الخميس 10 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

أسلامة أشطوط: حراس الگصر.. حلم يتجسد في الواقع

أسلامة أشطوط: حراس الگصر.. حلم يتجسد في الواقع أسلامة أشطوط
في مهرجان الفيلم الدولي بالهند، احتشدت الأضواء والأنظار في قاعة عرض تضج بالتوقعات، حيث كان الجميع ينتظر رؤية عمل سينمائي مميز، وقد كانت اللحظة المبهرة عندما عرض فيلم "حراس الگصر". بلمسات عيدة أحمد مولاي بويا، انتقلت أجواء الصحراء المغربية الهادئة إلى قاعة العرض، محملة برائحة الرمال الدافئة وعبق التاريخ العريق. كان الحضور مأخوذا بالعمل، وكأنهم يجلسون في قلب الصحراء المغربية نفسها، يشعرون بحرارة الشمس وتدفق الرياح على الوجوه. تلك اللحظات جعلت الجمهور يعيش تجربة فريدة، وكأنما أزالت الشاشة الفاصلة بين الهند والطنطان، لتدمج المكانين في مشهد سينمائي بديع، حيث يمتزج الحلم بالواقع، ويتحرك التاريخ في صور مرئية تنبض بالحياة. 

وفي لحظة الإعلان عن فوز الفيلم بالجائزة الكبرى، دوى التصفيق في القاعة، ولكن الهتاف لم يكن مجرد احتفاء بانتصار شخصي، بل كان تكريما لجماعة بأكملها، لأولئك الحراس الذين سُلط الضوء عليهم وللمخرجة التي جسدت هذا العالم بكل تفاصيله. عيدة، السيدة التي حملت شغفها وإرث مدينتها، لم تكن تقف على المنصة وحدها، بل كانت كل روح تسكن الگصر وكل صخرة من ترابه، تقف معها في تلك اللحظة. 

الطنطان، المدينة التي تعود جذورها إلى أعماق التاريخ الصحراوي، لا تزال تصنع الحدث. من خلال الإبداع السينمائي، يخرج أبناؤها ليقولوا للعالم أن هذه المدينة الصغيرة قادرة على خلق معجزات فنية تلمس أرواح الناس وتروي قصصا خالدة.

إسم عيدة أحمد مولاي بويا كُتب بحروف من نور في سجل السينما العالمية، ولكن أكثر من ذلك، فإنه محفور في قلوب كل من شاهد فيلم "حراس الگصر" وشعر بتلك الروح التي تنبض في أعماقه.

هذا الإنجاز الكبير لا يمثل فقط نجاحا فرديا، بل هو انتصار لكل من ساهم في إحياء هذه الحكاية، ولكل من آمن بقوة الفن في إعادة بناء الجسور بين الماضي والمستقبل.

فيلم "حراس الگصر" ليس مجرد عمل وثائقي، بل هو قطعة من التاريخ تُروى بلغة الفن، تُحافظ على تراث لا يندثر، وتبني مستقبلا مشرقا للسينما المغربية. وهكذا، تُثبت الطنطان مرة أخرى أنها ليست فقط مكانا على الخريطة، بل هي نبض فني وإبداعي مستمر، يُلهم الأجيال ويخلق مساحات جديدة من التعبير.

مع تتويج عيدة أحمد مولاي بويا، لم يُكتب اسمها فقط في سماء السينما، بل كُتبت معها قصصٌ وحكايات لن تُنسى. إنها حكاية الطنطان، التي كلما أتيحت لأبنائها الفرصة، صنعوا الحدث وكتبوا صفحة جديدة في كتاب السينما العالمية.
فوز الفيلم بجائزة كبرى في المهرجان الدولي بالهند لم يكن مجرد نقطة ضوء في سماء السينما المغربية، بل كان تتويجا لإبداع جماعي يُظهر قدرة السينما على تجاوز الحدود. وسط منافسة مع أعمال بارزة من دول مختلفة. استطاع "حراس الگصر" أن يثبت مكانته بفضل عمق محتواه وجودة إنتاجه.

هذا النجاح، الذي يضاف إلى رصيد السينما المغربية، يُعبر عن قدرة الإبداع الوطني على مواجهة التحديات العالمية. كما يُظهر أن القصص المحلية يمكن أن تجد لها صدى في العالم، وتكون قادرة على إلهام الآخرين. إن الإنجازات التي حققها "حراس الگصر" تعكس تاريخا طويلا من التفاعل بين الثقافة والفن، وتؤكد على أهمية الحفاظ على التراث في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم.

ومع تتويج "عيدة أحمد مولاي بويا"، فإن الطنطان تُثبت مرة أخرى أنها مركز للإبداع الفني. من خلال هذا الفيلم، تعكس المدينة روح التحدي والإبداع، وتؤرخ لاسم سيبقى شامخا في سماء السينما العالمية. وهكذا، يُبشر "حراس الگصر" بمستقبل مشرق، حيث يلتقي الفن بالتاريخ، وحيث تظل الحكايات حية في قلوب الأجيال القادمة. 

