للعلاقات المغربية الجزائرية أنه منذ استقلال الجزائر، تعرف علاقة البلدين حالة مدٍّ وجزر، أدت إلى تلبّد الغيوم في أجواء منطقة المغرب العربي، مما تسبب في إيقاف عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي كانت البلدان المغاربية في أمسّ الحاجة إليها. غير أن قضية الصحراء التي اتخذتها الجزائر "قضيتها" زادت من تنافر البلدين، رغم أن المغرب مدّ يده أكثر من إحدى عشرة مرة إلى جارته الجزائر، وعلى لسان العاهل المغربي محمد السادس، إلا أن الجزائر ظلّ نظامها يصرّ على أن يضع أصابعه في آذانه.
 
هذا التعنّت جعل الولايات المتحدة تدخل على الخط لإعادة العلاقات المغربية الجزائرية، مدفوعةً بالوضع الجيوسياسي الدولي الذي أفرز منافسة قوية بين الدول العظمى، وعلى رأسها أمريكا، بشأن القارة الإفريقية.  

ويرى المتابعون أن محاولة إعادة العلاقات بين الجارتين في شمال إفريقيا بعد عقود من الجفاء، وفي ظرف ستين يوماً فقط، تبدو بمنطق التدخل الخارجي في صراعٍ عمر طويلاً.  

كما أجمع مهتمون بالشأن المغاربي على أن الجارتين، المغرب والجزائر، تخوضان صراعاً تاريخياً من أجل إثبات الذات التاريخية، ومن هنا جاءت الوساطة الأميركية التي تدرك البعد التاريخي للمغرب (اعتراف أمريكا المبكر به). وبالتالي، فإن الوساطة الأميركية لها بعدان: الأول ردّ الجميل للمغرب، والثاني سعيها إلى إعادة ترتيب مصالحها في شمال إفريقيا في ظل تراجع نفوذ فرنسا، وتمدد الحضور القوي لكل من روسيا والصين في القارة الإفريقية.  

ووصف مهتمون بالشأن المغاربي تحديد أمريكا فترة زمنية لإعادة العلاقات المغربية الجزائرية بأنه أمر ظاهره تسريع تسوية الخلاف، بينما باطنه استثمار لتوسيع النفوذ الاقتصادي وتعزيز الأمن الإقليمي. لذلك، يتم الضغط على الجزائر للقبول بالمقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي كحلٍّ لنزاع الصحراء.  

لكن الجزائر ترى في الأمر تهديداً، رغم أنها أصبحت تعيش نوعاً من العزلة المتزايدة، بعد رفض انضمامها إلى مجموعة دول "بريكس"، وما يجري حولها في منطقة الساحل، خصوصاً في دولة مالي. كل هذا يؤكد، حسب متابعين للوضع في الجزائر، أنها مجبرة على الانصياع، خاصة بعدما وقّعت مجموعة من العقود مع الولايات المتحدة "تحت الطاولة" — يُنتظر الكشف عنها قريباً — بما في ذلك التوقيع على اتفاقيات أبراهام.  

وتساءل متابعون ومهتمون بالشأن المغاربي ما إذا كانت الوساطة الأميركية ستشكل نهايةً لصداعٍ بين الجارين، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون بدايةً لإعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالح القوى العظمى، تم الترتيب لها في أجل لا يتعدى ستون يوماً، أي قبل بداية السنة الجديدة 2026.  

لكن مصادر متابعة للأوضاع الداخلية في البلدين (المغرب والجزائر) ترى أن دعوة أمريكا للدولتين لبناء السلام تتطلب إقامة ثقة تامة عبر فتح قنوات التواصل والحدود، والحفاظ على مصالح القوى الكبرى دون الخوض في جوهر المشكل.  
 
ونبّه هؤلاء المتابعون للأوضاع في شمال إفريقيا إلى أن السلام لا يُصنع في ظرفية محددة، بل هو عملية مستمرة تتطلب إرادة سياسية تلامس البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.