Friday 10 October 2025
سياسة

لكماني: الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان.. صناعة التحول في زمن المحاسبة

لكماني: الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان.. صناعة التحول في زمن المحاسبة منير لكماني
شكل الخطاب الملكي لمحمد السادس أمام البرلمان في 10 أكتوبر 2025 محطة مفصلية في مسار الخطاب السياسي بالمغرب، وحسب منير لكماني، من مغاربة ألمانيا، فإن هذا الخطاب يأتي في سياق مرحلة تتسم بتراكم أوراش الإصلاح والتنمية، وارتفاع مطالب المحاسبة والنجاعة بعد أكثر من عقدين من الإصلاحات المؤسسية والاقتصادية، وهو خطاب، حسب لكماني، يتقاطع مع التحولات التي عرفتها البلاد منذ دستور 2011، وما تلاه من برامج كبرى كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والنموذج التنموي الجديد، لكنه يضيف بعدًا جديدًا يتمثل في ربط الشرعية السياسية والمشروعية المؤسسية بمدى تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.
 
 
لم يكن الخطاب الملكي لمحمد السادس في افتتاح الدورة البرلمانية مجرد تقييم للأداء السياسي، بل إعلان عن إعادة تموضع استراتيجي لمسار التنمية الوطنية. لقد رسم معالم مرحلة جديدة، تقوم على العدالة المجالية والاجتماعية، وتحمل المسؤولية المشتركة، وربط الشرعية السياسية بالنجاعة العملية. خطاب يضع الفاعلين أمام منعطف حاسم: إما الاكتفاء بتسيير الممكن أو الانخراط في صناعة التحول.
 
مسؤولية جماعية تتجاوز الحكومة
ورد في الخطاب السامي: “كما أنها أيضًا مسؤولية الأحزاب السياسية والمنتخبين بمختلف المجالس المنتخبة، وعلى جميع المستويات الترابية، إضافة إلى وسائل الإعلام وفعاليات المجتمع المدني، وكل القوى الحية للأمة.”
 
بهذا التوجيه قطع جلالته الطريق على أي محاولة للتنصل. التنمية أصبحت ورشًا وطنيًا جماعيًا، يشمل جميع المؤسسات والهيئات. الرسالة السياسية واضحة: كل تقاعس يُعد تعطيلًا لا معارضة.
 
العدالة المجالية خيار استراتيجي
أكد الخطاب السامي: “فالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ… وإنما نعتبرها توجهاً استراتيجياً يجب على جميع الفاعلين الالتزام به.”
 
هنا تتحول العدالة المجالية إلى مبدأ ناظم للسياسات العمومية. الرسالة المباشرة: أي مشروع تنموي لا يترجم إلى تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية يفقد شرعيته.
 
تمكين الشباب عبر المبادرة والشغل
جاء في الخطاب: “تشجيع المبادرات المحلية والأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل للشباب.”
إنها دعوة إلى تحويل سياسات التشغيل من منطق الانتظار إلى منطق التمكين. الرسالة العملية: الشباب ليسوا مجرد فئة اجتماعية، بل قاعدة للتحول الاقتصادي والتنمية المجتمعية.
 
إعادة الاعتبار للمناطق الجبلية والواحات
ورد في الخطاب السامي: “أصبح من الضروري إعادة النظر في تنمية المناطق الجبلية… وتمكينها من سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها ومؤهلاتها الكثيرة.”
 
هذا إعلان واضح بأن الأطراف لم تعد هامشًا، بل رصيدًا استراتيجيًا. الرسالة هنا: التنمية المندمجة تشمل الجغرافيا كلها، ولا مكان بعد اليوم لسياسات انتقائية أو ظرفية.
 
تنمية السواحل بمنطق الاستدامة
جاء في الخطاب: “التفعيل الأمثل والجدي لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية… وتحقيق التوازن بين التنمية وحمايتها.”
 
المغزى السياسي والاقتصادي واضح: التنمية البحرية يجب أن تُدار بمنطق الاستدامة، حيث تتكامل التنمية مع الحماية البيئية لضمان بقاء الثروة للأجيال القادمة.
 
المراكز القروية كعقد تنموية جديدة
أكد الخطاب السامي: “توسيع نطاق المراكز القروية… على أن تشكل هذه المراكز الناشئة حلقة فعالة في تقريب الخدمات.”
 
الرسالة هنا: العالم القروي لم يعد مجرد فضاء خلفي، بل محور في معادلة التوازن الوطني، عبر تحويله إلى مراكز مؤهلة قادرة على احتضان التنمية والخدمات.
 
ثقافة النتائج والرقمنة بديلاً عن البيروقراطية
شدد جلالته على: “ترسيخ ثقافة النتائج، بناءً على معطيات ميدانية دقيقة، واستثماراً أمثل للتكنولوجيا الرقمية.”
 
هذا توجيه صريح بالانتقال من منطق التسيير التقليدي إلى منطق التدبير الحديث. الرسالة: زمن البيروقراطية انتهى، والمرحلة الجديدة تُقاس بالأرقام والمعطيات الرقمية لا بالتصريحات.
 
المال العام خط أحمر لا يُمس
قال الخطاب السامي: “لا نقبل أي تهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي.”
 
هنا يضع جلالته حدًا فاصلاً: المال العام خط أحمر. الرسالة المباشرة: المشاريع التنموية يجب أن تكون ذات أثر ملموس، وكل تقصير أو تبذير سيُواجَه بالمحاسبة.
 
خريطة المخرجات التنفيذية
1. تقويم زمني مُلزم: استكمال القوانين والمشاريع خلال السنة الجارية.
2. استهداف مجالي ذكي: سياسات مندمجة للمناطق الجبلية والواحات.
3. اقتصاد بحري مستدام: حكامة في الاستغلال وحماية للموارد.
4. عقد قروية خدماتية: إدارات قريبة وخدمات متوازنة.
5. رقمنة مُلزمة بالنتائج: بوابات موحدة وآجال قانونية دقيقة.
6. تعقب الأثر المالي: ربط الميزانيات بالمردودية الاجتماعية والمجالية.
 
الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس أعاد صياغة المعادلة السياسية والتنموية: شرعية تستند إلى النتائج، وعدالة تُقاس بمدى الإنصاف المجالي، وشباب يُستدعى للقيادة لا للانتظار. إن زمن التسيير الروتيني قد انتهى، ودخلت البلاد مرحلة صناعة التحول في ظل المحاسبة.
 
الجواب على هذا التحدي لن يظهر في الخطب والبيانات، بل في الأثر الملموس على الأرض: في القرى، على السواحل، وفي المؤسسات. هناك فقط ستُختبر بلاغة الخطاب ببلاغة الإنجاز.