Saturday 26 July 2025
اقتصاد

حبات الكينوا تغير حياة فلاحين في العرائش

حبات الكينوا تغير حياة فلاحين في العرائش تعد الكينوا من الزراعات الصاعدة في المغرب بالنظر إلى تكيفها الطبيعي مع البيئات الجافة
في ظل تفاقم آثار التغير المناخي، وندرة الموارد المائية، وتكرار موجات الجفاف، أضحت الفلاحة المغربية مطالبة بالتجديد والتحول نحو زراعات بديلة، أقل استهلاكا للماء وأكثر قدرة على الصمود. وفي هذا السياق، يتقدم برنامج "المثمر" التابع للمكتب الشريف للفوسفاط بخطى واثقة نحو إدماج الكينوا كنموذج زراعي واعد، يجمع بين الجدوى الاقتصادية والقدرة على التكيف، كما تظهر النتائج الميدانية المسجلة في منصة العرائش، إحدى المحطات النموذجية ضمن هذا التوجه الاستراتيجي.

وتعد الكينوا من الزراعات الصاعدة في المغرب، بالنظر إلى تكيفها الطبيعي مع البيئات الجافة وشبه الجافة، وقدرتها على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، والملوحة، وشح المياه. كما أن قيمتها الغذائية العالية (بروتين، حديد، زنك) تفتح آفاقا واسعة لاستعمالها في الصناعات الغذائية الصحية، ما يعزز مكانتها ضمن محاصيل المستقبل التي تراهن عليها المملكة لتحقيق الأمن الغذائي.

وفي زيارة ميدانية لمنصة تطبيقية لمبادرة "المثمر" بجماعة "ريصانة الشمالية" إقليم العرائش، قال الحجام عبد الدايم، مهندس فلاحي ومسؤول جهوي لهذه المبادرة بالشمال والغرب، في تصريح لـ "الصحراء المغربية" "إن عملية الحصاد التي تجري الآن تؤكد بالملموس جدوى زراعة الكينوا بهذه المنطقة التي تعاني من قلة التساقطات المطرية. ودورنا أمام هذا الوضع هو المساهمة في تنويع الأنظمة الزراعية، بتقديم وتنزيل زراعات بديلة أكثر مرونة واستدامة، وقادرة على التأقلم مع مختلف الظروف المناخية".

وأضاف المتحدث "هذه الزراعة تحتاج إلى كميات قليلة من الماء وتتأقلم مع جميع أنواع التربة، ونحن نعمل هنا على تنزيل مرامي هذه المنصة التطبيقية بشراكة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية والفلاحين، حتى نضمن نقل تفاصيل المسار التقني لهذه الزراعة، وتقريبه من المستفيدين من ناحية المواكبة وتحاليل التربة وتحديد التسميد اللائق، ضمانا للمحافظة على الموارد الطبيعية للمنطقة".

ولفت عبد الديم إلى أن مردودية الكينوا بهذه المنصة قفزت إلى 25 قنطارا للهكتار الواحد، وهو ما اعتبره تطورا بنسبة 87 في المائة، مقارنة مع الزراعة التقليدية التي لا تتجاوز في أحسن الحالات 14 قنطارا بالهكتار.

وكشف المهندس الفلاحي لـ "الصحراء المغربية"، أن هذه التجربة الرائدة لزراعة الكينوا تمارس حاليا في 12 إقليما على الصعيد الوطني، وقال "نشتغل على هذا الورش منذ ثلاث سنوات، وبالعراش انضم إلى هذه المنصة التطبيقية 20 فلاحا اقتنعوا بجدوى هذه الزراعة البديلة، وبباقي المنصات هناك أزيد من مائة فلاح يتابعون هذا المسار الواعد".

منال المهادي، أستاذة باحثة بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات ببجرير، صرحت لـ "الصحراء المغربية"، قائلة "بعد سبع سنوات من البحث المتواصل بمختبرات جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ببنجرير، نحتفل هنا بريصانة الشمالية بحصاد الكينوا، وننزل أبحاثنا لفائدة الفلاحين الصغار".

واستطردت موضحة "عملنا على تحديد الصيغة الملائمة التي تجمع بين التسميد والنبات والتربة والمناخ، والأمور تسير بشكل جيد في هذه المنصة التطبيقية الممتدة على 13 هكتار".

