Thursday 1 May 2025
كتاب الرأي

نجيبة قسومي : العاملات المغربيات حقول الفراوله: الهجرة الدائرية بين الفرص الزائفة و واقع الإستغلال

نجيبة قسومي : العاملات المغربيات حقول الفراوله: الهجرة الدائرية بين الفرص الزائفة و واقع الإستغلال نجيبة قسومي
منذ بداية الألفية الجديدة، أطلقت إسبانيا برنامج الهجرة الدائرية الذي يتيح للعاملات المغربيات الموسميات فرصة العمل في حقول الفراولة بمنطقة "ويلبا"، في إطار اتفاقية ثنائية بين البلدين. لتُروج السلطات هذا النموذج كحل اقتصادي يعزز الاستقلالية المالية للنساء ويتيح لهن فرصًا لتحسين أوضاعهن الاجتماعية. غير أن هذا الواقع، الذي يُقدّم تحت غطاء الفرص والآمال الكبيرة، يخبئ في طياته ممارسات استغلالية تتقاطع فيها العديد من العوامل الاجتماعية والقانونية والاقتصادية.
يهدف هذا المقال إلى تحليل وتفكيك مختلف أبعاد استغلال العاملات المغربيات في هذا النموذج، مع التركيز على القوانين والإجراءات التي تُؤطر هذه الهجرة. سنناقش التحديات القانونية المتعلقة بالعقود المُبرمة، ظروف الانتقال والإقامة، وكذلك تأثير هذه السياسات على حقوق العاملات من خلال إطار اجتماعي وقانوني عميق، مع تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في ظل غياب الرقابة الفعالة من الدولة المغربية والإسبانية.
 
- العقود المبرمة: هشاشة قانونية تحت غطاء الصيغة الشكلية
تُبرم العقود بين العاملات والجهات المُشغِّلة عبر وسيط رسمي (ANAPEC)، لكنها تفتقر إلى الشفافية والحماية القانونية الكافية. إذ تعتمد هذه العقود على صيغة العمل المحدد المدة، من دون أن تتضمن أي ضمانات مرتبطة بظروف السكن، الحماية من العنف، أو آليات التبليغ حسب تقارير(Women’s Link Worldwide, 2023). كما يتم توقيع عقد ثانٍ باللغة الإسبانية دون ترجمته للعاملات، في خرق سافر لمبدأ الموافقة المستنيرة المنصوص عليه في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 97.
كما يُشترط في العاملات أن يكنّ متزوجات أو أرامل ولديهن أطفال، وهو شرط يُبرر رسمياً بكونه ضمانة للعودة، لكنه يُكرس تمييزاً قائماً على النوع الاجتماعي، ويجعل النساء أداة للإنتاج المؤقت في خدمة نموذج فلاحي غير منصف (Oxfam Intermón, 2021).
 
-ظروف الانتقال والإقامة: تواطؤ البنى الإدارية مع واقع العنف
تتم الرحلة من المغرب إلى إسبانيا في ظروف غير إنسانية: تجمع العاملات في نقاط مركزية داخلية، ثم نقلهن عبر الحافلات إلى الموانئ من دون مرافقة طبية أو قانونية.
 وبعد الوصول، يتم إيواؤهن في مساكن مكتظة، غير صحية، وتفتقر إلى الخصوصية، ما يُسهم في خلق بيئة خصبة للتحرش والعنف وجميع أنواع الإستغلال الجنسي (Médicos del Mundo, 2022).
وقد وثقت منظمات دولية مثل Médicos del Mundo وSURT حالات متعددة لعاملات تعرضن لسوء المعاملة، بما في ذلك التحرش الجنسي من طرف مسؤولي الضيعات، في ظل غياب قنوات مؤسساتية فعالة للإنصاف والتبليغ عن هذا العنف الممارس في حق العاملات الموسميات اللواتي يشتغلون في حقول الفراولة .
 
