Sunday 1 June 2025
فن وثقافة

في ذكرى رحيله.. عبد الرحمان اليوسفي في ضيافة أربعة طالبات باحثات

في ذكرى رحيله.. عبد الرحمان اليوسفي في ضيافة أربعة طالبات باحثات عبد الرحمان اليوسفي
في حوار مع أربعة طالبات باحثات بماستر التواصل السياسي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط في اطار إعدادهن لوثائقي حول مسار عبد الرحمان اليوسفي( 8 مارس 1924 – 29 ماي 2020 ) ، تزامن بالصدفة مع حلول الذكرى السادسة لرحيل لشيخ الاشتراكين المغارية الوزير الأول ل"حكومة التناوب" ما بين 1998 و2002.
كانت الأسئلة التي طرحتها الطالبات الباحثات الأربعة، في هذا اللقاء متنوعة، حول جوانب من حياة عبد الرحمان اليوسفي الشخصية والسياسية والحقوقية والصحافية مع التركيز على حكومة التناوب وسياقاتها وانعكاسات هذه التجربة على هذه الحياة السياسية الوطنية، واشعاعها داخليا وخارجيا علاوة على العلاقة مع الراحل الحسن الثاني، وجلالة الملك محمد السادس.
وفي هذا الصدد، يلاحظ بأن الحديث عن تجربة حكومة التناوب، غالبا ما يرتبط، بشخص عبد الرحمان اليوسفي رجل المقاومة والسياسي والحقوقي الكاتب الأول للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الأسبق. ففي 14 مارس 1998، استقبل الراحل الحسن الثاني (1929 -1999) في القصر الملكي في الرباط، اليوسفي، بعدما عينه في الرابع من فبراير من السنة ذاتها، وزيرا أول، للحكومة رقم 25 بالمغرب المستقل، وهو ما دشن "التناوب التوافقي" كما تواضعت على تسميته الأدبيات السياسية والإعلامية. ووصف تعيين هذه الحكومة، آنذاك ب"الحدث التاريخي" الذي وضع حدا لقطيعة مع قوى المعارضة الرئيسية، دامت لعقود، منذ أول حكومة برئاسة عبد الله إبراهيم (1918 -2005)، صاحب كتاب " صمود وسط الأعاصير "،.
كان هناك اتفاق بين الفاعلين السياسيين، على أن يشكل تأسيس حكومة للتناوب، مرحلة تمكن من تدشين إدراج إصلاحات عميقة، بإمكانها أن تنقل البلاد من مرحلة إلى مرحلة أخرى، تؤهلها لتحقيق انتقال ديمقراطي، بناء على خريطة سياسية حقيقية، وواضحة المعالم، تفرزها صناديق الاقتراع من خلال انتخابات نزيهة.
وفي هذا الأفق أعلن الراحل الحسن الثاني، بمناسبة ذكرى 20 غشت 1995 ، العزم على مراجعة الدستور الذي جرى سنة 1996 في أفق إحداث برلمان بغرفتين، وهي خطوة فُسّرت آنذاك بأنها " آلية للتحكم في المشهد السياسي "، لكن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، جاء في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية التي جرت في سنة 1998 ،دون أن تحصل "الكتلة الديمقراطية" المعارضة على الأغلبية، لكنها قبلت المشاركة في حكومة تضم سبعة أحزاب وعددا من ما يطلق عليه في الصحافة " وزراء السيادة"، وبدعم من حزبين ممثلين في البرلمان، غير مشاركين فيها.
واعتبر تشكيل هذه الحكومة، بأنه " مؤشر على تقارب مكونات الحقل السياسي، وصفقة تفاهم سياسي، مبني على الثقة، أكثر منه تعاقدا مسطرا، كلف .. تنازلات متبادلة"، ونتيجة جهود سياسية مشتركة، تسمح بوحدة البرنامج، والرؤية في ظل انسجام التركيبة الحكومية. لكنْ يُطرح في هذا الصدد تساؤل حول " كيف تكون إحدى أسبقيات برنامج التناوب، هو التخليق مع وجود أطراف مشاركة في الحكومة، كانت متهمة بالفساد الإداري والانتخابي".
بيد أن هناك من يذهب إلى القول، إن ما ترتب عن واقع مشاركة أحزاب " الكتلة الديمقراطية" في حكومة التناوب، وبفعل ما أحدثه ذلك من رجة في المشهد السياسي المغربي، من نتائج عديدة، ساهمت في تطوير نظرة الفاعلين لمشروع الإصلاح وبرنامجه، ، إذ ليس المرء هنا بصدد تناوب طبيعي على الحكم، وإنما إزاء جملة من الشروط الاستثنائية لممارسة الحكم، بشروط لم يسبق لها أن توفرت في الحياة السياسية من قبل، تتولى فيه حكومة مهمة سياسية مزدوجة، هي إنقاذ البلاد من مخاطر السكتة القلبية، وتدشين مسار الانتقال الديمقراطي، ضمن شروط انتقالية صعبة. التكيف والإنصات، حسب الجامعي والكاتب كمال عبد اللطيف .