وقال رضوان خيرون، صاحب القطعة الفلاحية التي استفادة من المنصة التطبيقية لمبادرة المثمر "أنا وكل من اهتم بهذه الزراعة البديلة نشعر بالارتياح، وتبين أن زراعة الكينوا ستغير الكثير من الأمور وتضمن استمرارية نشاطنا ورفع مردوديتنا خاصة في ظل توالي الجفاف، وما لاحظناه، أيضا، هو أن القيمة السوقية واعدة لهذا المنتوج الذي يلقى إقبالا متزايدا بالنظر إلى قيمته الغذائية". 
 
"المثمر": ثلاث سنوات من التجربة والعطاء
وأفادت هذه الزيارة والمعطيات التي قدمها فريق "مبادرة المثمر" أنه منذ موسم 2022-2023، بدأ برنامج "المثمر" في إدماج الكينوا عبر إنشاء 106 منصة تجريبية موزعة على 60 موقعا و12 إقليما (من بينها العرائش، اليوسفية، خريبكة، أزيلال، مكناس، وغيرها)، بغية دراسة ملاءمة هذا المحصول مع مختلف المناطق الزراعية المغربية.

وقد تم اعتماد برنامج متكامل للزراعة الدقيقة (ICP) خاص بالكينوا، يدمج التحاليل المخبرية، اختيار الأصناف، المكننة، التسميد، إدارة الأمراض، والمواكبة خلال وبعد الحصاد. وتعد هذه المبادرة واحدة من المشاريع الرائدة لإدخال ثقافة زراعية جديدة على مستوى التراب الوطني.
 
نتائج منصة العرائش: أرقام واعدة
شهدت المنصة التجريبية للكينوا بجماعة ريصانة الشمالية التابعة لإقليم العرائش، نتائج تقنية واقتصادية مشجعة خلال موسم 2024-2025، حيث تم اعتماد صنف الكينوا المسمى Punoالذي يحقق مردودية بالمنصة التجريبية تبلغ 25.9 قنطارا للهكتار الواحد، في حين تصل مردودية القطعة المرجعية (المقارنة) 14.0 قنطار للهكتار، وهي قطعة تمت زراعتها دون اعتماد التقنيات التي قامت "مبادرة المثمر" بإنزالها، وتبين بالملموس أن الفرق في المردودية يناهز +11.9 قنطار في كل هكتار.

تأطير شامل ومواكبة عن قرب للفلاحين
أظهرت هذه الزيارة، أن برنامج "المثمر" يعتمد في سياق دعم للفلاحين الصغار، على مقاربة ترتكز على ثلاث مستويات من المواكبة التأطير التقني، وتحليل التربة قبل الزرع، واختيار الأصناف المناسبة حسب المنطقة، وتسميد عقلاني مبني على نتائج التحاليل، ومكافحة متكاملة للأمراض والآفات، وتلقين تقنيات الحصاد والتخزين.

وبخصوص التكوين والتدريب، تبين لـ "الصحراء المغربية"، أن مجهودات هذه المبادرة تنكب على تنظيم وتأطير دورات نظرية يؤطرها باحثون وخبراء، و"مدارس حقلية" لتعلم مباشر في الميدان.

وتجسد تجربة الكينوا بالعرائش تحولا نوعيًا في التفكير الفلاحي بالمغرب. فهي ليست فقط زراعة بديلة، بل مكون أساسي في بناء فلاحة مستقبلية مرنة، مستدامة، ومبنية على العلم والابتكار. ومن خلال نهج تشاركي يضع الفلاح في قلب المنظومة، يُؤسس برنامج "المثمر" لنموذج فلاحي مغربي جديد، قادر على التكيف مع تحديات المناخ، وخلق القيمة على مستوى التراب المحلي.

تتركز زراعة الكينوا في أمريكا الجنوبية بشكل رئيسي في منطقة الأنديز، وتحديدا في كل من بيرو وبوليفيا والإكوادور وكولومبيا، وتعتبر بيرو أكبر منتج للكينوا في العالم.

وتمثل منطقة الألتيبلانو في جبال الأنديز، بالقرب من المسطحات المالحة، المنطقة الرئيسية لزراعة الكينوا الموجهة للتصدير، حيث يسيطر صغار المزارعين ورابطاتهم على غالبية الإنتاج. 

بالإضافة إلى ذلك، هناك مساحات متواضعة من الكينوا تزرع في مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وبعض مناطق أفريقيا وآسيا. 

وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت سنة 2013 "السنة الدولية للكينوا"، تقديرا للدور التاريخي لشعوب الأنديز في حفظ هذا النبات كغذاء مستدام للأجيال.
 

عن الزميلة (الصحراء المغربية) عدد يوم الجمعة 25 يوليوز 2025