انتفض عدول المغرب، خلال ندوة وطنية علمية بمدينة طنجة تحت عنوان: "القانون المنظم للتوثيق العدلي: بين مشروعية المطالب وسؤال الحكامة"، ضد ما أسموه الحيف التشريعي، وذلك في سياق تصاعد الحراك المهني والحقوقي الذي تعرفه مهنة التوثيق العدلي، وفي ظل النقاش التشريعي الجاري حول مشروع تعديل القانون رقم 16.03 المنظم لخطة العدالة.
و شهدت الندوة التي شارك فيها العدول وقضاة، محامين، وأساتذة جامعيين، مرافعات دفاعًا عن ما وصفه منظموها بـ"مطالب مهنية مشروعة ومؤسسة على مرجعيات دستورية وقانونية"، في ظل ما يعتبره المهنيون "تمييزًا تشريعيًا صارخًا" تجاه مهنة التوثيق العدلي مقارنة بباقي المهن التوثيقية الأخرى.
و من أبرز المطالب التي طرحها المتدخلون خلال الندوة، الدعوة إلى مراجعة المسؤولية الجنائية المشتركة بين عدلين والتي يفرضها القانون الحالي، معتبرين أنها تخالف مبدأ "شخصية العقوبة" الذي يكفله الدستور المغربي و رفع التمييز التشريعي بين مهن التوثيق، ووضع حد لما وصفوه بـ"الحكرة التشريعية" التي تُسرّع القوانين لفئة مهنية على حساب أخرى و الانتقال إلى نظام "الكاتب العدل" عوض الاكتفاء بصيغة "العدلَين"، انسجامًا مع توصيات ميثاق إصلاح العدالة ومع التحولات الدستورية والقانونية و مراجعة نظام التزكية في العقود الحساسة كعقود الزواج والطلاق، بما يضمن المزيد من الشفافية والفعالية القانونية و تسريع المصادقة على مشروع قانون خطة العدالة (22.16) مع فتح نقاش جاد حول مضامينه ومطالب العدول ضمن المسار التشريعي.
وأكد رئيس الهيئة الوطنية للعدول، سليمان إدخول، في كلمته أن الهيئة لا تمارس دورًا تشريعيًا، لكنها منخرطة بفعالية في النقاش العمومي حول إصلاح المنظومة العدلية، مشيرًا إلى أن الهيئة رفعت مذكرة مطلبية شاملة إلى وزارة العدل، تضم انتظارات العدول على المستوى الوطني.
بدوره، أكد إدريس الطرالي، رئيس المجلس الجهوي للعدول ببني ملال، أن المطالب المعروضة لا تندرج ضمن منطق فئوي ضيق، بل تنبع من معطيات واقعية، وتجارب مهنية، ومرجعيات دستورية واضحة.
وقال "إننا أمام إصلاح منتظر منذ عقود، ولا يُعقل أن يُكرّس قانون جديد مظاهر التمييز نفسها التي تكبل المهنة منذ سنوات. نحن لا نطلب امتيازات، بل نطالب بالإنصاف، والمساواة، والعدالة المهنية."
وأضاف أن الحراك الذي يخوضه العدول اليوم هو حراك وطني ومهني يهدف إلى رفع ما وصفه بـ"العزلة التشريعية" التي تعاني منها المهنة، محذرًا من أن الإبقاء على الوضع الحالي قد يؤدي إلى تراجع خطير في جودة وأمن التوثيق العدلي.
من جانبه، شدد سعيد الصروخ، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية طنجة وعضو المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية، على أن اختيار موضوع الندوة يعكس حالة من الاستياء المهني تجاه مشروع القانون المعروض على البرلمان، معتبرًا أنه لا يلبي الحد الأدنى من تطلعات العدول.
وقال "رغم محاولات الحوار، نشعر بوجود فجوة كبيرة في التفاعل المؤسساتي. إننا لا نُرافع من منطلق مصلحي، بل من منطلق وطني، لأن التوثيق العدلي جزء لا يتجزأ من منظومة العدالة، ولا يمكن تهميشه أو تحييده."
وأكد الصروخ أن الهيئة الوطنية ستواصل الترافع العلمي والمؤسساتي من أجل تحسين النصوص القانونية المؤطرة للمهنة، داعيًا إلى إعمال مبدأ تكافؤ الفرص في التعامل مع مختلف مكونات مهن التوثيق، وتجاوز المقاربات الانتقائية التي تكرّس الحيف والتمييز.
وقد شكلت الندوة، التي حضرها عدد كبير من المهنيين والباحثين، لحظةً لتوحيد الصف المهني، وتجديد العزم على خوض معركة الترافع من داخل المؤسسات، من أجل تحقيق إصلاح فعلي، لا صوري.
وفي ختام الأشغال، دعا المشاركون إلى مواصلة الضغط والتعبئة، مؤكدين أن معركة إصلاح التوثيق العدلي ما تزال مفتوحة، وتتطلب شجاعة تشريعية، وجرأة سياسية، وتنسيقًا ميدانيًا على أعلى المستويات.
كما شددوا على أن العدول لن يقبلوا أن يكونوا الحلقة الأضعف في منظومة التوثيق، وأن زمن الصمت قد ولّى، وأن اللحظة التشريعية الراهنة تستوجب إقرار قانون منصف، يُكرّس العدالة، ويحمي مهنة أساسية في صلب العدالة الوطنية.