Tuesday 6 May 2025
كتاب الرأي

مولاي عبد الحكيم الزاوي: زوربا اليوناني Zorba the Greek

مولاي عبد الحكيم الزاوي: زوربا اليوناني Zorba the Greek مولاي عبد الحكيم الزاوي
"...إني أسمع من كل مكان صوتا ينادي لا تفكر، رجل الدين يقول لا تفكر بل آمن، رجل الاقتصاد يقول لا تفكر بل ادفع، رجل السياسة يقول لا تفكر بل نفذ، ولكن فكر بنفسك وقف على قدميك، إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة، ولكني أعلمك كيف تتفسلف". هذا القول الفلسفي الخالد سيكتب لفيلسوف العقلانية الألماني ايمانويل كانط الخلود ضمن خارطة الفكر الانساني، وهو ينكتب بسؤال هام: ما التنوير؟

لحظتها كان كانط يعيد إلى دائرة الضوء السؤال لكن بأفق مغاير، ويجعل من العقل نقطة التحرر من أوثان الميتولوجيات، واغواءات الجهل المقدس...هنا، عَبَر السؤال من بلاد العجم إلى بلاد العرب، وحَمل معه منذ البدايات نكسة الإخفاق. أقرَّ الجميع بعد تعميق بحث ونظر بأن هناك موروثًا ذهنيا يستثقل المسير، ويرسم التباعد بين ثقافة لم تنزل بعد من فوق، وجهل بنيوي لم يصالح بعد أهل الثقافة.

لعلي حينما أستحضر هذه الحكاية، التي بصمت منجزنا الحضاري، منذ صدمة الحداثة مع تجربة نابليون في مصر رواية يونانية نابضة بالحكمة، مُحمَّلة بالأدواء لجرح صار غير مندمل رغم تكرار العمليات الجراحية. والحق، أنها رواية حملت صاحبها نحو علياء الأدب العالمي، وهي ترسم ممكنات التواصل بين طرفي نقيض.

تحكي رواية زوربا اليوناني عن علاقة شخصين، أحدهما مثقف غارق حتى الإدمان في الكتب وأسئلة الوجود، وآخر أمِّي مُستلذ بجهله، لكنه مُقبل على مدرسة الحياة، شجاع لا يخيفه شيء سوى شبح الشيخوخة، مدهش، مغامر، وسندباد بري، ينطق بالحكمة التي تُعبر عن تجارب الحياة...حول هذه العلاقة ستدور  أحداث رواية اليوناني نيكوس كازانتزاكيس "زوربا اليوناني"، التي صدرت عام سنة 1946م. يتعلق الأمر، من حيث المضمون برواية ترفع السقف عاليًا وتسبح بالقارئ في متاهات الوجود وأسئلة العدم، ومفارقات العقل والأسطورة، وجدلية المُثل والتحرر...صديقين التقيا صدفة، أحدهما لقبه "الرئيس/ باسيل"، يمثل نموذج المثل والقيم المعنوية، والآخر يدعى زوربا نموذج للإنسان المتحرر من كل القيود.

باسيل مثقف غارق في الكتب، يلتقي مصادفة برجل أُمِّي يدعى زوربا مدرسته الوحيدة هي الحياة، وتجاربه فيها، نشأت صداقة بينهما، يتعلم المثقف "باسيل" من زوربا الحياة والحب وفن العيش...زوربا شخص أمي لا يعترف بالكتب، وبالمقابل باسيل يحب الكتب، إلى درجة أن يسخر من صاحبه "كتبك تلك ابصق عليها، فليس كل ما هو موجود، موجود في كتبك".

قد يظهر أنهما قطبان للتناقض، لكن تجمعهما علاقة حب وصداقة شفافة وصادقة، قد يبدوان متناقضين فكريا عقائديا سلوكيا، لكن تصل بينهما وشيجة تكاملية...باختصار رحلة العذاب التي رافقت باسيل، وجعلته يتعلم من ألكسيس زوربا، وهي في الواقع قصة حقيقية للكاتب اليوناني نيكوس كازانتاكيس وقعت له في إحدى سفرياته، ونقلها إلى القارئ في شكل روائي بديع.

قد تبدو صورة محايثة للواقع في كل المجتمعات، لكن نيكوس كازانتاكيس أبدلها بصورة مغايرة، حينما ينطلق الأمي بالحكمة وبأسئلة الوجود الأكثر احراجا للمثقف، لماذا نموت؟ لماذا نفترق؟ لماذا يقتل الناس بعضهم؟ ما هو الشيطان؟ من هو الله؟ ويكون المثقف نفسه عاجزا عن الفهم والتفسير...

جدير بالذكر، أن رواية زوربا اليوناني انتقلت إلى عالم الصورة والسينما، عبر المخرج اليوناني مايكل كاكويانيس في ستينيات القرن الماضي، من خلال فيلم هوليودي، يحمل اسم الرواية نفسها، قام ببطولته أنطوني كوين، وايرين پاپاس. فيما أعد له الموسيقى الموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوراكيس، الذي ألّف عام 1988 "باليه" بعنوان "إلكسيس زوربا"، تم تقديمه في المرة الأولى بفيرونا الإيطالية..