إلا أن التجربة السياسية المغربية، بصفة عامة، تفرز عناصر تغيير أكيدة، هي بطيئة ولا شك، والتفاوض حولها صعب وقاس أحيانا، لكن النظام السياسي بكل مكوناته، تمكّن من التكيف مع ضغوط الزمن، والإنصات إلى الاختلافات، وإلى مصادر الاعتراض، بل اضطر أغلب الفاعلين في الحقل السياسي إلى تغليب الرؤية السياسية على القناعات الأيديولوجية، ( الباحث الأمريكي جون واتربوري صاحب مؤلف " أمير المؤمنين والنخبة السياسية المغربية " في محاضرة في ربيع 1997 بكلية الحقوق أكدال الرباط. بيد أن مشروع التناوب، " لم يذهب بعيدا في عملية تأسيس القواعد المانعة لإمكانية التراجع عن الإصلاحات المحتملة ومكاسبها، الأمر الذي لا يمنع من أن يظل المجال السياسي المغربي، فضاء لحصول ممكنات متناقضة".
غير أن هناك من يرى أن تعيين إدريس جطو وزيرا أول سنة 2002، "بمثابة المسمار الأخير في نعش الكتلة. وبالمقابل، لم تكن هناك بدائل سياسية، تستطيع أن تعيد للمجال السياسي التوازن الضروري فيه، وهو ما استغلته صحف فتية – خلال تلك المرحلة - وحوّلت الفعل الصحافي بعد سنة 1998، إلى فعل سياسي في حد ذاته، وأصبح التدخل الصحافي تارة يأخذ طابعا أكاديميا، ومرات أخرى يصبح الصحافي منظرا استراتيجيا أو منشطا ثقافيا، فمناضلا متعدد الأبعاد، ووسيطا في النزاعات ذات الطبيعة المختلفة، كما يرى الأستاذ الجامعي والكاتب عبد الله ساعف.
فبعد تجربة " التناوب التواقفي"، يبقى ما يسجل للراحل عبد الرحمان اليوسفي، " هو دوره المتميز في سفر المغرب نحو المستقبل، والدفع بالوطن إلى رحلة انتقال ديمقراطي، سيعرف مدا وجزرا، لكنه انتقال ديمقراطي، انطلق في مارس 1998، وهي فترة تؤسس لكل ما بعدها، وتمهد الطريق لكل ما سيعرفه المغرب، لما ستهب عليه رياح الحرية والديمقراطية"، حسب محمد اليازغي، أحد وزراء حكومة اليوسفي.
وإذا كان المغرب قد شهد وصول قوى المعارضة الرئيسية لمراكز القرار، وليس فقط في ظل محافظة المؤسسة الملكية، على مقومات مشروعيتها السياسية، بل وبنجاحها في تقوية مرتكزات هذه المشروعية. فإن أحزاب الحركة الوطنية التي شكلت المعارضة الرئيسية منذ السنوات الأولى للإستقلال، تمكنت في نفس الوقت، من ممارسة التناوب، بعد أن كانت قد احتفظت بإستقلاليتها عن أجهزة الدولة وبقدرتها الذاتية على تعبئة المجتمع، حسب الجامعي عبد الحي المودن. لكن عبد الرحمان اليوسفي، قال في اطار تقيمه للتناوب، " انتهت بدون أن تفضي إلى ما كنا ننتظره منها، بمعنى التوجه نحو الديمقراطية عبر خطوات تاريخية إلى الأمام… وأن القبول بقيادتها هي مخاطرة، لكنها أخذ فيها بالحسبان المصلحة الوطنية وليس المصلحة الحزبية.." وذلك في محاضرته الشهيرة في 25 مارس 2023 ببركسيل.
وفي ظل غنى هذه التجربة السياسية ودلالاتها الرمزية، يلاحظ أنها لم تحظ بالعناية العلمية اللازمة من طرف الباحثين، على خلاف الاهتمام الواسع الذي خصصته الصحافة لمرحلة التناوب التي وإن كانت قد نجحت سياسيا وحقوقيا حسب البعض، فإنها بالمقابل " فشلت فشلا ذريعا " على المستوى الإعلامي، حسب تقارير الهيئات الصحافيين التمثيلية خلال تلك المرحلة من تاريخ المغرب.