Saturday 7 June 2025
مجتمع

منع العثماني من دخول كلية تطوان.. مطالب بحماية الجامعة كفضاء للاختلاف والتدافع السياسي بعيدا عن تصفية الحسابات

منع العثماني من دخول كلية تطوان.. مطالب بحماية الجامعة كفضاء للاختلاف والتدافع السياسي بعيدا عن تصفية الحسابات مشهد من الأحداث التي عرفتها كلية الآداب بتطوان
شهدت كلية الآداب بتطوان توترا كبيرا مساء الأربعاء 4 يونيو 2025 إثر إقدام تيار يساري تابع لفصيل النهج الديمقراطي القاعدي اليساري التوجه على منع سعد الدين العثماني رئيس الحكومة السابق من إلقاء محاضرة لتقديم كتابه الجديد " الاكتئاب "، حيث دعا الطلاب المنتمون لتيار " البرنامج المرحلي " الى مقاطعة النشاط المذكور والذي يهم موضوع الصحة النفسية وتقديم كتاب " الاكتئاب " احتجاجا على توقيع العثماني على اتفاقية استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل أواخر سنة 2020 كما وصفوه خلال فترة ترأسه للحكومة.
وحسب مصادر محلية، فقد رفع الطلاب شعارات قوية تطالب العثماني بمغادرة أسوار الكلية وهم يرددون " ارحل..ارحل.." رافعين أعلام فلسطين، مضيفة بأن الطلاب القاعديين الذين ظلت علاقتهم متوترة مع المكونات الأصولية بالجامعة المغربية منذ التسعينيات من القرن الماضي قاموا بملاحقة العثماني الى غاية موقف السيارات بساحة الكلية، بعد أن قررت إدارة الكلية نقل النشاط من مدرج الكلية الى قاعة خاصة، حيث تم تقديم الكتاب في جلسة مغلقة بحضور عدد محدود من الأكاديميين والسياسيين.
ويرى بعض المراقبين أنه لا ينبغي قراءة ما وقع بمعزل عن عدد من المعطيات التي طبعت علاقة فصائل اليسار عموما وخاصة الفصائل الشرعية داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بالمكون الأصولي منذ ظهوره بالجامعة بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث طبع هذه العلاقة التوتر الشديد والذي وصل الى حد استعمال العنف والتصفية الجسدية ( اغتيال المعطي بوملي بجامعة وجدة سنة 1991، اغتيال آيت الجيد بنعيسى بجامعة فاس سنة 1993..) حيث تتهم تيارات النهج الديمقراطي القاعدي الأصوليين بالتورط في أحداث العنف والتقتيل والتعذيب التي استهدفتهم، إذ كانت تستعين التيارات الأصولية بقواعدها في الأحياء الشعبية لتطهير الجامعة المغربية  من " الشيوعيين الملاحدة " كما كانت تسميهم آنذاك .
والمعطى الثاني بحسب هؤلاء هو كون القضية الفلسطينية شكلت على مر تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قضية وطنية، إذ ظلت التيارات اليسارية تحمل " الكوفية  الفلسطينية " في جميع التظاهرات والأنشطة والاحتجاجات التي تعرفها الجامعة، باعتبارها قضية مجتمعية تستوجب من نقابة الطلاب الدعم والمؤازرة الدائمتين الى حين نيل الشعب الفلسطيني الأعزل لاستقلاله وإعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، وهو المعطى التاريخي التي كان يفترض استحضاره من طرف حزب العدالة والتنمية، وهم الذين يدركون جيدا أصول الصراع من داخل الجامعة المغربية منذ فشل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في عقد مؤتمره 17، حيث فتحت الساحة على مصراعيها نحو حالة من التشتت والتشرذم التنظيمي حتى من داخل فصيل النهج الديمقراطي القاعدي نفسه، دون إغفال علاقة الفصائل اليسارية بالمكونات الأصولية، حيث ظلت تعتبرها مكونات دخيلة على الحركة الطلابية، بل إن هناك بعض التيارات اليسارية التي تعتبرها جزء من الأزمة التي تتخبط فيها الحركة الطلابية وأن استقدامها كان بغاية " ضرب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " .

إن تغييب هذا السياق التاريخي من طرف طلبة حزب العدالة والتنمية يطرح عدد من التساؤلات ؟ هل كان يعبر عن سذاجة فكرية وسياسية أو رغبة في التعبير عن تقبل الرأي الآخر مهما كان هذا الرأي ؟ أم أنه يبرز وجها من أوجه الصراع داخل حزب العدالة والتنمية وسعي بعض الأطراف الى إيقاع العثماني في مطبات كان من الممكن تجنبها بالقليل من الحكمة والدهاء ؟ علما أن بعض تيارات القاعديين، وخاصة تيار " البرنامج المرحلي" لا تؤمن أصلا بالحوار والنقاش، وتفضل مقولات مشحونة بالتطرف والعنف، مثل مقولة " العنف الثوري " ومقولة " عرقلة كل ما يمكن عرقلته في أفق المواجهة الشاملة " التي لا تخلو منها وثائقها الداخلية، أي بمعنى نسف أي تظاهرة أو نشاط داخل الجامعة لا يتماشى مع توجه ورؤية هذا التيار اليساري المتطرف .
بالمقابل يرى بعض المدافعين عن العثماني ان ما وقع داخل جامعة تطوان هو سلوك مشين لا يمكن السكوت عنه أو تبريره، فالاختلاف في الرأي أو التوجه السياسي – بحسب هؤلاء - لا يبرر بأي حال من الأحوال اللجوء إلى العنف أو الفوضى، كما أنه لا يمكن أن تتخذ قضايا مثل القضية الفلسطينية ذريعة لارتكاب مثل هذه الأفعال الخارجة عن إطار الحوار وتدبير الاختلاف ، علما أن هذا التصرف لا يعبر عن قيم الجامعة المغربية كفضاء للحوار  والتلاقح والتعايش الفكري ولا يعبر عن وعي الطلاب، كما أنه لا يندرج ضمن نضالات واحتجاجات الطلاب التي ينبغي أن تعبر عن رقي ووعي حضاري بل يظهر حالة من التراجع الخطير الذي عرفته الجامعة المغربية، حيث يحضر الرأي الواحد وتحل لغة العنف محل لغة الحوار ويغيب النقاش العلمي والحضاري ، مؤكدين على ضرورة أن تبقى الجامعات فضاء للفكر والتعددية والنقاش البناء، وكساحة للتدافع السياسي المبني على قوة الحجة، لا ساحة للمزايدات أو تصفية الحسابات الإيديولوجية، داعين الى إدانة هذا السلوك وموقفا حازما لحماية حرمة المؤسسات الجامعية من مظاهر العنف والتطرف للحفاظ على بقائها كفضاء للاختلاف وتعزيز القيم الحضارية والانسانية ، علما أن المكونات الأصولية اليوم أضحت معطى واقعيا اليوم ورقما مهما ضمن المعادلة الحزبية والسياسية ليس في المغرب فقط بل بمجموع البلدان العربية والإسلامية .