Friday 30 May 2025
سياسة

حتى لا يتحول الفساد إلى حزب الدمار الشامل للمغرب

حتى لا يتحول الفساد إلى حزب الدمار الشامل للمغرب صورة غلاف " الــوطن الآن"
هل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬يفتك‭ ‬ببلادنا‭ ‬بدون‭ ‬هوادة،‭ ‬وأنه‭ ‬يبرهن‭ ‬باستمرار‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬صلاحيات‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القطاعات‭ ‬والمؤسسات؟‭ ‬هل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتغافل‭ ‬أن‭ ‬قاعدة‭ ‬الفساد‭ ‬تتسع،‭ ‬وأن‭ ‬الأرض‭ ‬بدأت‭ ‬تضيق‭ ‬بأولئك‭ ‬الذين‭ ‬أخذوا‭ ‬على‭ ‬عاتقهم‭ ‬إدارة‭ ‬شؤون‭ ‬النزاهة‭ ‬والعدالة‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬لأن‭ ‬الفساد‭ ‬أصبح‭ ‬قوة‭ ‬مدمرة‭ ‬لم‭ ‬تستثن‭ ‬حتى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجامعية؟

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يلتبس‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬المراقبين،‭ ‬فيسقطون‭ ‬في‭ ‬عمومية‭ ‬تأطير‭ ‬حدود‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬اكتسب‭ ‬نفوذا‭ ‬رمزيا‭ ‬وامتيازا‭ ‬ماديا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬حتى‭ ‬تناسلت‭ ‬الأسئلة‭ ‬واسْتُشْكِلَت‭ ‬التصنيفات:‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معيار‭ ‬الفساد؟‭ ‬ما‭ ‬موقعه‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬الوعي‭ ‬العام؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬حكر‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬اجتماعية‭ ‬معينة؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬دخيل‭ ‬عن‭ ‬النسق‭ ‬السياسي‭ ‬القائم؟‭ ‬هل‭ ‬أصبح‭ ‬بنية‭ ‬متكاملة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬والأفكار‭ ‬والمعتقدات؟‭ ‬هل‭ ‬أصبحت‭ ‬له‭ ‬وظائف‭ ‬عملية‭ ‬للترقي‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والاقتصادي؟‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬«المشروع»‭ ‬الذي‭ ‬يدافع‭ ‬عنه‭ ‬الفساد؟‭ ‬وهل‭ ‬بوسع‭ ‬الفساد‭ ‬أن‭ ‬يتنازل‭ ‬عن‭ ‬مصالحه‭ ‬الفئوية،‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬يساهم‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬الشؤون‭ ‬العامة؟‭ ‬

في‭ ‬مقال‭ ‬كتبه‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الأمريكي‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬المغربية،‭ ‬جون‭ ‬واتربوري،‭ ‬(نشره‭ ‬عام‭ ‬1973)،‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬«الفساد‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬يطفو‭ ‬بحرية‭ ‬ويتم‭ ‬التلاعب‭ ‬به‭ ‬وتوجيهه‭ ‬والتخطيط‭ ‬له‭ ‬والرغبة‭ ‬فيه»‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المثير‭ ‬للانتباه‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬«أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن»‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬القوس‭ ‬لم‭ ‬يغلق‭ ‬بعد،‭ ‬بل‭ ‬يتجدد‭ ‬باستمرار‭ ‬ويطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬نفسها‭. ‬إذ‭ ‬كلما‭ ‬انفجرت‭ ‬قضية‭ ‬جديدة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالفساد‭ ‬يرجع‭ ‬المحللون‭ ‬السياسيون‭ ‬والاجتماعيون‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬تغيير‭ ‬اجتماعي‭ ‬بنيوي‭ ‬محتمل‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬بروز‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الفاسدين،‭ ‬وأن‭ ‬نفوذ‭ ‬هؤلاء‭ ‬ارتبط‭ ‬بتشوه‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الحزبي‭ ‬أو‭ ‬بانحراف‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وإدارية‭ ‬«والآن‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬جامعية‭ ‬مع‭ ‬انفجار‭ ‬السمسرة‭ ‬في‭ ‬شهادات‭ ‬الماستر‭ ‬والدكتوراه»‭ ‬يستمد‭ ‬طرق‭ ‬عمله‭ ‬من‭ ‬«المافيا»،‭ ‬ويتقيد‭ ‬بها‭ ‬إدارة‭ ‬وتسييرا،‭ ‬مما‭ ‬سرع‭ ‬وتيرة‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬شامل‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الرشوة‭ ‬والمحسوبية‭ ‬والاستزلام،‭ ‬مما‭ ‬أفضى‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬استئثارها‭ ‬بالساحة‭ ‬السياسية‭ ‬وهيمنتها‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬الوظائف‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭. ‬فما‭ ‬هي‭ ‬أسباب‭ ‬«فينيقة»‭ ‬الفساد؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الجهات‭ ‬الساهرة‭ ‬على‭ ‬إبقائه‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬العمل‭ ‬بنشاط؟

