Friday 27 June 2025
منبر أنفاس

هشام البوجدراوي: تحديات إدماج خريجي الفرصة الثانية

هشام البوجدراوي: تحديات إدماج خريجي الفرصة الثانية هشام البوجدراوي

في حفل نظمته وزارة التربية الوطنية للاحتفاء بالتلميذات والتلاميذ المتفوقين في امتحانات البكالوريا، سرقت الأضواء تلميذة قادمة من أحد الثانويات بحي كاوكي، أحد الأحياء الهامشية بمدينة آسفي، بعد أن حققت أعلى معدل على الصعيد الوطني ضمن فئة "التلاميذ الذين رفعوا التحدي لنيل شهادة البكالوريا". هذه التلميذة، خريجة إحدى مراكز الفرصة الثانية، جسدت قصة نجاح استثنائية أظهرت ما يمكن أن تحققه مؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في حال توافرت الشروط المناسبة، وأعادت في الوقت ذاته إلى الواجهة النقاش حول مدى نجاعة مراكز الفرصة الثانية في محاربة الهدر المدرسي وتحقيق الإدماج الفعلي داخل المنظومة التعليمية.

الفرصة الثانية.. الإدماج الدراسي بين الأمل والإكراهات

تُعدّ مراكز الفرصة الثانية أحد البدائل التربوية التي أُحدثت بهدف إعادة إدماج الشباب المنقطعين عن الدراسة، والذين تتراوح أعمارهم بين 16 و20 سنة، وذلك إما من خلال تأهيلهم للاندماج في سوق الشغل، أو عبر تمكينهم من استئناف مسارهم الدراسي ضمن التعليم النظامي. ورغم الأدوار التربوية والاجتماعية الهامة التي يُنتظر أن تضطلع بها هذه المؤسسات، إلا أن عدداً من التحديات ما زالت تحدّ من نجاعتها، خصوصاً بالنسبة للفئة التي تختار العودة إلى مقاعد الدراسة بعد فترة من الانقطاع.

ومن أبرز هذه التحديات ضعف الكفايات الأساس لدى المتعلمين الملتحقين بالتعليم الثانوي، واتساع الفجوة العمرية بينهم وبين أقرانهم بمستوى الجذع المشترك، إلى جانب عدم التوفق في الاختيارات الدراسية والمهنية وغياب مواكبة فعالة تراعي خصوصيات هذه الفئة. كما يُلاحظ أن طبيعة التكوين داخل مؤسسات الفرصة الثانية ترتكز في الغالب على مقاربات مهنية تدريبية، مقابل حضور باهت للمضامين التعليمية المتعلقة بنهاية سلك التعليم الثانوي الإعدادي، مما يجعل عملية الاندماج في مؤسسات الثانوي التأهيلي تواجه عراقيل متعددة، لا سيما فيما يتعلق بضعف التمكن من لغات التدريس "العربية واللغات الأجنبية"، وتدني مستوى المكتسبات والموارد الضرورية لبناء المنهاج الدراسي الجديد.

وتنضاف إلى هذه الإكراهات غياب الوضوح في المشروع الشخصي والمهني للمتعلمين، وظهور سلوكات غير منضبطة ولا مدنية لدى بعضهم داخل المؤسسات المستقبلة، وهو ما يثير تساؤلات جوهرية حول مدى ملاءمة التكوين داخل مراكز الفرصة الثانية مع الأهداف المعلنة، وحول قدرتها الفعلية على تأهيل المستفيدين سواء للاندماج المهني أو لاستئناف الدراسة بنجاح. كما يطرح الأمر إشكالية أعمق تتعلق بمدى قدرة هذه المؤسسات على تعويض ما لم يُنجزه التعليم العمومي في مجال الدعم التربوي والتقويم والمواكبة التربوية.

غياب التوجيه المهني.. فجوة تُعمق الإخفاق

من أبرز الإشكالات التي يواجهها نظام "الفرصة الثانية" ضعف خدمات التوجيه المهني، رغم أهميتها البالغة في مساعدة المتعلمين على بناء مسارات مهنية واضحة ومتناسبة مع قدراتهم وواقعهم الاجتماعي والمعرفي. فغياب تأطير مهني جاد، يستند إلى تشخيص دقيق لميولات وكفاءات التلاميذ، وإلى معرفة دقيقة بالفرص المتاحة في سوق الشغل، يدفع بعدد كبير من الشباب سنوياً إلى العودة إلى الدراسة بالثانويات التأهيلية بدون رؤية واضحة أو خطة إدماج مدرسي متكاملة، مما يفاقم شعورهم بالإحباط والفشل، خصوصاً أن العديد منهم يتجاوز سن 18 سنة ولا يزال في مستوى الجذع المشترك، وهو ما يقلص فرصهم في الالتحاق بمسارات التكوين المهني أو الاندماج في سوق العمل.

أمام هذا الوضع، تبرز الحاجة الملحّة إلى مراجعة النموذج الحالي لمراكز "الفرصة الثانية"، وتوجيه مخرجاته بشكل أكبر نحو مؤسسات التكوين المهني أو الاندماج المباشر في سوق الشغل، مع التفكير في بدائل تربوية مبتكرة، كإحداث ثانويات أو جامعات شعبية تتيح فرص تعلم مرنة ومناسبة، وتدمج التكوين المدرسي والمهني ضمن مساراتها، لتستجيب بشكل أفضل لحاجيات هذه الفئة الهشة من الشباب المنقطعين عن الدراسة.

كما تبرز الحاجة الملحّة إلى تطوير نموذج "البكالوريا المهنية"، باعتباره أكثر ملاءمة لفئة المتعلمين المنتمين لمسار التكوين بمراكز الفرصة الثانية، نظراً لقدرته على الجمع بين التكوين العملي والتأهيل الأكاديمي. فهذا النموذج ينتمي إلى التعليم الثانوي، ويُمكن حامليه من متابعة دراستهم في مؤسسات التعليم العالي، سواء من خلال ولوج المسالك الجامعية ذات الطابع المهني، مثل شهادة الإجازة المهنية أو الماستر المهني، أو عبر الاندماج المباشر في سوق الشغل. ويُتيح هذا النموذج بالتالي للمتعلمين آفاقاً متعددة تجمع بين تحقيق المشروع المهني الفردي والانفتاح على مسارات الارتقاء الاجتماعي والمعرفي.

وفي الأخير نحذر من الانجرار وراء تعميم نماذج النجاح الفردية، مثل حالة التلميذة المتفوقة من آسفي، باعتبارها مؤشراً على نجاعة المنظومة وكفاءة مراكز الفرصة الثانية. فالتجارب المعزولة، رغم أهميتها، لا تؤشر على الواقع الصعب الذي يعيشه معظم تلاميذ "الفرصة الثانية"، في غياب حلول واقعية تُمكنهم من تجاوز التعثرات العميقة التي يعانون منها وتؤدي بهم إلى اختيار المسارات المهنية الملائمة.

وفي ظل الأوضاع الاجتماعية والنفسية الصعبة التي يعاني منها هؤلاء التلاميذ، فإن أي سياسة إدماج فعالة يجب أن تستند إلى رؤية شمولية تدمج بين الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي، والتأهيل المدرسي والمهني، وتعيد الاعتبار لأدوار التوجيه والمواكبة المستمرة في بناء الأهداف المهنية.