1 ـ سياق متهافت :
كثيرًا ما يُرفع شعار "تجديد النخب" بوصفه أحد شروط الديمقراطية الحقة، وهو شعار وجيه من حيث المبدأ. لكن الإشكال يبدأ حين يتحول هذا المبدأ إلى أداة انتقائية، تُستعمل فقط في لحظات معينة، ومع أشخاص بعينهم، وكأنها مقصلة رمزية تُفعّل عندما لا يعجبنا العائد أو لا يناسبنا توقيت ظهوره.
في هذا السياق، أجد من الضروري تفكيك موجة التعليق التي رافقت المؤتمر الأخير لحزب العدالة والتنمية، وخاصة إعادة انتخاب الأستاذ عبد الإله بنكيران، التي وُوجهت فورًا بكليشي "لماذا لا يرحل؟". وهو سؤال مشروع في ذاته، لكن مشروعيته تُصاب بالخلل عندما يُصبح حكرًا على اسم دون آخر، وعندما يُستعمل لتصفية حضور رمزي أكثر منه لتحفيز حوار ديمقراطي حقيقي.
أنا، بالمبدأ، مع ضرورة تداول القيادة وتجديد النخب، لكن لا يمكنني تجاهل أن حزب العدالة والتنمية، كما غيره من الأحزاب المغربية، يعيش أزمة حقيقية في إنتاج بدائل تحظى بنفس القدر من المشروعية الشعبية والرمزية السياسية. فما الذي يجعل بنكيران، تحديدًا، محل هذا التركيز المفاجئ؟ ولماذا نغض الطرف عن مناصب أخرى تُعاد فيها إنتاج نفس الوجوه بصمت مريب؟
2 ـ كليشي "تجديد النخب"... أداة انتقائية :
أصبح تداول القيادة شعارًا يُستدعى عند الحاجة أكثر منه قاعدة سياسية حقيقية. كثير من الوجوه السياسية المخضرمة في المغرب تواصل تصدر المشهد لعقود دون أن يثير ذلك أي جدل يُذكر. لكن حين عاد بنكيران إلى الواجهة عبر المسار الحزبي الديمقراطي الداخلي، أُخرجت من الأدراج خطابات محمّلة بالتأنيب، وكأن الديمقراطية لا تُقبل إلا إذا أفرزت وجوهًا "غير مزعجة".
ليس المطلوب الدفاع عن بنكيران في ذاته، ولكن لفت الانتباه إلى أن الهجوم عليه يتجاوز أحيانًا منطق النقد السياسي، ليتحوّل إلى رغبة في استئصال حضوره الرمزي. وهنا يُطرح سؤال أعمق: هل يتعلق الأمر بتجديد النخب فعلاً، أم بضبط الحقل السياسي، عبر تحجيم الشخصيات التي يصعب ترويضها؟
3 ـ عودة بنكيران... إعادة تموضع أم تحدٍّ ؟
منذ الهزيمة التاريخية التي مُني بها الحزب في 2021، دخل في حالة من التيه التنظيمي والرمزي. القيادة التي تلت بنكيران لم تنجح في إعادة تعبئة القواعد، ولا في إنتاج خطاب يواجه المرحلة. ومن ثم، جاءت إعادة انتخاب بنكيران ليس فقط كمخرج حزبي، بل كتعبير عن عودة "الروح الأصلية"، أو على الأقل آخر ما تبقى منها.
لكن هذه العودة لا تحمل فقط بُعدًا داخليًا، بل تُقرأ أيضًا كرسالة ضمنية للخارج، وتحديدًا إلى من سهروا على إزاحة الرجل عن المشهد، سواء عبر البنية المؤسساتية أو من خلال "الهندسة السياسية" التي أحاطت بخروجه. فاختياره من جديد على رأس الحزب، هو بطريقة ما، رفض ضمني لـ"تأديبه الرمزي"، وعودة واثقة إلى ساحة يُفترض أنه غادرها إلى غير رجعة.