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬الفساد‭ ‬قوة‭ ‬ضارية‭ ‬بوجود‭ ‬بيئة‭ ‬ملائمة‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تجلياتها‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬والقضائية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والجامعية،‭ ‬وما‭ ‬نعاينه‭ ‬حاليا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬ثقيل‭ ‬وهيكلي‭ ‬ومنظم،‭ ‬مما‭ ‬يعطل‭ ‬ويعرقل‭ ‬الرقابة‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكافحه‭ ‬وتحد‭ ‬منه‭. ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬هامشي‭ ‬أو‭ ‬قصير‭ ‬الأمد‭ ‬وتحت‭ ‬السيطرة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬أوجهه‭ ‬تُمارس‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬وهدوء،‭ ‬مما‭ ‬يزكي‭ ‬تراجع‭ ‬مجالات‭ ‬القانون‭ ‬لصالح‭ ‬ترتيبات‭ ‬الظل‭ ‬التي‭ ‬تتغذى‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وتتغلغل‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رفض‭ ‬الفساد‭ ‬واستنكاره‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وفي‭ ‬الندوات‭ ‬الفكرية‭ ‬والملتقيات‭ ‬الأكاديمة‭ ‬واللقاءات‭ ‬المدنية،‭ ‬لكن‭ ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬اليومي‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬المغاربة،‭ ‬بل‭ ‬يتم‭ ‬تبرير‭ ‬استخدامه‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭ ‬وتقديم‭ ‬المنخرطين‭ ‬فيه‭ ‬كأبطال‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬القانون‭ ‬والتحايل‭ ‬عليه،‭ ‬وعباقرة‭ ‬في‭ ‬«العصامية»‭ ‬والترقي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الانتهازي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬عشوائي‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والمؤسسية،‭ ‬إذ‭ ‬تحولت‭ ‬«الانتهازية»‭ ‬والسمسرة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬والتسلق‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬غير‭ ‬متنازع‭ ‬على‭ ‬فضائلها‭. ‬ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تسامحا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬«إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬تواطؤا»‭ ‬كبيرا‭ ‬جدًا‭ ‬مع‭ ‬الفساد،‭ ‬متأثرًا‭ ‬بشعور‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬بالإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬وعدم‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭.‬
يُنتج‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬إذن،‭ ‬بيئة‭ ‬مناسبة‭ ‬لتفشي‭ ‬مظاهر‭ ‬الفساد‭ ‬بأنواعه‭ ‬المختلفة،‭ ‬من‭ ‬رشوة‭ ‬ومحاباة‭ ‬وزبونية‭ ‬والاتجار‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬للمواطنين،‭ ‬وعلى‭ ‬أداء‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية،‭ ‬وعلى‭ ‬الشهادات‭ ‬الجامعية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬القطاعات‭ ‬تكاد‭ ‬تعيش‭ ‬وضعية‭ ‬انحصار‭ ‬وتأزم،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬قضية‭ ‬«الفراقشية»‭ ‬و«تحايل‭ ‬شركات‭ ‬المحروقات»‭ ‬و«تواطؤ‭ ‬وزارة‭ ‬الفلاحة‭ ‬على‭ ‬الفلاحة‭ ‬والفلاحين‭ ‬والماء»‭ ‬والمعضلة‭ ‬الصحية‭ ‬والدوائية،‭ ‬واللحوم‭ ‬الفاسدة‭.. ‬إلخ،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬انعكس‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬التي‭ ‬يوليها‭ ‬المواطنون‭ ‬لمؤسسات‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬حيوية‭ ‬مثل‭ ‬القضاء،‭ ‬والصحة،‭ ‬والعقار‭ ‬والتربية‭ ‬والتكوين‭. ‬وضمن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات،‭ ‬تبرز،‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة،‭ ‬الجامعة‭ ‬كمؤسسة‭ ‬أساسية‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬منارة‭ ‬للمعرفة،‭ ‬والتنوير،‭ ‬وبناء‭ ‬القدرات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وإنتاج‭ ‬«إدارة»‭ ‬و«إنسان»‭ ‬و«رهانات»‭ ‬الغد،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ليست‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬تأثيرات‭ ‬الفساد‭ ‬العام‭. ‬فالجامعة‭ ‬المغربية،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬الركيزة‭ ‬الأساسية‭ ‬لإعداد‭ ‬النخب‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬التنمية،‭ ‬باتت،‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التقارير،‭ ‬تواجه‭ ‬واقعًا‭ ‬معقدًا‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬اختلالات‭ ‬بنيوية‭ ‬تتغذى‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬المتفشي‭. ‬ففي‭ ‬داخل‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي،‭ ‬تتجلى‭ ‬مظاهر‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مستويات:‭ ‬«فساد‭ ‬التسيير‭ ‬الإداري»‭ ‬حيث‭ ‬تُدار‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬والبشرية‭ ‬وفق‭ ‬منطق‭ ‬الزبونية‭ ‬والمحسوبية؛‭ ‬فساد‭ ‬التعيينات‭ ‬والترقيات:‭ ‬إذ‭ ‬تستند‭ ‬قرارات‭ ‬التوظيف‭ ‬والترقية‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬الكفاءة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والتأهيل‭ ‬العلمي؛‭ ‬الفساد‭ ‬الأكاديمي:‭ ‬مثل‭ ‬السرقات‭ ‬الفكرية،‭ ‬وبيع‭ ‬النقط،‭ ‬والتساهل‭ ‬في‭ ‬المعايير‭ ‬الأكاديمية؛‭ ‬الابتزاز‭ ‬والاستغلال:‭ ‬هناك‭ ‬شكاوى‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬ابتزازية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الكليات،‭ ‬تستهدف‭ ‬الطلبة‭ ‬والموظفين)‭. ‬غير‭ ‬أننا‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬وجوها‭ ‬مشرقة‭ ‬في‭ ‬جامعاتنا‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تصنع‭ ‬بعض‭ ‬«النور»‭ ‬باستقامتها‭ ‬ونزاهتها‭ ‬وكرم‭ ‬أخلاقها‭ ‬ومستواها‭ ‬العلمي‭ ‬والأكاديمي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬الطعن‭.‬
على‭ ‬المستوى‭ ‬العام،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬أن‭ ‬يتطلب‭ ‬الفساد‭ ‬مراحل‭ ‬ووساطات،‭ ‬وأن‭ ‬أكبر‭ ‬العوامل‭ ‬المنتجة‭ ‬له‭ ‬هي‭ ‬انتفاء‭ ‬مركزية‭ ‬القيم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬آليات‭ ‬المحاسبة‭ ‬الفعالة‭ ‬والمستقلة‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬شفافية‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التسيير،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تحول‭ ‬المناصب‭ ‬الإدارية‭ ‬إلى‭ ‬مكافآت‭ ‬حزبية‭ ‬أو‭ ‬نقابية‭ ‬«نظام‭ ‬الامتيازات»،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬المهنية‭ ‬والعلمية‭ ‬والوظيفية،‭ ‬وعدم‭ ‬حماية‭ ‬المبلغين‭ ‬عن‭ ‬الفساد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬ثقافة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تُشرّع‭ ‬للزبونية‭ ‬والريع،‭ ‬مما‭ ‬يُسهل‭ ‬استمرارية‭ ‬وهيمنة‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭.‬
إن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬بالفعل‭ ‬استمرار‭ ‬الفساد‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬مؤسسات‭ ‬رقابية‭ ‬«النيابة‭ ‬العامة؛‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات؛‭ ‬المفتشيات‭ ‬العامة،‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للنزاهة‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة،‭ ‬مجلس‭ ‬المنافسة‭.. ‬إلخ‭...‬»،‭ ‬مما‭ ‬يوضح‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬نقص‭ ‬المؤسسات،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬خلل‭ ‬وظيفي‭ ‬وانفصالها‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬الفاعلية‭ ‬والمساءلة‭ ‬الحقيقية‭. ‬فوجود‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭ ‬يعكس‭ ‬إدراكًا‭ ‬رسميًا‭ ‬بأن‭ ‬الفساد‭ ‬قضية‭ ‬ملحة،‭ ‬لكن‭ ‬نتائجها‭ ‬تظل‭ ‬محدودة‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬حقيقية،‭ ‬وانتقائية‭ ‬تطبيق‭ ‬العدالة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الصغار‭ ‬دون‭ ‬الكبار،‭ ‬وتعقيدات‭ ‬بيروقراطية‭ ‬تجعل‭ ‬الرشوة‭ ‬حلاً‭ ‬عمليًا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المواطن،‭ ‬مما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬اختلال‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬الاجتماعي‭.‬
