كشفت دراسة ميدانية حديثة أعدها المركز المغربي للمواطنة، عن واقع السلوك المدني لدى المواطن المغربي، أفضت إلى نتائج مقلقة حول تفشي مجموعة من المظاهر السلبية في المجتمع المغربي خاصة في الفضاء العام الذي يعكس صورة المغرب، لاسيما في ظل الاستحقاقات التي ستشهدها بلادنا خاصة احتضان نهائيات كأس العالم 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
ونظرا لأهمية الدراسة في سياقها الرياضي، وارتباطها بحدث كوني سيضع المغاربة في اختبار حقيقي للمواطنة، فإن “الوطن الآن” تعيد ترتيب نتائج هذا الاستطلاع وتسلط الضوء على مكامن القلق التي أفرزها.
أجرى المركز المغربي للمواطنة، خلال الفترة الممتدة من 10 فبراير إلى 13 مارس 2025، استطلاعا للرأي حول السلوك المدني لدى المغاربة، اعتمادا على استبيان إلكتروني مفتوح تم نشره على منصات التواصل الاجتماعي وعرف مشاركة 1173 شخصا من مختلف الفئات يمثلون جميع جهات المغرب، عبروا عن آرائهم بشكل طوعي، قبل أن تصدر عن المركز، مؤخرا، نتائج هذا استطلاع للرأي لامس سلوك الشعب المغربي، وأدى إلى فهم نظرة المغاربة للسلوك المدني، في أفق استشراف تصحيح وتعزيز السلوك المدني.
أما السياق العام للاستطلاع فيرجع إلى ملامسة التحولات العمرانية والاجتماعية الناتجة عن ارتفاع عدد سكان المغرب، وارتفاع مؤشر التمدن بفعل الهجرة وما نتج عن هذا التحول من متغيرات في بنية الأسرة وفي سلوك الأفراد، مع تسجيل تراجع ملحوظ في العلاقات الاجتماعية وتآكل مجموعة من القيم التي كانت سائدة في المجتمع بفعل المؤثرات التكنولوجية الحديثة واختراقها للمجال الأسري التقليدي وسيادة أنماط جديدة من الثقافة الاستهلاكية، ما أثر بشكل كبير في السلوك المدني للمغاربة.
في ظل الإيقاع السريع للمتغيرات العمرانية وبطء بناء شخصية الإنسان، يسجل تراجع رهيب في السلوك الحضاري مقابل هيمنة السلوك الانفرادي، وما يترتب عنه من تراجع لقيم الاحترام والانضباط في الفضاء العام.
وبالرغم من أهمية الدراسة إلا أن كثيرا من المحللين للبنية الاجتماعية المغربية، يجمعون على أن تقويم السلوك يجب أن ينظر إليه كاستثمار دائم وغير مرتبط بالمناسبات، لأن المونديال أو كأس أمم افريقيا أو الألعاب الأولمبية، مجرد تظاهرات عابرة.
الغش والتسول والجشع والتحرش ..أبرز مخاوف المغاربة في المونديال
رسمت الدراسة خريطة سلوكية قد تكون دقيقة، لمجموعة من الممارسات اليومية التي اعتبرها المشاركون بمثابة تهديد حقيقي لصورة البلاد أمام الزوار الأجانب، في مقدمتها الغش في المعاملات التجارية والخدمات السياحية من نقل وإيواء ومطعمة. إذ عبر أكثر من 84 في المائة من المشاركين عن تخوفهم من تأثير هذه الظاهرة على صورة المغرب، خصوصا ما يتعلق برفع الأسعار بطريقة مبالغ فيها عند التعامل مع السياح الأجانب، أو تقديم خدمات ذات جودة متدنية لا تتناسب مع ما يعلن عنه. هذا السلوك، يزعزع ثقة السائح في البلد ومواطنيه.
القلق الثاني الذي بلغت نسبة المحذرين منه إلى أكثر من 81,7 في المائة من المستجوبين، يتعلق بالنظافة والمخاوف من مشهد الأزبال المنتشرة في الفضاءات العامة، ما يشكل نقطة سوداء في غالبية المدن المغربية بالرغم من وجود شركات للتدبير المفوض لهذا القطاع.
وارتباطا بقطاع النظافة، لفت 73,6 في المائة من المشاركين، النظر إلى غياب مراحيض عمومية نظيفة في المرافق الحيوية، كالملاعب والمواقع السياحية، وهو ما يساهم في انزعاج السياح، خاصة النساء منهم.
وشكلت المخاوف من انتشار حشود المتسولين نسبة كبيرة من قلق المستجوبين، إذ اعتبر 77 في المائة من المشاركين أن انتشار المتسولين وحاملي العاهات خاصة إشراك الأطفال والرضع، يضرب في الصميم جهود الاستضافة ويعكس حجم الهشاشة الضارب في المجتمع المغربي، خاصة حين يرتبط التسول بالمضايقات.
كما توقفت الدراسة عند سلوكيات التطفل والمضايقة في الشوارع والأسواق، مشيرة إلى نسبة مقلقة بلغت 69,6 في المائة، يتداخل فيها التحرش اللفظي أو الجسدي بالسائحات.
