Friday 25 July 2025
كتاب الرأي

حمزة الحمداوي: الاتحاد الاشتراكي مهدد في وحدته التنظيمية والحركة الشعبية تعاني من تصلب قيادي

حمزة الحمداوي: الاتحاد الاشتراكي مهدد في وحدته التنظيمية والحركة الشعبية تعاني من تصلب قيادي حمزة الحمداوي
في‭ ‬خضم‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬المغرب،‭ ‬تتعمق‭ ‬أزمة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬التاريخية،‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬سابقة‭ ‬رافعة‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭. ‬أحزاب‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬والحركة‭ ‬الشعبية،‭ ‬تعيش‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬اهتزازات‭ ‬تنظيمية‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬بنيوية‭ ‬تتجاوز‭ ‬الخلافات‭ ‬الآنية‭ ‬نحو‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭ ‬الحزبية‭ ‬ذاتها‭.‬
 
حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬كامتداد‭ ‬لحركة‭ ‬وطنية‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬مضى‭ ‬فضاء‭ ‬لاستقطاب‭ ‬النخب‭ ‬المثقفة‭ ‬والمدافعين‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ولعب‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الوعي‭ ‬السياسي‭ ‬لدى‭ ‬اجيال‭ ‬متعاقبة،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭. ‬غير‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الحزب،‭ ‬ومنذ‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية،‭ ‬بدأ‭ ‬يفقد‭ ‬بريقه‭ ‬ورصيده‭ ‬النضالي،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬صعود‭ ‬ادريس‭ ‬لشكر‭ ‬الى‭ ‬القيادة‭ ‬سنة‭ ‬2012،‭ ‬حيث‭ ‬برزت‭ ‬بوضوح‭ ‬مظاهر‭ ‬الفردانية‭ ‬السياسية،‭ ‬وتراجع‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي،‭ ‬وتآكل‭ ‬الاليات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الداخلية‭.‬
 
التحول‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬الحزب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬تنظيمي،‭ ‬بل‭ ‬عكس‭ ‬إعادة‭ ‬تموقع‭ ‬سياسي‭ ‬يثير‭ ‬جدلا‭ ‬داخل‭ ‬القواعد‭ ‬الحزبية‭ ‬نفسها‭. ‬فبدل‭ ‬ان‭ ‬يواصل‭ ‬الحزب‭ ‬دوره‭ ‬التاريخي‭ ‬كقوة‭ ‬نقدية‭ ‬واقتراحية،‭ ‬انخرط‭ ‬تدريجيا‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬التسويات‭ ‬التكتيكية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬حضوره‭ ‬باهتا‭ ‬في‭ ‬المحطات‭ ‬الانتخابية‭ ‬الاخيرة،‭ ‬وادى‭ ‬الى‭ ‬انسحاب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اطره‭ ‬التقليديين،‭ ‬مقابل‭ ‬بروز‭ ‬وجوه‭ ‬جديدة‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تفتقر‭ ‬الى‭ ‬الشرعية‭ ‬التنظيمية‭ ‬او‭ ‬التأطير‭ ‬السياسي‭ ‬العميق‭.‬
 
الصراعات‭ ‬الاخيرة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬فروع‭ ‬الحزب،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬فاس‭ ‬أو‭ ‬الرباط‭ ‬أو‭ ‬الناظور،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬تباين‭ ‬فكري‭ ‬أو‭ ‬جدل‭ ‬برامجي،‭ ‬بل‭ ‬جسدت‭ ‬سباقا‭ ‬محموما‭ ‬نحو‭ ‬التزكيات‭ ‬والمواقع‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تحولا‭ ‬خطيرا‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭. ‬ففي‭ ‬الناظور‭ ‬مثلا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬البرلماني‭ ‬محمد‭ ‬ابركان‭ ‬ورئيس‭ ‬جماعة‭ ‬الناظور‭ ‬سليمان‭ ‬ازواغ‭ ‬مجرد‭ ‬نزاع‭ ‬عابر،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬مؤشرا‭ ‬على‭ ‬هشاشة‭ ‬البنية‭ ‬الداخلية،‭ ‬وغياب‭ ‬التوافق‭ ‬التنظيمي،‭ ‬وتراجع‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬والمؤسسات‭.‬
 
هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬يمر‭ ‬بمرحلة‭ ‬دقيقة‭ ‬قد‭ ‬تهدد‭ ‬وحدته‭ ‬التنظيمية‭ ‬وفعاليته‭ ‬السياسية‭ ‬اذا‭ ‬لم‭ ‬تواكبها‭ ‬عملية‭ ‬نقد‭ ‬ذاتي‭ ‬شاملة‭ ‬ومسؤولة،‭ ‬تعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للمبادئ‭ ‬التي‭ ‬تأسس‭ ‬عليها،‭ ‬وتفتح‭ ‬المجال‭ ‬امام‭ ‬قيادات‭ ‬جديدة‭ ‬تمتلك‭ ‬الكفاءة‭ ‬والرؤية،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬الولاءات‭ ‬والمصالح‭ ‬الضيقة‭.‬
 