-الإطار القانوني: بين غموض الاتفاقيات وتغليب منطق الإنتاج
تركز الاتفاقية الثنائية لسنة 2001 بين المغرب وإسبانيا  على الجوانب الإجرائية للهجرة الموسمية، دون أن تضمن الحقوق الأساسية للعاملات. ويستغل أرباب العمل هذا الفراغ القانوني لفرض ساعات عمل تتجاوز السقف القانوني المنصوص عليه في المادة 34 من Estatuto de los Trabajadores الإسباني (RD Legislativo 2/2015)، دون تعويض عن الساعات الإضافية أو احترام لحقوق الاستراحة والأجر العادل.
وبالرغم من أن القانون الإسباني رقم 4/2000 المتعلق بحقوق الأجانب ينص علىةتوفير  ضمانات عديدة للعاملات والعمال الاجانب، إلا انه  لا يتم تفعيله في الضيعات المعزولة حيث تنعدم آليات التفتيش والرقابة، مما يفرغ النصوص من مضمونها الحقوقي.
 
-التسليع الجندري للعاملات: تحليل تقاطعي للعنف
يُفضِّل البرنامج تشغيل النساء المتزوجات، في قراءة نمطية ترى في الأمومة عامل "ضبط اجتماعي"، يُقلل من احتمالية البقاء غير النظامي في إسبانيا. كما أن اختيار العاملات بناءً على المعايير البيولوجية – من حيث السن والقدرة الجسدية – يُعيد إنتاج منطق استغلالي يرى في الأجساد أدوات إنتاج لا أقل ولا أكثر  ليعكس هذا الواقع عنفاً تقاطعياً يجمع بين العنف الاقتصادي (ضعف الأجور، ظروف العمل المهينة)، والعنف الجندري (التحرش، غياب الخصوصية)، والعنف الرمزي (صمت المؤسسات وتهميش شكاوى العاملات).
 
- الالتزامات الدولية: بين التوقيع والواقع
رغم توقيع المغرب وإسبانيا على اتفاقيات دولية تُلزم بضمان بيئة عمل كريمة – مثل اتفاقية CEDAW واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189 – إلا أن الالتزامات تبقى حبرًا على ورق في غياب تفعيل فعلي. فالمادة 11 من CEDAW تنص على ضرورة توفير ظروف عمل عادلة وآمنة للنساء، بينما تقضي المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بضمان السلامة في بيئة العمل.
غير أن الدولة المغربية، باعتبارها الطرف الموفِّر لليد العاملة، تكتفي بدور الوسيط التقني في خضم هذا الوضع المأساوي، دون أي دور فعّال في مراقبة ظروف العمل أو تقديم الدعم القانوني والدبلوماسي للعاملات في هذه الضيعات .
- أي إصلاح ممكن؟ بين التمكين والاستغلال البنيوي
يُعد استمرار الوضع الحالي مؤشراً على خلل بنيوي في الحكامة القانونية والاجتماعية للهجرة الموسمية. ويتطلب إصلاح هذا النموذج:
مراجعة الاتفاقيات الثنائية لإدماج مقتضيات حقوقية واضحة،
إعادة صياغة العقود بشكل يضمن الشفافية والحماية من العنف،
إنشاء آلية رصد مستقلة مشتركة،
تمكين المجتمع المدني من المشاركة في التكوين والمراقبة،
تفعيل التزامات المغرب الدولية بما ينسجم مع الفصل 24 من الدستور الذي ينص على الحق في الكرامة والأمان.

ختاما:
إن واقع العاملات المغربيات في ويلبا يُظهر حدود المقاربة الاقتصادية التي تُغفل البعد الحقوقي. فالهجرة الدائرية كما هي مطبقة حالياً، ليست سوى نمط جديد من "العبودية المعولمة"، ما لم تُصاحبها إرادة سياسية لتقويم الاختلالات البنيوية، والنهوض بحماية فعلية للعاملات في الداخل والخارج.
نجيبة قسومي، محامية متمرنة وباحثة في القانون الإجتماعي