خص الأستاذ عبد القادر زاوي، سفير المغرب سابقا بالإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين، موقع "أنفاس بريس" بمقال شيق عن جذور التغلغل الإيراني بالعالم العربي والطرق التي اعتمدها حكام وفقهاء طهران لتعزيز هذا التغلغل. وبسط زاوي المفاتيح المتاحة حاليا لإعادة إيران إلى حجمها.
وقال زاوي (في المقال الذي ننشره في ركن كتاب الرأي) بأن لا أحد يجادل في أن إيران استطاعت أن تصل بعد جهود مضنية إلى احتكار الحديث باسم الشيعة عبر العالم. ورغم أنها دستوريا دولة جعفرية أو إثنا عشرية المذهب؛ إلا أن الجمهورية الإسلامية تمكنت من إشاعة انطباع يكاد أن يكون صحيحا مائة بالمائة خاصة في العالم العربي بأنها حاملة مشعل الدفاع عن شيعة العالم أيا تكن مذاهبهم، زيديون كانوا أم إسماعيليون، ناهيك عن النصيريين العلويين في سوريا، الذين باتت راعيهم الأول.
وقد وصلت إيران إلى هذه المبتغى بفضل استثمارات كبيرة سياسيا وماليا وإعلاميا وجدت سندها القانوني في دستور البلاد، الذي يعتبر الدفاع عن المستضعفين في العالم واجبا مقدسا حسب منطوق البند 16 من المادة 3 من الدستور، الذي تم وضعه بعد انتصار الثورة الخمينية. والمستضعفون في القاموس الشيعي هم شيعة آل البيت الذين يروج الإعلام الإيراني أنهم كانوا عرضة للتنكيل بهم من مختلف الممالك والأنظمة السنية منذ عهد بني أمية.
لكن رغم الصوت الصاخب، وما تقوم به من تدخلات في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، وعلى عكس ما تريد أن توحي به، فإن إيران توجد في موقف دفاعي الآن، لأن هلالها العتيد مهدد جديا بالانفراط. والفرصة مواتية حاليا للعمل من أجل إعادتها إلى حدودها الطبيعية، ولجم تغلغلها في أوساط الشيعة العرب، بل والتأثير في داخل أوساط مجتمعها نفسه الغاضب والناقم بسبب تردي الوضع الاقتصادي، وخاصة فئة الشباب التي كما يقول أنطوان بصبوص في كتابه باللغة الفرنسية "التسونامي العربي" تشعر بالحسرة والغيرة عند إجراء المقارنة بين المدن الإيرانية البئيسة ونظيرتها العربية على الشاطئ الآخر من الخليج.
ولتحقيق ذلك، فالمطلوب اتخاذ مجموعة إجراءات سياسية ودينية وفكرية واقتصادية واجتماعية وإعلامية متكاملة بعضها يمكن أن يعطي مردودا عاجلا على المدى المنظور، والبعض الآخر يتطلب نفسا طويلا، فضلا عن إدماجه في استراتيجية شاملة على المدى البعيد، وذلك كما يلي:
1/ لا ينبغي أن تقتصر مطالبة إيران بإبداء نوايا حسن الجوار والرغبة في التعاون المفيد لها ولجيرانها العرب من خلال تصريحات مسؤوليها فقط. فالتجارب أثبتت أن معظم هذه التصريحات هي للاستهلاك الإعلامي، وتتناقض فيما بينها. إن أول خطوة يجـب على إيران القيام بها هي إلغاء البند 16 من المادة 3 من الدستور وكافة النصوص القانونية المنبثقة عنه، والتي تبيح أو تشجع على التدخل في شؤون الغير، وتجعل منه واجبا دستوريا ودينيا أيضا.
2/ التركيز على إبراز النفس الطائفي في الدستور الإيراني نفسه الذي لا يعترف في مادته 13 سوى بالزراديشت واليهود والمسيحيون كأقليات دينية، فيما يقر فقط باحترام المذاهب الإسلامية الأخرى وذلك بعد أن ينصص على المذهب لبجعفري الإثنا عشري مذهبا رسميا للدولة غير قابل للتغيير إلى الأبد ( المادة 12 ).
3/ محاربة الشعور المبالغ فيه بالتمييز الذي تربى داخل أوساط الشيعة العرب، والتركيز على إذكاء روح المواطنة فيهم بدل تركهم يحتمون وراء الانتماءات الدنيا، وذلك من خلال دمجهم في كافة المؤسسات، وإسناد مسؤوليات وطنية لهم ولو بالتدريج في سياق ترسيخ جسور الثقة بين كافة مكونات الشعوب.
4/ العمل في مجال التربية والتعليـم والتكوين الديني والفقهي من أجـل تصعيـد مراجع تقليـد دينية "آيات الله العظمى" من أوساط الشيعة العرب أنفسهم بدل أن يظل هؤلاء في مستوى الوكلاء للمراجع الفارسية وغيرها. ألم يكن من المفيد ربط التواصل مع المرجع الديني آية الله محمود الحسني الصرخي في كربلاء، الذي تؤيده صراحة هيئة العلماء المسلمين السنية بالعراق على أساس أنه تصدى للهيمنة الأمريكية بعد الاحتلال، ويتصدى اليوم للهيمنة الإيرانية، ما جعل رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي يعتبره من دواعش الشيعة.
(تفاصيل أكثر في ركن "كتاب الرأي")