إن‭ ‬تفجير‭ ‬قضية‭ ‬السمسرة‭ ‬في‭ ‬الشهادات‭ ‬الجامعية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وملاحقة‭ ‬المسؤول‭ ‬عنها،‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬إطلاقا‭ ‬لتحصين‭ ‬الجامعة‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬الفاسدين‭ ‬والسماسرة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اعتقال‭ ‬الفاسدين‭ ‬والتحقيق‭ ‬معهم‭ ‬قضائيا‭ ‬لا‭ ‬تمنحنا‭ ‬أي‭ ‬شهادة‭ ‬على‭ ‬طهارتنا‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬وحسن‭ ‬سيرتنا‭ ‬وسلوكنا‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬«السلطة‭ ‬القضائية»‭ ‬نفسها‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬جسيمة‭ ‬وشاهقة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بالفعل‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الحلقات‭ ‬القابلة‭ ‬للتدخل‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬وخالية‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬القفز‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬القانونية‭..‬
إن‭ ‬مشكلات‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تثير‭ ‬مخاوف‭ ‬جدية‭ ‬على‭ ‬المستقبل،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تثيرها‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬القضائي‭ ‬أو‭ ‬التشريعي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬«الكثافة‭ ‬القوية»‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬للفساد‭ ‬في‭ ‬الأجهزة‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬إدارية‭ ‬أم‭ ‬حزبية‭ ‬أم‭ ‬عمومية،‭ ‬إذ‭ ‬أثبت‭ ‬الفساد،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المراحل،‭ ‬وفي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحطات‭ ‬والقضايا،‭ ‬أنه‭ ‬يجيد‭ ‬إبرام‭ ‬تسويات‭ ‬مع‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬وجوه‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬الترابية،‭ ‬ومع‭ ‬فئات‭ ‬من‭ ‬النخبة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬وجوه‭ ‬من‭ ‬القضاء،‭ ‬وذلك‭ ‬ببناء‭ ‬دعم‭ ‬شخصي‭ ‬للفاسدين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يمكنهم‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬اقتصاد‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬مقابل‭ ‬عمولات‭ ‬مهمة‭ ‬تسمح‭ ‬لهذه‭ ‬النخب‭ ‬بحماية‭ ‬مكاسبها‭ ‬ومصالحها،‭ ‬مما‭ ‬أسفر،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬كتلة‭ ‬سامة‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭ ‬المطبوع‭ ‬بالفساد‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬الفاسدين‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬السلطة،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التمثيلية‭ ‬البرلمانية،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التدبير‭ ‬الجماعي،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تدبير‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬الحيوية‭.‬
إن‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬لن‭ ‬تتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬بنبغي‭ ‬الانكباب‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الاستعجال،‭ ‬ولعل‭ ‬أهمها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الإطلاق،‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬القيم،‭ ‬ووضع‭ ‬السياسات‭ ‬التربوية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والقانونية‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬هذا‭ ‬السلم،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تفعيل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الرقابة،‭ ‬ودعم‭ ‬استقلالية‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬محاسبة‭ ‬المخالفين‭ ‬دون‭ ‬تسييس‭ ‬أو‭ ‬انتقائية،‭ ‬وإخراج‭ ‬قانون‭ ‬«الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب»‭ ‬و«الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع»،‭ ‬واعتماد‭ ‬آليات‭ ‬التقييم‭ ‬الموضوعي‭ ‬للأداء‭ ‬والتسيير،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬طرق‭ ‬تعيين‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬دمقرطة‭ ‬المساطر‭ ‬وتعزيز‭ ‬الشفافية،‭ ‬ثم‭ ‬حماية‭ ‬المبلغين‭ ‬والشهود‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الفساد‭ ‬بقوانين‭ ‬واضحة‭ ‬وآمنة،‭ ‬ودعم‭ ‬حق‭ ‬جمعيات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬وتشجيع‭ ‬الصحافة‭ ‬الاستقصائية‭ ‬والبحث‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الجريء‭ ‬لرصد‭ ‬الاختلالات‭ ‬وتفكيكها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬إحداث‭ ‬مرصد‭ ‬حيوي‭ ‬للنزاهة،‭ ‬وتثمين‭ ‬دور‭ ‬النزهاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القطاعات‭ ..‬ 
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"