الانزعاج من النقل العمومي اعتبر من الإكراهات المطروحة أمام المنظمين، إذ أن 73 في المائة من المستجوبين أشاروا إلى أن ممارسات بعض سائقي سيارات الأجرة مثل رفض تشغيل العداد، أو فرض تسعيرات عشوائية، أو حتى رفض نقل السياح إلى وجهة محددة، يعيق نجاح التظاهرة الرياضية، ناهيك عن السلامة الطرقية التي لازالت تشكل مصدر قلق للمغاربة حيث أن 61,9 في المائة من المشاركين في الاستبيان أجمعوا على مخاوفهم من السياقة المتهورة وعدم احترام ممرات الراجلين، ما يشعر المواطن والزائر على حد سواء بعدم الأمان. خاصة إذا ارتبط هذا القلق بضعف الخدمات الصحية، حيث اعتبر 71,1 في المائة من المشاركين أن هذا القطاع الطبي يشكل نقطة سوداء في ذهن المواطنين.
ويشدد الإعلامي الرياضي، هشام رمرام على ضرورة تحمل الجميع لمسؤوليته وعدم تحميل المواطنين فقط المسؤولية ضمن المشاريع الكبرى التي يكون الرهان عليها، وأشار إلى أن الكل مسؤول أفراد وجماعات ومؤسسات لأن المسألة متشابكة وأكثر تعقيدا من ما نتصوره وقال: “ من السهل جدا أن ينزه كل فرد نفسه على التصرفات التي قد تكون خارج القيم والقانون فكلنا مسؤولون وإذا كنا اليوم متفقون على وجود تدهور في السلوك المدني فلأننا كلنا معنيون.”
المغاربة أمام اختبار ميداني في المواطنة
لا شك أن بناء العمران يجب أن يوازيه بناء للإنسان، والأوراش المفتوحة في المغرب لا يمكن أن تشكل إضافة جديدة في مغرب الغد، إلا إذا انخرط المغاربة في الوعي الجماعي الحضاري المبني على القيم الفضلى للرياضة أولا وللمجتمع ثانيا، قد يحول المواطن من مستهلك إلى مشارك في حماية الفضاء العام من السلوك السلبي الذي يجعل البعض ينظر للتظاهرات الرياضية الكونية كفرصة للاغتناء لا للبناء، بدل أن يتم تعامل معها كاختبار ميداني في السلوك المدني.
وفي تصريح لـ ”الوطن الآن“ اعتبر هشام رمرام، الإعلامي الرياضي، أن جانب السلوك المدني لا يختلف عليه أحد لأنه ضروري للتعايش داخل الفضاء العام، من أجل انسجام مجتمعي داخل الفضاءات المشتركة، كما تساءل عن ربط السلوك المدني بكأس العالم لأن السلوك المدني غير مرتبط بالمناسبات ولا بالتظاهرات، وإذا كان لابد من تعزيزه فلابد أن يكون من أجلنا نحن كمواطنين وبشكل يومي. أما بخصوص مونديال 2030 فقال: “أعتقد لو كنا قد استثمرنا في هذا الجانب على جميع المستويات ولو كان هذا النقاش حاضرا خارج المونديال كنا سنعتبر أن المشكل غير مطروح لدينا. لهذا فمن المستحيل القول أنني سأغير نفسي فقط من أجل كأس العالم، فهل مدة خمس سنوات كافية لتغيير سلوك معين؟ قد يكون الأمر ممكنا من حيث البنى التحتية، لأنها مسألة مرتبطة باعتمادات مالية وبتصاميم وبحسابات وقياسات لكن الرهان على الانسان شيء معقد، لأن الأمر مرتبط بعوامل أخرى.
وفي السياق ذاته، اتفق أيوب قطاية، استشاري متخصص في التدبير الإستراتيجي لأندية كرة القدم ، مع التخوف الموجود،من تأثير بعض الظواهر الاجتماعية والسلوكيات السلبية لدى المواطنين خلال المونديال، مشيرا إلى أنه جاء بناء على مجموعة من المظاهر التي نعيشها وكذا بناء على مجموعة من المؤشرات.
وأوضح قطاية، أن عامل الوقت إكراه حقيقي مشيرا إلى أن التعامل مع احتضان مونديال 2030، لم يتم بشكل شمولي وتم التركيز فيه على معطى البنية التحتية، في وقت كان لابد فيه من استحضار معطى الوعي والسلوك اليومي للمواطنين، واستعرض مثال دولة قطر التي قامت بالتحضير لمونديال 2022 خلال 12 سنة، في إشارة إلى أن الفترة الزمنية المتبقية تطرح إكراها حقيقيا وأنها غير كافية لتحقيق تغيير في السلوك اليومي والوعي: “لست متشائما، لكنني أنطلق من معطيات واقعية ومنطقية لأننا لم نتعامل مع الأمر بجدية نظرا لأهميته، لأن الرهان ليس فقط بناء الملاعب والطرق والفنادق والمستشفيات، بل إعادة بناء المواطن أيضا”.