Wednesday 8 October 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: هل تتحول البادية من كتلة انتخابية إلى كتلة احتجاجية؟

بنسعيد الركيبي: هل تتحول البادية من كتلة انتخابية إلى كتلة احتجاجية؟ بنسعيد الركيبي
كانت البادية المغربية لوقت طويل تشكل خزانا انتخابيا للأحزاب والمرشحين. حيث يتم استثمار  أصوات الفلاحين والساكنة البسيطة لترجيح كفة هذا الحزب أو ذاك عبر الولاءات التقليدية وشبكات الأعيان، في مشهد انتخابي جعلها رهانا حاسما في تشكيل المجالس المنتخبة. غير أنه ومع مرور الزمن تآكلت سلطة الأعيان وتراجعت ثقة الناس في الوعود، وبدأت البادية تفقد دورها ككتلة انتخابية صامتة، لتلوح في الأفق ملامح تحول جديد.
 
وهكذا بدأنا  نشهد خروج سكان قرى نائية في مسيرات طويلة، يقطعون خلالها عشرات الكيلومترات سيرا على الأقدام لإيصال صوتهم إلى المسؤولين. من أجل الماء أو الطرق أو الكهرباء أو الحق في الصحة والتعليم. وهي المشاهد التي عكست أن صمت القرى أصبح مؤشرا على تراكم الغضب وغياب قنوات الوساطة. فالساكنة التي كانت تنخرط انتخابيا لمجرد وعد ببئر أو مسلك طرقي، صارت تدرك أن حاجياتها الأساسية لا يمكن أن تبقى رهينة لحسابات الحملات الانتخابية الإنتهازية.
 
ويزيد من هذا التحول أن سلطة الأعيان التي كانت تتحكم لعقود في أصوات الدواوير وتتصرف فيها بما يخدم مصالحها، بدأت تتآكل بشكل ملحوظ. فالفضاء الرقمي بمنصاته المختلفة فتح نافذة وعي جديدة أمام شباب القرى الذين صاروا يقارنون بين وعود الأعيان وصور الواقع التي يرونها على شاشات هواتفهم. وهكذا لم تعد "الخدمات مقابل التصويت" معادلة مقبولة، وصار ينظر إليها كابتزاز سياسي بائد. فنشأ جيل قروي لا يخاف التعبير والاحتجاج.
واليوم هل ستظل البادية مجرد كتلة انتخابية يسهل التحكم في مسارها، أم أنها بصدد التحول إلى كتلة احتجاجية صامتة تنفجر بين الحين والآخر؟ 
 
ما وقع في بعض المناطق القروية يعكس أن الإحتجاج صار وسيلة للتعبير حين يفشل التصويت في تغيير الأوضاع. وهذا مؤشر على أن الخريطة السياسية في باديتنا مرشحة لإعادة التشكيل وفق منطق جديد، حيث يتفوق المطلب الإجتماعي على الولاء الانتخابي.
مما يفرض على الفاعل والمخطط والمشرع أن يعاملوا البادية باعتبارها شريكا في التنمية، وليست مجرد صندوق انتخابي. فإما أن تستعاد الثقة من خلال مشاريع ملموسة تحسن حياة الناس هناك أو أن يترسخ المسار الاحتجاجي ليصير لغة القرية الجديدة في مواجهة الإهمال والتهميش.