4 ـ رمز بلا بديل... مؤقتًا :
ما يحسب لبنكيران، مهما اختلفنا معه، أنه لا يزال يملك قدرة تواصلية نادرة في المشهد السياسي المغربي. عفويته، تناقضاته، لغته الشعبية، كلها عناصر جعلت منه زعيمًا يتجاوز منطق التنظيم ليصير ظاهرة اجتماعية. لكن هذه الخصائص لا تكفي وحدها لبناء مشروع حزبي جديد.
عودة بنكيران قد تعيد بعض الوهج للحزب، لكنها أيضًا تضعه أمام تحدٍّ أخطر تحت سؤال ماذا بعد بنكيران؟
هل يملك الحزب القدرة على تجديد نفسه من الداخل ؟ أم سيظل رهين الحنين إلى ما قبل السقوط؟
على سبيل الختم :
إعادة انتخاب بنكيران ليس انتصارًا للقيادات التاريخية، ولا نكوصًا عن مطلب التجديد، بل لحظة مفصلية في مسار حزب يعيش أزمة هوية. وإذا كنا نرفض شخصنة السياسة، فلا يصح أن نختزل الديمقراطية أيضًا في عداء موجه ضد شخص واحد، فقط لأنه عصيّ على الصيغة الرسمية للضبط.
لقد اختار الحزب بنكيران كوسيلة للبقاء، وهذا ليس عيبًا، بل تعبير عن واقع سياسي يعاني من الجفاف الرمزي أكثر مما يعاني من قِدم الوجوه. والدرس الأهم ليس في عودة الزعيم، بل في ما سيفعله الحزب بعد ذلك: هل يعيد إنتاج أزماته، أم يستثمر هذه العودة ليطرح سؤالًا جريئًا طال تأجيله: كيف نُكوِّن زعامة جديدة لا تكون مجرّد ظل لزعيم سابق؟
كثيرًا ما يُرفع شعار "تجديد النخب" بوصفه أحد شروط الديمقراطية الحقة، وهو شعار وجيه من حيث المبدأ. لكن الإشكال يبدأ حين يتحول هذا المبدأ إلى أداة انتقائية، تُستعمل فقط في لحظات معينة، ومع أشخاص بعينهم، وكأنها مقصلة رمزية تُفعّل عندما لا يعجبنا العائد أو لا يناسبنا توقيت ظهوره.
في هذا السياق، أجد من الضروري تفكيك موجة التعليق التي رافقت المؤتمر الأخير لحزب العدالة والتنمية، وخاصة إعادة انتخاب الأستاذ عبد الإله بنكيران، التي وُوجهت فورًا بكليشي "لماذا لا يرحل؟". وهو سؤال مشروع في ذاته، لكن مشروعيته تُصاب بالخلل عندما يُصبح حكرًا على اسم دون آخر، وعندما يُستعمل لتصفية حضور رمزي أكثر منه لتحفيز حوار ديمقراطي حقيقي.
أنا، بالمبدأ، مع ضرورة تداول القيادة وتجديد النخب، لكن لا يمكنني تجاهل أن حزب العدالة والتنمية، كما غيره من الأحزاب المغربية، يعيش أزمة حقيقية في إنتاج بدائل تحظى بنفس القدر من المشروعية الشعبية والرمزية السياسية. فما الذي يجعل بنكيران، تحديدًا، محل هذا التركيز المفاجئ؟ ولماذا نغض الطرف عن مناصب أخرى تُعاد فيها إنتاج نفس الوجوه بصمت مريب؟
2 ـ كليشي "تجديد النخب"... أداة انتقائية :
أصبح تداول القيادة شعارًا يُستدعى عند الحاجة أكثر منه قاعدة سياسية حقيقية. كثير من الوجوه السياسية المخضرمة في المغرب تواصل تصدر المشهد لعقود دون أن يثير ذلك أي جدل يُذكر. لكن حين عاد بنكيران إلى الواجهة عبر المسار الحزبي الديمقراطي الداخلي، أُخرجت من الأدراج خطابات محمّلة بالتأنيب، وكأن الديمقراطية لا تُقبل إلا إذا أفرزت وجوهًا "غير مزعجة".
