Tuesday 7 October 2025
سياسة

ابراهيم بوليد: نزار بركة والغدر السياسي.. التاريخ يعيد نفسه

ابراهيم بوليد: نزار بركة والغدر السياسي.. التاريخ يعيد نفسه ابراهيم بوليد في خلفية الصورة مع نزار بركة
عبر الزميل الصحافي، إبراهيم بوليد، عن قلقه من تكرار ما اعتبره "الغدر" السياسي والتناقضات داخل حزب الاستقلال، خاصة في سياق مشاركته في حكومة عزيز أخنوش، والتحديات التي يواجهها في الحفاظ على وحدته وصدقية مواقفه.
 
 
يبدو أن التاريخ السياسي لحزب الاستقلال في العقد الأخير يعيد نفسه، فمشهد الغدر السياسي الذي يطبع سلوك الحزب منذ سنوات عاد إلى الواجهة من خلال مواقف أمينه العام نزار بركة، الذي اختار في لحظة حرجة أن يتنصل من المسؤولية الحكومية، تمامًا كما فعل سلفه حميد شباط عندما غدر بحكومة بنكيران و"خوا بيه في نص الطريق" وغادر صفّ الأغلبية.
المسؤولية السياسية لا تقتصر على التنظير أو الخطابة، بل تتجسد في الممارسة اليومية داخل مؤسسات الدولة. غير أن نزار بركة، خلال ظهوره في برنامج بكل وضوح، لم يكن لا واضحًا ولا منسجمًا مع ذاته، ولا مع الشباب، ولا حتى مع حلفائه في التسيير الحكومي. بدا، في لحظات كثيرة من الحوار، وكأنه يصرخ في ارتباك: "أميمتي... أش هادشي فاش طحت!"
من خلال تصريحاته، يتضح أن الرجل ما زال أسير مبدأ الغنيمة في التفكير السياسي، وأن منطلقه ليس روح المسؤولية الجماعية، بل حسابات حزبية ضيقة عوض "تارجليت" والاستماتة في الدفاع عن حكومة لم يتبقَّ في عمرها سوى عام واحد.
في مقابل ذلك، يفرض منطق التضامن الحكومي نفسه كقاعدة أساسية لأي تحالف ناجح. فالتجربة المغربية علمتنا أن الأزمات ليست نهاية العالم، وأن تجاوزها ممكن متى وُجد الإقرار بوجود عمل مشترك بين مكونات الأغلبية.
المغرب، بتاريخه وتجربته السياسية، يمتلك مناعة كافية للخروج منتصرًا من كل أزمة، لكن هذا الانتصار يحتاج إلى وضوح في الموقف لا إلى هروب إلى الأمام.
الغريب في مواقف نزار بركة أنه، رغم كونه عضوًا في الحكومة وفاعلًا أساسيًا في أغلبيتها، اختار أن يقدم نفسه في البرنامج بصفته أمينًا عامًا لحزب الاستقلال فقط، متجاهلًا أنه وقّع على ميثاق الشرف والتضامن الحكومي، الذي يلزمه بالتحمل الجماعي للمسؤولية.
هذا الموقف يعيد إلى الأذهان نمطًا متكررًا في سلوك الحزب: المشاركة في الحكم حين تكون المكاسب ممكنة، والتنصل عند أول إشارة إلى الأزمات أو الخلافات.
ولعل أكثر ما يثير الاستغراب أن بركة، في الوقت الذي يسعى فيه إلى تحميل المسؤولية لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، يظهر وكأنه يُمهّد للانسحاب من الحكومة، في مشهد يعيد للأذهان اللحظة التي انسحب فيها حزب الاستقلال من حكومة بنكيران، مخلفًا ارتباكًا سياسيًا كبيرًا. وكأن التاريخ يعيد نفسه: "باش يفشل أخنوش، ينسحب ويحش ليه ركابي!"
في المقابل، يبرز التناقض جليًا حين نقارن أداء نزار بركة بالخطاب السياسي الواضح والصلب للوزير الشاب مصطفى بايتاس، الذي يواجه الأسئلة بالحجج والوقائع، ويدافع عن اختيارات الحكومة بمنطق سياسي مسؤول. الفرق بين الرجلين واضح: أحدهما يتحمل مسؤوليته كاملة، والآخر يتهرب منها حين تشتد العاصفة.
ما قام به نزار بركة ليس مجرد موقف عابر، بل حلقة جديدة في مسلسل طويل من التناقضات داخل حزب الاستقلال، حزبٍ ظلّ ممزقًا بين طموح العودة إلى الواجهة وتوجس تحمّل تبعات المشاركة في الحكم. وبين هذا وذاك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يتعلم الحزب من تاريخه، أم سيستمر في إعادة إنتاج نفس "الغدر السياسي" الذي كلفه الكثير في الماضي؟