منذ مدة ليست بالقصيرة لم أكتب في الشأن الرياضي، ولا الكروي حصراً، ولكن موضوعاً كهذا يفرض عليك نفسه لأنه ثقيل، وملتبس، وحافل بالمساوئ والنقائص... موضوع حوّل المؤسسة الإعلامية العتيدة "فرانس فوتبول" ذات الصيت العالمي، ومعها الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، والأوروبي بتحصيل الحاصل، وكل الأوساط الرياضية الكروية، إلى سيرك فاشل يحفل بالرداءة والانحطاط، وغياب الضمير المهني، وسقوط الوازع الأخلاقي... وهلم مآخذَ ومساوئَ من جميع الأشكال والأنواع، وكل ذلك تجلى بوضوح يعمي الأنظار، في حفل توزيع جوائز الموسم الكروي، التي تحمل اسم "كرة فرانس فوتبول الذهبية"، على اللاعبين الأكثر تألقاً وعطاءً، لولا أن التألّق والعطاء كانا هما الغائبَيْن الأكثرَ وضوحاً والأثقلَ وزناً في تلك التظاهرة!!
لقد آلت الكرة الذهبية بعد طول مخاض، وبعد زخّات تشويقٍ كاذب، إلى المواطن الفرنسي ذي الأصل إفريقي، "عثمان ديمبيلي" من نفس الفريق الذي يلعب له المرشح العالمي، اللاعب المغربي أشرف حكيمي، "باري سان جيرمان، بفارق جوهري وشاسع بين أدائَيْ اللاعبَيْن، ليس لفائدة اللاعب الفرنسي الفائز بالكرة، وإنما لصالح نظيره المغربي، على مستوى عدد المشاركات في الفريق الوطني لكل منهما، وعدد الأهداف المسجلة طوال المسار الكروي، وكذا عدد "الأسيستات" أو الفرص التي أتاحها كل منهما لرفاقه في فريق "باري يان جيرمان"، والتي أثمرت أهدافاً قدّمها هذان اللاعبان لمهاجمي هذا الفريق على أطباق من ذهب!!
الحال أن الشهور القليلة، التي سبقت ذلك الحفل الغريب، تداولت فيها وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي واللااجتماعي أسمي اللاعبين معاً، وكأنهما يتنافسان بنزاهة قياسية على نيل ذلك التشريف "الفرانس فوتبولي"، فكانت جماهير المحللين والمتتبعين تكاد تُجمِع على تكريس الغلبة الساحقة للاعب المغربي أشرف، بعد أن أكدت ذلك وزكّته البيانات الإحصائية المعممة على أوسع نطاق بجهات العالَم الأربع، يضاف إلى ذلك غياب الاحترافية في تحليلات الصحافيين والإعلاميين العرب تحديداً، والذين انساقوا وراء عواطفهم، وهو انسياق رغم كونه في محله فإنه لم يحسبها بالعقل، لأن العقل منتبه كما في كل مناسبة مماثلة إلى أن هناك عوامل أخرى لا علاقة لها بهذه الرياضة الجماهيرية، منها السياسي، ومنها الشوفينيّ، والنرجسيّ المَرَضي، الذي يجعل الفرنسيين يُسقِطون كل مبادئهم ويتخلّون عن كل قِيَمهم حتى لا يمنحون ذلك التشريف لغير ابن جلدتهم، أو ابن قارتهم، ولذلك ارتفعت أعداد الحائزين على تلك الكرة الذهبية التعسة من فرنسا، ومن دول أوروبا الغربية، بالقياس مع باقي الجنسيات الحاصلة على ذلك الاستحقاق!!
نعم... السياسة أفسدت الضمائر والأخلاق، وطمرت المبادئ، وأسقطت القِيَم في كل مجالات الحياة، فأبت إلاّ أن تفعل الشيء نفسه في عالم الرياضة، وفي ميدان كرة القدم بشكل خاص، وبهذا، سقط النجم المغربي العالمي أشرف حكيمي إلى المركز السادس، وسقطت معه "فرانس فوتبول"، والإدارة الفرنسية، الكسيحة أصلاً، حتى فقد هذا الاستحقاق الفرنسي والأوروبي ذي الصيت العالمي ألَقَهُ ولم تعد له أدنى قيمة!!
هكذا... و في إطار هذه المظاهر والتجليات الفاضحة، كان الخاسر الأكبر برسم موسم 2025 ليس أشرف حكيمي بقده وقديده، بل مؤسسة "فرانس فوتبول"، والاتحاد الفرنسي ونظيره الأوروبي لكرة القدم، ومع هؤلاء بعض الاتحادات الإفريقية الهجينة والمَدينة دائما وأبدا بالتبعية لمستعمِرها القديم، فرنسا، ومع كل هذه المؤسسات والآليات تأتي الشخصيات الرياضية والكروية المنافقة والمخاتلة، التي تبدي عكس ما تُضمره وتُعمِل معاولها الهدامة فيما يمكن وصفه بالماسوشية السوداء، التي جعلت اتحاداً كرويا مثل الاتحاد الجزائري ونظيره التونسي يتمنيان الفشل لأفضل اللاعبين العالميين في الموسم المنصرم على الإطلاق، وهو اللاعب المغربي الرائع، أشرف حكيمي، الذي يقال إنه ضاق ذرعاً بنفاق الفرنسيين فحمل تجربته وبراعته وجمال روحه وأخلاقه إلى النادي الإنجليزي مانشتر سيتي، ليزداد هناك وزناً على وزن، وفخامةً على فخامة، تاركا "باري سان جيرمان" للاعبين الفرنسيين، الذين من غرائب المفارقات أن تسعين في المائة من فريقهم الوطني هم من ذوي البشرة السوداء، والأصول الإفريقية... عجبي!!!.