على أطراف الخريطة، هناك مدن لا تصلها إلا الرياح ووعود التنمية تمر من فوقها، كأنها سحب عجلى في صيف صحراوي..
زاكورة واحدة من تلك المدن التي تعيش على الهامش، لا فقط جغرافيا، بل تنمويا، إنسانيا، وتاريخيا.
سنوات تمر، ومواسم انتخابية تأتي، وكل ما يتغير هو لحن الخطاب، لا واقع الأرض.
زاكورة سئمت كثرة المذكرات والنوايا، وسئمت أكثر تلك الخطب التي تقال أمام الحشود، وتذوب بسرعة مع أول نسمة ما بعد صناديق الاقتراع.
كم من مرة سمع سكانها عبارات مثل "الجهوية المتقدمة"، و"التنمية المجالية"، و"العدالة الاجتماعية"؟ لكن على الأرض، كل شيء بقي كما هو، إن لم يكن أسوأ.
طرقات متآكلة، مدارس بعيدة، وخدمات أساسية لم تصل بعد إلى عتبة دواوير نائية وكأنها ليست من هذا الوطن.
في زاكورة، الزمن لا يقاس بالساعات، بل بمدى تأخر بعض المشاريع التي لا ترى النور. المواطن البسيط هناك لا يريد أكثر من الماء، والكهرباء، والطريق، والمدرسة. لا يطلب رفاهية، فقط حياة تحترم إنسانيته.
ومع كل موسم انتخابي، تبنى أحلام على الوعود، لكن ما إن تنتهي الحملة، حتى يتبخر كل شيء، ويعود الصمت ليسود، ويعود السكان إلى تدوين الحاجيات في دفاتر الصبر.
الوعد لم يعد يقنع، والخطاب لم يعد يكفي، والمواطن هنا صار يعرف أن التنمية توزع بعدسات الكاميرات أكثر مما تبنى على الأرض.
تعرف زاكورة بواحاتها القديمة، بتمرها العتيق، لكن كل ذلك يتآكل أمام زحف التصحر وجفاف السياسات. الفلاح البسيط اليوم في زاكورة لم يعد واثقا من الغد: الماء قل والتكاليف ازدادت.
الواحة، التي كانت موردا كريما، تستنزف اليوم بمياه مضخات عشوائية، بينما زراعات حديثة كـ "الدلاح" تستهلك كميات هائلة دون إطار عقلاني يحمي المخزون الجوفي.
النتيجة؟ نخيل يموت، غلة تنقص، وشباب يهجر الأرض نحو مدن كبرى بحثا عن أي فرصة حتى وإن كانت مؤقتة.
أما الحرف اليدوية التي كانت زينة الهوية الزاكورية فهي اليوم مهنة بلا أفق. الحرفي لا يملك الدعم، لا التأطير، ولا حتى سوقا لعرض منتوجاته.
ورغم كل ما يقال عن "الصناعة التقليدية" و"التثمين"، فإن الواقع لا يحمل أي مؤشرات فعلية على نهوض قريب لهذا القطاع.
وفي موازاة ذلك، السياحة تترنح. نعم، هناك مناظر خلابة، وقصبات تاريخية، لكن أين المرافق؟ أين البنية التي تقنع السائح بالبقاء؟
أين الخريطة التي توجهه؟ أين المرافق الصحية، والمرافق الترفيهية، والمسارات الثقافية؟
حتى الزائر يمر سريعا دون أن يترك أثرا، لأن المدينة غير مهيأة لاستقباله كما يجب.
زاكورة كانت قادرة على أن تصبح مركز جذب اقتصادي وثقافي، لكن كل فرصة تفلت، لأن الأرض تعامل كأنها بلا إمكان، والإنسان كأنه بلا جدوى.
زاكورة ليست عبئا، بل فرصة تنتظر من يلتقطها بصدق. ليست هامشا، بل عنوانا لكيف يمكن للهامش أن يصبح مركزا، فقط إن صادفته الإرادة.
هي مدينة تستحق الإنصات. يكفي أن ترى أعين الأطفال، أو أيدي الأمهات، أو صمت الرجال لتفهم أن الصبر لم يعد يكفي، وأن الكرامة لا تنتظر الخطب.
زاكورة لا تطلب امتيازات، ولا دعما استثنائيا، بل فقط أن تُدرج من جديد في متن التنمية. أن تكون جزءا حقيقيا من خريطة المشاريع، لا هوامش مهملة.
أن تخرج من الهامش، لا بالكلمات، بل:
بممر مبلط لا ينهار مع أول مطر
بمدرسة قريبة لا تبعد أميالا عن الدواوير
بمصباح لا ينطفئ كلما زادت الحاجة إليه
وحنفية لا تجف في عز صيف الجنوب
زاكورة لم تعد تتحمل مزيدا من التأجيل.
وهنا، على لسان شبابها الذين تعبوا من الانتظار، ونسائها اللواتي يرفعن الحياة فوق أكتاف الهشاشة، ورجالها الذين صمتوا طويلا بين الحفر والجفاف يطرح السؤال: فهل يكون القادم أعدل وأكثر إنصافا؟