"حراس لگصر" ليس مجرد فيلم وثائقي، بل هو نافذة تطل على آلاف السنين من التاريخ الحي المتجذر في عمق "گصر آسا". إن هذا العمل الإبداعي للمخرجة المتميزة عيدة أحمد مولاي بويا، ابنة مدينة الطنطان، يتجاوز مجرد توثيق للتراث، ليصبح سفرا سينمائيا بين أروقة التاريخ وعظمة الجغرافيا وغنى الذاكرة الشعبية التي تُحكى بلغات شتى: الحسانية، الأمازيغية، والدارجة. ورغم تنوع هذه اللغات، فإن القاسم المشترك بين شخصيات الفيلم هو الإنتماء القوي لهذا الصرح الشامخ، "گصر آسا"، الذي تعود جذوره إلى آلاف السنين. 

في هذا الوثائقي، تنقلنا المخرجة برؤية فنية دقيقة وعين تلتقط التفاصيل المخفية إلى عالم يعج بقصص الأجداد، أولئك العظماء الذين مروا من هناك، ثم استقروا عند سفوح الجبال، يراقبون من الأفق بصمت وسكينة، وكأن أرواحهم ما زالت تسكن كل حجر وكل درب في هذا القصر. هنا، لا يُعنى الفيلم فقط بتوثيق الماضي، بل بإحياء تلك الروابط التي ما زالت تمتد من الماضي إلى الحاضر، مؤكدة على استمرارية الذاكرة والهوية.

عيدة أحمد مولاي بويا، ومن خلال عدستها المبدعة، ترسم صورة ملحمية لهذا المكان. فالترحال بين أزقة "لگصر" القديمة يشبه رحلة عبر الزمن، حيث تتشابك حكايات الأجداد بحاضر الأحفاد. يتحدث "حراس لگصر" عن تلك القوة العجيبة التي تربط الإنسان بأرضه، وكيف أن هذا الموروث الغني يعكس هوية معقدة ومتعددة الروافد، تجمع بين الأمازيغية، الحسانية، العربية، والإفريقية. هي حكاية عن أناس عاشوا ببساطة، لكن تاريخهم لم يكن يوما بسيطا.

ومن خلال التركيز على الشخصيات التي لا تزال تحافظ على تقاليد لگصر وتراثه، يقدم الفيلم صورة حية للتحديات التي تواجه المجتمع في الحفاظ على هويته وتقاليده في عصر يتغير بسرعة. تظهر في الفيلم أصوات هؤلاء الحراس، الذين يروون قصصهم بلغاتهم المختلفة، من الحسانية التي تنبعث كنسمة من الصحراء، إلى الأمازيغية التي تردد صدى الجبال الشامخة. ويأتي الحوار بالدارجة ليجمع بين هذه الأصوات، وكأنها أوركسترا تعزف سيمفونية قديمة في تناغم دقيق.

لا يقتصر دور هذا الوثائقي على تسليط الضوء على القصر كمعلم تاريخي، بل يبرز أيضا أهمية الحفاظ على الهوية والثقافة. في زمن يغمره التغيير، يسعى "حراس لگصر" إلى تثبيت الجذور، والاحتفاء بالموروث الثقافي الغني لسكان قصر آسا. إن هذا القصر ليس مجرد أطلال قديمة، بل هو رمز للبقاء، وللحفاظ على الأصالة رغم كل ما مر به الزمان.

وتأتي هذه الرؤية السينمائية لتحمل على عاتقها مسؤولية أكبر؛ فهي ليست مجرد عرض للماضي، بل هي دعوة للمستقبل، تحث الأجيال الجديدة على استلهام التراث الغني والإبداع في الحفاظ عليه. وكما كانت الأرض شاهدة على قصص أبطال مضوا، فإن هذا الوثائقي يُعد أيضا شهادة على أبطال الحاضر، أولئك الذين يواصلون حماية وحراسة هذا التراث العظيم.

ومع هذا التتويج  للفيلم، في مهرجان Mei الدولي للفيلم بالهند، يحقق "حراس لگصر" خطوة إضافية نحو العالمية، حيث يحمل معه صوت الطنطان، وقصر آسا، وكل حكايات الأجداد إلى أبعد الحدود. إنه إنجاز يُضاف إلى مسيرة عيدة أحمد مولاي بويا، التي أثبتت قدرتها على المزج بين الخيال والواقع، لتخلق عملا سينمائيا يلامس القلوب والعقول على حد سواء، ويظل محفورا في الذاكرة كجزء من التراث الوطني الذي يستحق كل تقدير.

في النهاية، إن هذا الإنجاز لا يمثل فوزا فرديا، بل هو انتصار للجماعة، للثقافة المغربية، وللرسالة التي يحملها كل مبدع يسعى لتقديم قصة تُحيي الماضي وتبني المستقبل. هنيئا لنا جميعا بعيدة أحمد مولاي بويا، هنيئا للطنطان التي تواصل صنع الأحداث وتكتب صفحات جديدة في كتاب السينما العالمي.

هنيئا لعيدة أحمد مولاي بويا، التي أثبتت بجدارة أن الطنطان، أرض الإبداع، قادرة على أن تظل في مقدمة المشهد الفني العالمي، وتُضيء سماء السينما بأعمال تستحق أن تُروى.
 
أسلامة أشطوط /باحث في التاريخ، التراث والدراسات الصحراوية والافريقية