من‭ ‬جهته،‭ ‬يعيش‭ ‬حزب‭ ‬الحركة‭ ‬الشعبية‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬أزمة‭ ‬صامتة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬خطورة‭. ‬الحزب،‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬تاريخيا‭ ‬ممثلا‭ ‬للهوية‭ ‬الأمازيغية‭ ‬والمجالات‭ ‬القروية،‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تصلب‭ ‬قيادي‭ ‬واحتكار‭ ‬للقرار‭ ‬داخل‭ ‬دائرة‭ ‬مغلقة‭. ‬وتتحدث‭ ‬مصادر‭ ‬حزبية‭ ‬عن‭ ‬قيادي‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬سرية‭ ‬مع‭ ‬أحزاب‭ ‬أخرى،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬موجة‭ ‬استياء‭ ‬داخل‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬وشبيبة‭ ‬الحزب‭. ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬دفعت‭ ‬بعض‭ ‬الفاعلين‭ ‬الحزبيين‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬الجدي‭ ‬في‭ ‬الانشقاق‭ ‬وتأسيس‭ ‬إطار‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬ديمقراطية‭ ‬فعلية‭.‬
 
هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬المتلاحقة‭ ‬تطرح‭ ‬سؤالا‭ ‬جوهريا:‭ ‬هل‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بتجاذبات‭ ‬عابرة‭ ‬داخل‭ ‬أحزاب‭ ‬عريقة،‭ ‬أم‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬أزمة‭ ‬هيكلية‭ ‬عميقة‭ ‬تهدد‭ ‬استمرارية‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي؟
 
الواقع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الانقسامات‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تقرأ‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬الداخل‭ ‬الحزبي،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬تؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬الأحزاب‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬العزوف‭ ‬السياسي،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكيانات‭ ‬التنظيمية‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬طموحاتهم‭ ‬أو‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬أولوياتهم‭.‬
 
وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬توجيهات‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬الذي‭ ‬شدد‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناسبات‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬تجديد‭ ‬النخب‭ ‬السياسية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬مصداقية‭ ‬الأحزاب‭ ‬عبر‭ ‬الارتباط‭ ‬الفعلي‭ ‬بقضايا‭ ‬المواطن‭. ‬الخطابات‭ ‬الملكية،‭ ‬سواء‭ ‬بمناسبة‭ ‬عيد‭ ‬العرش‭ ‬أو‭ ‬افتتاح‭ ‬الدورات‭ ‬البرلمانية،‭ ‬حملت‭ ‬رسائل‭ ‬واضحة‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين،‭ ‬وضمان‭ ‬التزامهم‭ ‬بخدمة‭ ‬الصالح‭ ‬العام،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬عبر‭ ‬أداء‭ ‬سياسي‭ ‬مسؤول‭ ‬وفاعل‭ ‬يعكس‭ ‬انتظارات‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭.‬
 
وتبقى‭ ‬هذه‭ ‬الإشارات‭ ‬الملكية‭ ‬بمثابة‭ ‬توجيهات‭ ‬استراتيجية‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية،‭ ‬تستدعي‭ ‬تفاعلا‭ ‬مسؤولا‭ ‬من‭ ‬الفاعلين‭ ‬الحزبيين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراجعة‭ ‬جادة‭ ‬لأساليب‭ ‬العمل،‭ ‬وتعزيز‭ ‬وظائف‭ ‬التأطير‭ ‬والإنصات‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬المواطنين،‭ ‬بما‭ ‬يعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الحسابات‭ ‬الضيقة‭ ‬والصراعات‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تضعف‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭.‬
 
وفي‭ ‬خضم‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬المرتبك،‭ ‬قد‭ ‬تشكل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬فرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬البناء‭ ‬والتصحيح،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬انبثقت‭ ‬عنها‭ ‬ديناميات‭ ‬داخلية‭ ‬جديدة‭ ‬تؤمن‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬الداخلية،‭ ‬وتجدد‭ ‬أدوات‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭. ‬فقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لظهور‭ ‬قيادات‭ ‬تؤمن‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬لا‭ ‬بالأشخاص،‭ ‬وبالكفاءة‭ ‬لا‭ ‬بالولاء،‭ ‬وبالمصلحة‭ ‬العامة‭ ‬لا‭ ‬بالامتيازات‭ ‬الخاصة‭.‬
 
حمزة الحمداوي، أستاذ جامعي