ليس المطلوب الدفاع عن بنكيران في ذاته، ولكن لفت الانتباه إلى أن الهجوم عليه يتجاوز أحيانًا منطق النقد السياسي، ليتحوّل إلى رغبة في استئصال حضوره الرمزي. وهنا يُطرح سؤال أعمق: هل يتعلق الأمر بتجديد النخب فعلاً، أم بضبط الحقل السياسي، عبر تحجيم الشخصيات التي يصعب ترويضها؟
3 ـ عودة بنكيران... إعادة تموضع أم تحدٍّ ؟
منذ الهزيمة التاريخية التي مُني بها الحزب في 2021، دخل في حالة من التيه التنظيمي والرمزي. القيادة التي تلت بنكيران لم تنجح في إعادة تعبئة القواعد، ولا في إنتاج خطاب يواجه المرحلة. ومن ثم، جاءت إعادة انتخاب بنكيران ليس فقط كمخرج حزبي، بل كتعبير عن عودة "الروح الأصلية"، أو على الأقل آخر ما تبقى منها.
لكن هذه العودة لا تحمل فقط بُعدًا داخليًا، بل تُقرأ أيضًا كرسالة ضمنية للخارج، وتحديدًا إلى من سهروا على إزاحة الرجل عن المشهد، سواء عبر البنية المؤسساتية أو من خلال "الهندسة السياسية" التي أحاطت بخروجه. فاختياره من جديد على رأس الحزب، هو بطريقة ما، رفض ضمني لـ"تأديبه الرمزي"، وعودة واثقة إلى ساحة يُفترض أنه غادرها إلى غير رجعة.
4 ـ رمز بلا بديل... مؤقتًا :
ما يحسب لبنكيران، مهما اختلفنا معه، أنه لا يزال يملك قدرة تواصلية نادرة في المشهد السياسي المغربي. عفويته، تناقضاته، لغته الشعبية، كلها عناصر جعلت منه زعيمًا يتجاوز منطق التنظيم ليصير ظاهرة اجتماعية. لكن هذه الخصائص لا تكفي وحدها لبناء مشروع حزبي جديد.
عودة بنكيران قد تعيد بعض الوهج للحزب، لكنها أيضًا تضعه أمام تحدٍّ أخطر تحت سؤال ماذا بعد بنكيران؟
هل يملك الحزب القدرة على تجديد نفسه من الداخل ؟ أم سيظل رهين الحنين إلى ما قبل السقوط؟
على سبيل الختم :
إعادة انتخاب بنكيران ليس انتصارًا للقيادات التاريخية، ولا نكوصًا عن مطلب التجديد، بل لحظة مفصلية في مسار حزب يعيش أزمة هوية. وإذا كنا نرفض شخصنة السياسة، فلا يصح أن نختزل الديمقراطية أيضًا في عداء موجه ضد شخص واحد، فقط لأنه عصيّ على الصيغة الرسمية للضبط.
لقد اختار الحزب بنكيران كوسيلة للبقاء، وهذا ليس عيبًا، بل تعبير عن واقع سياسي يعاني من الجفاف الرمزي أكثر مما يعاني من قِدم الوجوه. والدرس الأهم ليس في عودة الزعيم، بل في ما سيفعله الحزب بعد ذلك: هل يعيد إنتاج أزماته، أم يستثمر هذه العودة ليطرح سؤالًا جريئًا طال تأجيله: كيف نُكوِّن زعامة جديدة لا تكون مجرّد ظل لزعيم سابق؟